تقارير

إسرائيل والانقلاب المصري.. سقوط ورقة التوت!

منذ وقت مبكر، اختارت إسرائيل أن تسقط ورقة التوت، وكشفت دون مواربة عن سرورها، بل ودعمها ورعايتها للانقلاب العسكري بقيادة الفريق «عبد الفتاح السيسي» الذي أطاح في 3 يوليو بحكم الإخوان المسلمين، الذين تنظر إليهم إسرائيل باعتبارهم مهدداً أمنياً لمصالحها ومهدداً لاستمرار اتفاقية (كامب ديفيد) المثيرة للجدل.
وربما كان مفاجئاً للكثيرين الاعتراف الذي فجره المحلل العسكري الإسرائيلي «روني دانيئيل» في حوار أجرته معه القناة الإسرائيلية الثانية، حيث كشف عن أن الفريق «السيسي» أبلغ المسؤولين الإسرائيليين بعزمه القيام بانقلاب على حكومة الرئيس المنتخب «محمد مرسي»، وذلك قبل ثلاثة أيام من وقوع الانقلاب. وقال «روني دانيئيل» في الحوار الذي بثته القناة الإسرائيلية الثانية في مساء الاثنين 15 من يوليو 2013م: (إن السيسي أبلغ المسؤولين الإسرائيليين بالانقلاب قبل ثلاثة أيام من وقوعه).. وأضاف: (السيسي كان متخوفاً من حماس.. كان يخشى تدخل حماس في الشأن المصري وطلب من الإسرائيليين مراقبتها، ووجد طمأنة من المسؤولين الإسرائيليين، بأن إسرائيل ستراقب الوضع هناك في غزة، بل هو تحت المراقبة، وفي المقابل نصحت إسرائيل السيسي بضرورة هدم الأنفاق).
ووصف المحلل العسكري «روني دانيئيل» الانقلاب بأنه (جيد لإسرائيل، بل كان مطلباً ملحاً لأمنها).
وكشف «روني» عن وجود اتصالات مكثفة بين «السيسي» و»البرادعي» والحكومة الإسرائيلية، وقال إن «البرادعي» التقى «نتنياهو» قبل وبعد الانقلاب العسكري، وإن إسرائيل وعدت بالمساعدة في حصول نظام الحكم الجديد على اعتراف الدول الغربية.
وفي السياق، تكثفت الدعوات من إسرائيل إلى الغرب بتقديم الدعم لمصر.. وأجرت حكومة إسرائيل– حسب صحيفة هارتس العبرية- اتصالات مكوكية بالغرب تدعوه إلى تقديم كل أشكال الدعم السياسي والاقتصادي للانقلابيين. وطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» من سفراء تل أبيب في العالم شرح الأسباب التي توجب على إسرائيل التدخل من أجل تمكين الجيش المصري من استعادة الاستقرار بالبلاد.
وفي مقال نشره في موقع (واي نت) الإخباري الإسرائيلي، دعا المعلق العسكري «رون بن يشاي» الغرب إلى دعم قائد الانقلاب بدون تحفظ، باعتبار أنه يقود المعركة ضد الذين يحاولون إعادة الإسلام إلى الصدارة، وحذر الغرب من الركون إلى فكرة نشر الديمقراطية على حساب الاستقرار.
{ سنبكي دما ًلأجيال
ودعت ورقة بحثية أعدها السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر «تسفي مزال» الغرب إلى الإسراع في تقديم الدعم لحكم «السيسي» وعدم السماح بتوفير الأرضية لعودة حكم الإخوان في مصر.. وقال إن الغرب سيبكي دماً لأجيال إذا سمح بإفشال الانقلاب الذي قاده في مصر الجنرال «السيسي».
ولفتت الورقة الصادرة عن مركز القدس لدراسات الدولة والمجتمع، التي جاءت تحت عنوان (مصر في مواجهة لا مبالاة الغرب)، لفتت الأنظار إلى ما وصفته بالإنجازات التي حققها «السيسي» في مدة زمنية قصيرة، ومنها: شن حرب لا هوادة فيها ضد التنظيمات الجهادية العاملة في سيناء، وتدمير الأنفاق التي تزود الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة بالسلاح، ورفض السماح لرئيس الوزراء التركي «طيب رجب أردوغان» بزيارة غزة عبر مصر.
وقال كبير معلقي صحيفة (إسرائيل اليوم) «دان مرجلت» في مقالة نشرتها الصحيفة: (سنبكي دماً لأجيال إذا سمحنا بفشل الانقلاب وعاد الحكم للإخوان). وقال (إذا سمح العالم بعودة الإخوان فإنه يتوجب على إسرائيل فعل المستحيل لضمان عدم حدوث ذلك، لأن الإخوان سيتوجهون للانتقام من إسرائيل في حال عادوا للحكم لإدراكهم دور إسرائيل في دعم السيسي.. إن السيسي يمعن في القتل لأنه يدرك مغزى فشله، وعلينا التجنّد لإنجاح حكمه، فهذه قصة حياة أو موت، ليس بالنسبة له، بل بالنسبة لنا نحن أيضاً).
إلى ذلك، ومنذ وقت مبكر، تجنّد مركز أبحاث الأمن القومي في إسرائيل- الذي يعدّ من أهم مراكز التقرير الإستراتيجي في الكيان الصهيوني- ووضع توصيات وتصورات لدعم انقلاب «السيسي».. وحسب ما جاء في ورقة توصياته فإن (المصلحة الإسرائيلية تتطلب تشكيل نظام علماني ليبرالي لا تمنعه قيود أيديولوجية من مواجهة الجهات المتطرفة، سواء في مصر كلها أو في سيناء على وجه الخصوص).. وجاء في توصياته التي رفعها إلى صانعي القرار في تل أبيب ونشرها على موقعه الإلكتروني: (ضرورة تعزيز التعاون مع الجيش المصري، ومواصلة السماح له بدفع المزيد من القوات في سيناء، وذلك لكي يتمكن من العمل ضد البؤر الجهادية، وكي يتصدى لعمليات تهريب السلاح إلى غزة).
كما أوصى صانعي القرار ببذل جهود كبيرة من أجل ضمان تواصل الدعم لقادة العسكر في مصر، وتشجيع المستثمرين الأجانب على تدشين مشاريع البنى التحتية في مصر من أجل توفير فرص عمل، على اعتبار أن تدهور الأوضاع الاقتصادية سيهدد حكم العسكر.
وقامت إسرائيل بجهود مضنية– حسب ما قالت صحيفة هارتس العبرية عن مسؤولين إسرائيليين- كي تقنع الولايات المتحدة بعدم اعتبار ما حدث في مصر انقلاباً عسكرياً، ما يعني وفق القانون الأمريكي وقف المعونة التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر.
وأفادت (هارتس) في موقعها الإلكتروني نقلاً عن موظف كبير في الإدارة الأمريكية، بأن الحكومة الإسرائيلية توجهت إلى مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية طالبة عدم المساس بالمعونة الأمريكية للجيش المصري التي تقدر بـ(1.3) مليار دولار، لما قد يحدثه ذلك من تداعيات على أمن إسرائيل.
وفي السياق، قالت الإذاعة العبرية في نشرة أخبار السابعة صباحاً في 8/7/2013م إن رئيس الوزراء «نتنياهو» نجح في إقناع إدارة «أوباما» بعدم اعتبار عزل «مرسي» انقلاباً عسكرياً لضمان تواصل الدعم الأمريكي، وأفادت (هارتس) أن الجيش المصري توجه بالشكر والامتنان للجانب الإسرائيلي على جهوده الجبارة المبذولة لدعم الجنرالات المصريين وتعزيز مكانتهم لدى واشنطن.
{ إسرائيل مسرورة
المدير السياسي والعسكري لوزارة الدفاع الإسرائيلية «عاموس جلعاد» كان مسروراً وسعيداً، حسب ما بدا من كلماته وعباراته في كلمته التي ألقاها أمام المؤتمر الدولي لمعهد مكافحة الإرهاب بهرتزليا.. وقال إن «السيسي» يتصدى لجماعة الإخوان المسلمين التي لم تتخل عن التزامها الأيديولوجي بتدمير إسرائيل، ووصفه بأنه (زعيم جديد سيذكره التاريخ). وقال: (لأول مرة نرى مثل هذه العمليات الحازمة ضد الإرهاب في سيناء، بغض النظر عن مصالح إسرائيل، فإنه من المهم السماح باستمرار العمليات المصرية). وقال: (إن المصريين يدركون الآن أن حركة حماس تشكل تهديداً لهم.. ونحن مسرورون بقوة الردع التي يقوم بها المصريون على حدود غزة)، وتابع وفقاً لصحيفة (جيروزاليم بوست) الموقع الإلكتروني: (إن حماس لم يعد لها أي حليف بالمنطقة.. إن محوراً قوياً من الدول السنّية بالشرق الأوسط يتشكل الآن، لا يعدّ إسرائيل عدواً لدوداً، ويتصدى للإرهاب الجهادي المتطرف).
ربما يكون مدهشاً للكثيرين إعلان دولة الكيان الصهيوني على الملأ عبر إعلامها، قنواتها وصحفها، وعلى لسان مسؤوليها دعمها ورعايتها للانقلابيين في مصر.. برغم ما يسببه ذلك من إحراج للانقلابيين. غير أن الأكثر إدهاشاً هو ما أعلنته عبر إذاعة الجيش الإسرائيلي في البرنامج الحواري (ما الذي يحترق؟)، الذي يقدمه «رازاي بركائي» ففي يوم 24 يوليو استضاف البرنامج الجنرال المتقاعد «رؤفين بيدهستور» رئيس هيئة أركان سلاح الجو الإسرائيلي سابقاً، و»دان جالوتس» رئيس هيئة أركان الجيش الأسبق، و»عاموس جلبوع» رئيس لواء الأبحاث من شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) سابقاً.. وأكد ثلاثتهم أن (أهم ما نجم عن الانقلاب الذي قاده السيسي ليس هو عزل مرسي أو إسقاط حكم الإخوان.. بل أهم ما نجم عن الانقلاب هو اندفاع الجيش المصري نحو مسار سيؤدي إلى إضعافه)، وهو ما عدّوه مصلحة إستراتيجية عليا لإسرائيل.
وقال «رؤفين بيدهستور» خلال البرنامج: (حتى من أكثر الأحلام وردية لم يكن لإسرائيل أن تتوقع حدوث هذه النتيجة، فاندفاع الجيش المصري نحو السياسة على هذا النحو غير المسبوق يعني عدم إحداث أي تغيير على موازين القوى القائمة بيننا والعرب في المستقبل ولفترة طويلة، على اعتبار أن آخر ما سيعني قادة الجيش المصري في المستقبل هو تعزيز قوته العسكرية، حيث سيكون جل تركيزه على تحسين قدرتهم على الإمساك بذمام الأمور في البلاد).
إذن هذه هي إسرائيل.. وهذا هو موقفها ودورها.. كما كتب المفكر الإسرائيلي «آربيه شافيت» في مقال نشرته صحيفة (هارتس) العبرية في عددها الصادر في يوم 11/7 (في إسرائيل لا يوجد ثمة جدل.. كلنا مع السيسي، كلنا مع الانقلاب العسكري.. كلنا مع الجنرالات حليقي اللحى، الذين تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة، ونحن نؤيد حقهم في إنهاء حكم زعيم منتخب وملتحٍ، مع أنه أيضاً تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، ومع أن هؤلاء الجنرالات كان يتوجب أن يكونوا خاضعين لتعليماته).
وأخيراً يبقى السؤال.. لماذا تكشف إسرائيل أوراقها وتعلن عن مراميها وأهدافها؟ ولماذا كشفت أن الفريق «السيسي» أبلغها بالانقلاب قبل ثلاثة أيام من وقوعه؟!
حين طرحت (المجهر) السؤال على الخبير الأمني «حسن بيومي» قال: إذا أنتم لا تعرفون العقلية الإسرائيلية.. أنا سأحكي لكم عن العقلية الإسرائيلية.. عندما قمنا نحن بترحيل الفلاشا.. وكان هذا في مصلحة إسرائيل أليس كذلك؟ في نفس اليوم الذي كنا نرحلها فيه كانوا يعلنون الخبر هناك في إسرائيل رغم أن اتفاقنا معهم كان ألا يتم إعلان الأمر.. لماذا فعلت إسرائيل ذلك؟ يرى الخبير «حسن بيومي» أنها فعلت ذلك بهدف إحداث بلبلة.
{ إسرائيل متبجحة
أما المحلل السياسي الدكتور «حسن الساعوري» وقبل أن يجيب عن سؤال (المجهر) قال: إن ما يجري في مصر الآن يصب في مصلحة إسرائيل.. أكثر دولة يمكن أن تهدد أمن إسرائيل هي مصر.. إسرائيل وقعت مع مصر اتفاقية سلام ولكن هذه الاتفاقية من الممكن طبعاً أن تعدّل أو تلغى، وبالتالي إستراتيجية إسرائيل هي (العمل على إضعاف مصر).
وكلما كانت مصر غير مستقرة كانت ضعيفة، وكان ذلك في مصلحة إسرائيل.. هذا بالإضافة إلى أن الإخوان المسلمين في مصر قوة اجتماعية واقتصادية وسياسية متجذرة، جذورها ضاربة بقوة، وبمثلما يتحدث الناس عن الدولة العميقة يمكن لهم أن يتحدثوا عن الحزب العميق.. حزب الإخوان المسلمين.. الإخوان لا يمكن لإسرائيل أن تطمئن لهم، لأن موقفهم من القدس واضح، ولا يمكن أن يتنازلوا عنه، لأنه موقف عقدي.. لذلك فمن مصلحة إسرائيل تحجيم الإخوان في مصر.. لذا هي لابد أن تحشر أصابعها في ما يجري هناك.. لماذا تحشر إسرائيل أصابعها ثم تعلن على الملأ أنها حشرت أصابعها؟ د. «الساعوري» يقول: (لأنها الآن هي القوة الوحيدة في الشرق الأوسط.. إسرائيل تمتلك السلاح الذري ما يعني أنه إذا اشتعلت حرب فإن إسرائيل هي من سينتصر.. لذلك (لازم تتبجح) وهي تنطلق من منطلق كونها نظاماً سياسياً مستقراً ويجد الإجماع من الإسرائيليين، لذلك تتبجح و(تعمل الدايراهو) والكلاب تنبح.. و(الجمل ماشي والكلب ينبح)، حسبما قال دكتور «الساعوري».

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية