حوارات

السكرتير العام للحزب الشيوعي "محمد مختار الخطيب" في حوار مع (المجهر)

تمر الساحة السياسية في السودان بحالة مخاض، تبلورت ملامحه في الحراك الواسع بين القوى السياسية المختلفة معارضة وحكومة، وابتدر هذا الحراك بلقاءات السلطة الحاكمة مع قيادات بعض الأحزاب، كحزب الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي.. ويتوقع الناس أن تفضي هذه اللقاءات إلى تطورات على مستوى تحالفات بعض الأحزاب وعلاقتها، وربما تقود إلى تغييرات في التشكيل الوزاري المرتقب. ويجيء هذا الحراك في وقت يشهد فيه السودان تحولات على الصعيد الاقتصادي، دعت الحكومة إلى الجلوس مع القوى المختلفة لشرح أبعاد القرارات التي تعتزم اتخاذها.
على المستوى الآخر، يبدو أن الحزب الشيوعي السوداني أصبح يتعامل مع هذا الحراك وفقاً لقناعاته ورؤيته الخاصة التي تقوده إلى تحقيق مصالحة، سواء أكان على الصعيد الحزبي أو صعيد التحالف المعارض – كما يعتقد المراقبون – مما دعاه مؤخراً إلى مقاطعة طاولات الحوار التي انعقدت مؤخراً بين المؤتمر الوطني وبعض القوى السياسية الأخرى.
(المجهر) التقت السكرتير العام للحزب الشيوعي “محمد مختار الخطيب” في حوار تناول قضايا الساحة السياسية الآنية، بجانب قضايا حزبه وعلاقته بالتحالف المعارض.. فإلى التفاصيل.

} العلاقة بين أحزاب التحالف يشوبها كثير من التوتر خاصة مع حزب الأمة وبرز ذلك في لقاءات هذه الأحزاب المنفردة مع السلطة.. ما آلياتكم لتفعيل هذا الدور؟
– نحن بصدد عقد لقاء بين أحزاب التحالف لتنفيذ إصلاحات، والاتفاق حول كيفية إنزال التحالف على مستوى القاعدة حتى نتمكن من بناء تحالف قاعدي يساهم في كل القرارات.
} ألم يكن بينكم اتفاق حول الموقف من اللقاءات مع الحكومة؟
– المواقف من الحكومة مواقف طبقية.. التحالف يضم جبهة عريضة من اليسار إلى اليمين.. بعض من هذه القوى أو النخب النافذة في الأحزاب تعمل وفقاً لمصلحتها التي تقتضي عدم إحداث تغييرات جذرية في السياسات (الماشة) والمتسقة مع مصالحها، لكن هي مع الحرية والديمقراطية، بالتالي تعمل على التغيير.
} والقوى الأخرى؟
– القوى الأخرى التي ترتبط مصالحها مع القوى الكادحة (العمال والمزارعين) تسعى إلى تغيير كامل لهذه السياسات، لأنها تضر هذه الفئات وتؤثر عليها في حياتها ومعيشتها.
} الحزب الشيوعي على لسان أحد قادته قال هناك أحزاب معارضة في طريقها للمشاركة.. فهل طرحتم هذه القضية داخل التحالف؟
– ليست لدينا سلطة على أي حزب.. هذا تحالف طوعي لتحقيق أهداف محددة، وهناك حد أدنى متفق حوله، وبديل ديمقراطي بعد إسقاط النظام.. كذلك، حتى الآن لم يعلن أي حزب في التحالف مشاركته في الحكومة.
} لم تعلنوا لكن هناك من قابل الرئيس وآخرون في طريقهم لمقابلته؟
– هناك أطروحات تُطرح، لكن لا توجد خطوة تنفيذية في هذا الاتجاه، ونحن ما زلنا متمسكين بالتحالف ولا نسبق الحوادث.
} الحزب الشيوعي هو من قال ذلك؟
– من قال هذا الحديث قاله عن نفسه وليس الحزب، ويُسأل عنه هو، لكن نحن ما زلنا متمسكين بهذا التحالف، وسنظل نمد يدنا لعمل مشترك.
} بعض قادة أحزاب التحالف وصفوا التحالف بأنه تكتيكي.. ماذا قصدوا؟
– قصدوا أن تكون هناك أهداف محددة متفق حولها، والقوى المختلفة تتحالف لتحقيق هذا الهدف، هو إسقاط النظام، وبعد تحقيقه للناس مطلق الحرية في مواصلة التحالف أو بناء أهداف جديدة.
} هذا لا ينفي وجود اختلافات داخل التحالف؟
– (طبعاً).. هناك اختلافات بين الأحزاب، لكن هذا يتم في إطار العمل التنظيمي داخل التحالف، وهذه الأيام يتم الإعداد لعقد ورشة، ونحن ندعو لقيام هذه الورشة لنصل فيها إلى عمل تنظيمي وإداري صحيح، هذا التحالف يجب أن لا يكون تحالفاً فوقياً.
} كيف؟
– لا بد أن يتنزل إلى القاعدة، بأن تتم تحالفات في قواعد الأحزاب على مستوى المدن المختلفة، حتى لا يكون التحالف فوقياً بين القادة أو بين الأحزاب فقط.
} ما الهدف من تنزيل هذا التحالف إلى القواعد؟
– الهدف أننا ندعو إلى إسقاط النظام من خلال أوسع جبهة جماهيرية، ويجب أن يشمل ذلك أغلب أهل السودان، وهناك قوى انتظمت وأصبحت لديها قضاياها، وهي قضايا قومية، لكن تخصها بصورة مباشرة مثل تحالفات المزارعين والطلاب ومناهضي السدود.
} بالعودة إلى الورشة.. ما هي أجندتها وبالضرورة ستناقش موضوع الهيكلة؟
– ليس الهيكلة بأن يكون هناك شكل رأسي.. التحالف مبني على أساس تنسيقي بين الأحزاب، وهناك هيئة عليا وهيئة أعلى يمثلها قادة الأحزاب، والإصلاحات تتم في كيفية تنسيق هذا العمل في الإطار التنظيمي، وحتى إذا كان هناك نقد يتم في الإطار التنظيمي ويكون للإصلاح.
} حزب الأمة سبق أن اشترط قيام الورشة ومناقشة الهيكلة كأساس لمواصلة علاقته مع التحالف؟
– نحن نتجه نحو إصلاح داخلي، وتنزيل هذا التحالف إلى القواعد كما ذكرت.
} قيل إن الحديث عن تقارب الإسلاميين (الوطني والشعبي) واتفاقهما حول ما يجري في مصر شكل هاجساً لقوى التحالف الأخرى؟
– نحن متفقون حول الحد الأدنى، وهو إسقاط النظام وأن تكون هناك حكومة قومية تعمل على عقد مؤتمر دستوري نتفق فيه حول كيفية حكم السودان، وإجراء انتخابات نزيهة والعودة للديمقراطية.. هذا هو الخط العام.. أما موقفنا حول القضايا المختلفة فأي حزب له مواقفه التي يعمل وفقها، وحتى الآن لا حزب الأمة القومي ولا المؤتمر الشعبي قالا إنهما تخليا عن الحد الأدنى المتفق حوله، فما زالا يعملان معنا ويحضران اجتماعات التحالف.
} ننتقل بكم إلى قضايا الحزب.. ما هي أسباب تأخير انعقاد مؤتمركم العام السادس؟
– نحن الآن بدأنا الإجراءات، والمكتب السياسي ناقش مشروع الدستور والبرنامج ومشروع لائحة المؤتمر، ومشروع الورقة السياسية في نهاياته، وستتم دعوة اللجنة المركزية خلال الفترة القادمة والعضوية لتتم المناقشة ويجاز المشروع ويتنزل إلى القواعد، وفي أول اجتماع سيعلن تاريخ انعقاد المؤتمر السادس.
} متى سينعقد تقريباً؟
– حسب التقديرات الأولية كان من المقرر عقده في نهاية العام أو بداية العام القادم، لكن لظروف ذاتية مرتبطة باللجان وظروف الناس سيتم تقديمه، لأنه ينبغي أن يتم بعد اجتماع اللجنة المركزية وتكون الأوراق قد وصلت إلى القواعد، وعقدت مناقشاتها وسجلت ملاحظاتها، وبعد ذلك ستصبح هي الورقة النهائية التي ستقدم للمؤتمر.. وهذا الموضوع محدد بأربعة أشهر من تاريخ الإعلان، وأعتقد هذه فترة كافية.
} إذن هناك تاريخ تقريبي الآن؟
– نتوقع أن يعقد في الربع أو الثلث الأول من العام القادم.
} ماذا عن تغيير الاسم وفقاً لمطالبات بعض عضويتكم؟
– داخل المؤتمر سيتم انتخاب اللجنة المركزية التي ستقوم بتحديد السكرتير السياسي والسكرتيرين وتحديد المهام، لكن أي كلام عن تغيير الاسم غير وارد.
} لماذا؟
– لأن هذا الأمر حُسم في المؤتمر العام الخامس، فطبيعة الحزب والمؤسسية فيه والقيادة الجماعية، كل هذه المسائل أجزناها في المؤتمر الخامس بعد مناقشات عامة وتوصلنا إلى نتائج وجدول ثابت.
} هذا يعني أن العضوية التي تطالب بتغيير الاسم لم يؤخذ برأيها؟
– أبداً، هذا لا يعني أن من ينادون بتغيير الاسم أو طبيعة الحزب قد قُمع رأيهم.. هناك قنوات داخلية يطرحون رأيهم من خلالها وتتم مناقشته، لكن الخط العام والثابت أن يكون على نفس الاسم (ماركسي) و(حزب طبقة عاملة).
} في المؤتمر العام السابق ناقشت العضوية كثيراً منهج واسم الحزب ورأى بعضهم ضرورة إحداث تغيير لاستقطاب بعض الذين ينفرون من الاسم والتوجه؟
– الحل ليس في التخلي عن طبيعتنا ومنهجنا.. هذه أفكار يروج لها الاستعمار ليبعد الناس عن هذا الحزب، لأنه يعمل على استقلال السودان استقلالاً حقيقياً، لكن نحن نصل إلى الجماهير لتعرف من نحن.
} المشكلة تحديداً مرتبطة بقناعاتكم بمبادئ تدعو للإلحاد؟
– نحن لا ندعو للإلحاد، ومع قيام دولة مدنية ولا نبعد الدين عن الحياة، ووجهتنا أن تقف الدولة على بعد واحد من كل الأديان، ونحترمها كلها على أن يمارس معتنقوها شعائرهم.
} هل ما زلتم متمسكين بنظرية الماركسية؟
– نحن نعمل بالنظرية الماركسية كمنهج لدراسة الواقع وتغييره ليس إلا، وهي نظرية علمية اقتصادية واجتماعية نحلل بها الواقع في السودان ونعمل على تغييره على أساس أن يخدم المصالح، وتصل الطبقة العاملة والطبقات الكادحة من خلاله إلى السلطة في سبيل هذا التغيير.
} هذه يعني أنكم تتعاملون مع جزئية محددة في (نظرية ماركس)؟
– نتعامل مع الماركسية بشكل كامل، وهي لا تدعو للإلحاد، والقضية ليست (دين الإنسان شنو)، لكن القضية قضية أناس مستأثرين بالسلطة والثروة كلها، بينما هناك قوى واسعة تنتج والعائد يذهب إلى القوى المستأثرة بالسلطة ويعيش الآخرون في فقر، والآن الإنتاج أصبح مجتمعياً، والملكية فردية، ونتيجة لذلك بدأ العائد يرجع لأصحابه.. نحن نعتقد أن المجتمع هو الذي يمتلك وسائل الإنتاج، والعائد يجب أن يكون لصالحه.
} قيل إن الحزب الشيوعي أصبح يعمل وسط الشباب و(نفير) التي ساهمت في درء السيول والفيضانات كانت من لبنات أفكاره.. ما مدى صحة ذلك؟
– هي مبادرة شبابية أحدثت حراكاً واسعاً، وهذا يدل على أن الشعب السوداني قادر على خلق المبادرات وإحياء التغيير.
} أنا أسأل عن علاقة الحزب الشيوعي بـ(نفير)؟
– نحن نحيي الشباب ولدينا شباب موجودون معهم، وهذا حراك واسع يجب أن نشارك فيه لأنه مهم للشعب السوداني ومفيد، ونحن مع كل ما يفيد.
} شبابكم موجود معهم أم أنهم شبابكم؟
– لا ندعي أنهم (ناسنا كلهم)، وإنما هذا كان حراكاً لحركة شبابية.
} قيل إن هناك اتجاهاً لتغييرك في المؤتمر السادس من موقع سكرتير عام للحزب الشيوعي.. ما مدى دقة الرواية؟
– أنا جئت لإكمال الدورة الماضية بعد أن أصبح المنصب شاغراً بوفاة الراحل “محمد إبراهيم نقد”، والمؤتمر السادس من ضمن أعماله انتخاب اللجنة المركزية، واللجنة المنتخبة ستختار كما ذكرت السكرتارية الجديدة والسكرتير السياسي، لكن إذا تحدثنا بشكل عام، حسب دستور الحزب، الكادر الحزبي لا يستمر في وظيفته القيادية أكثر من دورتين المحددة بثمانية سنوات، والمهم هو الاتفاق حول خط الحزب، بعد ذلك تُختار القيادة التي تنفذ.
} ما هي الأسباب التي أدت إلى فشل خطة المائة يوم؟
– الـ(100) يوم عملية تعبوية لإسقاط النظام، وتمت في هذا الإطار ندوات وورش على مستوى العاصمة والمدن الأخرى، واللقاءات لحد كبير أدت دورها رغم بعض العوائق التي اعترضتها مثل منع النظام قيام بعض الندوات في بعض المناطق ومحاصرتها في دور الأحزاب.
} هذا الدور الذي تتحدث عنه لم يكن محسوساً بالنسبة للجماهير؟
– هذا غير صحيح.. الجماهير انحازت لخيار المعارضة المتمثل في إسقاط النظام بعدما رأت فشل النظام وعدم قدرته على إدارة البلد، والأحزاب دورها تنظيم العمل والتعبئة، والجماهير هي التي تتحرك للإسقاط.
} وبالمقابل للسلطة الحاكمة جماهيرها.. أليس كذلك؟
– الحكومة قبل فترة كانت قادرة على توظيف قواها، الآن حصلت صراعات داخلها تدعو إلى التغيير، لهذا السبب أصبحت غير قادرة على الحكم، ومقابل ذلك ارتفعت أسهم المعارضة.
} رغم نفيكم المتكرر للرابط التنظيمي الذي يجمع بعض عضوية قطاع الشمال بحزبكم لكن هناك توحداً على مستوى الأفكار والمبادئ؟
– قطاع الشمال حزب ونحن عضويتنا لا تمثل في حزبين ولا نعرف اختراق الأحزاب، وحتى إذا كان بعضهم أعضاء في يوم ما في الحزب الشيوعي، وانتقلوا إلى حزب الحركة الشعبية قطاع الشمال، فهم الآن في ذلك الحزب ولا علاقة لهم بالحزب الشيوعي، لكن هناك علاقات في إطار العلاقات الحزبية، بل نقترب إليهم أكثر ويقتربون إلينا أكثر لأننا نتفق مع بعضنا البعض في كثير من البرامج.
} ما رؤية حزبكم لحل قضية أبيي؟
– رأينا أن لا يذهب الحل في اتجاه ضرر المجموعات السكانية سواء أكانوا (دينكا نقوك) أو (مسيرية) أو أية قبائل أخرى، وهم أدرى بمصالحهم، ولديهم وسائلهم التي يتبعونها في حل القضايا.. من الضروري أن تجلس هذه المجموعات وتتفق حول كيفية التعايش، هذا أساس لحل القضية.. أي عمل قسري أو تمرير الاستفتاء في أكتوبر سيعيد الحرب.
} نود التعرف على موقف الحزب الشيوعي من ما يدور في سوريا؟
نحن مع الشعب السوري، نتضامن معه ضد أي شكل من أشكال الشمولية، ومع الديمقراطية والحريات وإرادة الشعوب، والشعب السوري انتفض ضد نظام شمولي لاستعادة الحرية والديمقراطية.
} ألا يتقاطع هذا الموقف مع موقفكم تجاه ما حدث في مصر؟
– (عشان أواصل حديثي).. القضية السورية تدخلت فيها أمريكا، ونحن ضد أي تدخلات خارجية، ومع التدخل لحماية الشعب عن طريق مجلس الأمن.
} في مصر تم الانقلاب على وضع ديمقراطي منتخب ووقفتم مع النظام الجديد.. ألا تعتقد أن هذا الموقف كان ضد الديمقراطية التي تنادون بها؟
– مصر حصلت فيها ثورة 25 يناير 2011م، واستعادت الحرية والديمقراطية، لكن ما تم بعد ذلك أن الرئيس المعزول “محمد مرسي” مضى في اتجاه تقويض الديمقراطية من خلال إعطاء حصانة لقراراته، وقام بإعفاء النائب العام، وعيّن محافظين من الإخوان المسلمين، وعمل على تغيير رؤساء التحرير، ووضع لنفسه صلاحيات في الدستور حتى يتصرف كما يشاء.. يعني الأمور كانت تمضي تجاه أخونة مصر.
} هذا لا ينفي أن الرئيس المعزول جاء عن طريق ديمقراطي؟
– أعتقد أن الجماهير هي صاحبة السيادة، وخرجت بأعداد كبيرة وقامت بعزل الرئيس السابق “مرسي” مثلما حدث عندنا في السودان في أكتوبر 1964م، حينما انحاز الجيش السوداني للشعب، وتكرر ذات الأمر في انتفاضة 1985م، عندما قام الضباط الصغار بالضغط على قيادة الجيش حتى انحازت للشعب.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية