تأشيرة "البشير"..!!
(التهارش) المتصاعد بين الدبلوماسية السودانية ونظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية بشأن مشاركة السيد رئيس الجمهورية المشير “عمر حسن أحمد البشير” في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، يبدو في كثير من جوانبه أن الخرطوم ستحرز به هدفاً صحيحاً في مرمى واشنطن، إلا إن رغبت الأخيرة في (الغلاط)، لأنه من حيث المبدأ فإن المنظمة الدولية هي صاحبة المنشط وهي الداعية، ولها سيادة افتراضية على مقر الجمعية العامة، وأعمالها تخولها دعوة من تشاء بغض النظر عن موقف الإدارة الأمريكية وقوانينها، وما تعتقده بشأن الآخرين، هذا إن لم يكن هناك إعلان لاحق سيصدر ليؤكد أن “بان كى مون” الأمين العام للأمم المتحدة موظف لدى الحكومة الأمريكية يأتمر بأمرها، وهذا جائز مع هذا الشخص عديم الهيبة والحضور، ضئيل الشخصية والقرار.
لقد حددت اتفاقية (فيينا) محددات مثل هذه المواقف سواء أكانت مؤتمرات دولية مستضافة في بلد ما أو جمعية عامة للمنظمة الدولية، وخولت هذه الاتفاقية بشكل صريح للدولة العضو اختيار وفدها ورئيسه ونائبه والخبراء القانونيين والاقتصاديين ومستشارين فنيين، وأن تستعين بمن تراه مناسباً (إن شاء الله أنا ذاتي)، وجرى العرف والبروتوكول على اختلاف مستوى رئاسة الوفود، حسب أهمية المؤتمر ودرجته، فإن كان المنشط واللقاء قمة خالصة للرؤساء قاد الوفد الرئيس أو من ينوب عنه دستورياً، وإن كان أقل، تكفل وزير الخارجية بالأمر.
في حالة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، فكما أوضحت لا تملك دولة المقر مثقال قدرة أو مجال للاعتراض، وعليه لا يجوز للولايات المتحدة تعيين شكل مشاركة السودان إلا إذا كان الأمر يتعلق بمؤتمر خارج برامج المنظمة، كأن ينعقد لقاء ومؤتمر عن بلادنا ينشط فيه وسطاء دول أو منظمات أو أشخاص وفق أية مبادرة، فالبروتوكول هنا يمنح الولايات المتحدة حق مراجعة قوائم المشاركين والاعتراض على شخص بعينه أو مجموعة أشخاص من الوفد الممثل للحكومة السودانية، وهي الحالة التي لا تنطبق على الموقف من دعوة “البشير” الذي يشارك لكونه رئيس وفد عضو بالأمم المتحدة، ولم يذهب لتلبية دعوة خاصة من الأخ “أوباما”، وهذه من أبجديات المعلوم بالضرورة والتواتر في عرف القانون الدولي.
إن تحديد رئاسة “البشير” من عدمه وهل سيذهب وكيف ومتى ليس القضية الآن، وإنما الأولى هو إثبات هذا الحق وتثبيته، وواضح أن الدبلوماسية السودانية تدرك هذا وتمسك الآن بيدها موقفاً قوياً ومحرجاً للآخرين، ولا يؤثر على هذا اندفاع الولايات المتحدة في حملة تصريحات نارية ضد الزيارة، والتعبير الأصح لها المشاركة في المحفل الأممي واثق تماماً، فإن أولئك الدبلوماسيين الأمريكان يعلمون قبل غيرهم أنهم ينطقون بأشياء ضد القانون وخارجه آملين أن ينكسر الموقف السوداني والوطني يعلن سحب الرئيس من المشاركة أو استبدال تكوين الوفد وهو الإجراء الذي يجب أن تعلنه الجهة الداعية، وحينها لكل حادث حديث. وإلى أن يتم الجهر بهذا الموقف فإن على السودان التمسك بحقه السيادي والدولي، وبعد إثباته تتم مراجعة الترتيبات الأخرى وقياس المكاسب والمهددات.