السياحة والمناطق السياحية
في اعتقادي أن الفرق بيننا والإخوة في مصر أنهم يحسنون الرعاية لوطنهم، ولهذا يتدفق السياح على بلدهم من كل أنحاء العالم، وكل العالم يضع مكانة كبرى لمصر ويحترمها ويتمنى زيارتها لأنه سمع عن آثارها وعن شتائها الدافئ. ورغم أن آثار السودان تعود إلى نفس الحقبة، إلا أن غياب الدعاية لعب دوراً في تجاهل العالم لمناطقه الأثرية. ويكفي أن السياح عندما يزورون (المتحف القومي) بالخرطوم يحرصون على إبداء إعجابهم الشديد بآثار الحضارة النوبية وبتماثيلها الفخمة، ويعجبون كيف أننا لم ننظم حملات دعاية لها مثل مصر، وأننا نقلناها من أماكنها إلى الخرطوم لتسهيل مهمة. وحتى تلك التي حركناها من أماكنها مثل آثار (البجراوية) لم نهتم بإقامة مرافق تخدم السائح ولم نسهل له طريق الوصول إليها.. تركناه يصارع ويستقل قطارات بدائية ليذهب إلى مواقع ليست فيها فنادق أو منتجعات وليست بها خدمات كهرباء. أي أننا تركنا تلك المناطق بحالتها البدائية كأننا نريد أن نقول للسائح، أننا لا نود تطوير هذه المناطق حتى يعيش السائح الجو الحقيقي لهذه الآثار!! بل ونحرص على تصويرها وهي في حالتها البدائية في فخر وكأننا نفخر بالتخلف
حتى الأماكن التي لا تحتاج إلى دعاية لا نهتم بها ونتعامل معها كأنها شيء غير ذي أهمية رغم العملات الصعبة التي توفرها لمصر، بحيث أضحت السياحة مصدر الدخل الأول وليس الثاني لمصر.
في أحد الأيام دخلت إلى مكتب الخطوط الجوية السودانية وذهلت من الصورة التي يقدم بها (المكتب السوداني) للعالم. كان في وسط المكتب صورة كبيرة لأحد أبناء جنوب السودان جسمه كله عارٍ ويضع بدل الملابس كميات كبيرة من الخرز الملون وجسمه نفسه هزيل، وكتب على الصورة بخط واضح كلمة السودان، في إشارة إلى أن ما تشاهده يمثل السودان.
صحيح في تلك الأيام كان الجنوب جزءاً من السودان، ولكن هل كان في الصورة ما يشرفنا؟ وأذكر أنني اغتظت وتحدثت مع مدير المكتب، كيف يجعل هذه الصورة رمزاً للسودان، وكانت النتيجة عندما جئت في اليوم التالي ووجدتهم قد أزالوا الصورة واستبدلوها ولكنهم أيضاً لم يضعوا صورة تعبر عن السودان وتعكس المستوى الحضاري.. لقد وضعوا صورة فيها مشهد لميناء (بورتسودان) والميناء ليست به إلا سفن متوقفة، وهو المشهد الذي يتكرر في كل موانئ العالم وليس به ما يدهش أو يمثل دعاية تجذب الأنظار، أي أنهم عندما أرادوا التغيير لم يعرفوا كيف يضعون مشهداً يعبر عن السودان، ولم يلاحظوا أن الإخوة في (السعودية) عندما يقدمون مشهداً يعرض التطور الحضاري يقدمون أجمل الشوارع للمدن السعودية رغم وجود الأماكن المقدسة. وفي أي صورة لمدينة (جدة) تشاهد العمارات الشاهقة والشوارع ذات الميادين الخضراء الجميلة المتسعة، بينما نحن إذا قدمنا مشهداً لمدينة (بورتسودان) لا تجد فيه إلا الميناء بسفنه المتوقفة.
لماذا لا نعرض مشهداً يعبر عن التقدم الحضاري لمدننا ويعكس الشوارع العريضة ذات الحدائق بدل تلك الصور التي تشير إلى تخلفنا.
في الخرطوم بالذات هناك عشرات المواقع التي بها مساحات خضراء، وهناك نيلان يعتبران من أكبر أنهار إفريقيا، وهناك تقدم معماري كبير، وهناك مناطق غابات عذراء تقع في حدود المدن لكنها لا تجد من يصورها، ورغم أننا بلد شاسع المساحة، إلا أننا لم نتوسع في النقل بالقطارات وطورناه، بل اتجهنا ناحية النقل البري رغم مخاطره.