حوارات

الخبير الاقتصادي "محمد إبراهيم كبج" يشرح أزمة الاقتصاد السوداني (1-2)

يضع الخبير الاقتصادي “محمد إبراهيم كبج” – في هذا الحوار – أصابعه على جرح الاقتصاد السوداني النازف.. إذ استفحلت الأزمة في بلد ما زال الخبراء الاقتصاديون يحسبونه عملاقاً بموارده الضخمة والمتنوعة التي بإمكانها تحقيق الاكتفاء الغذائي من الغذاء، بل والدفع به لحل الأزمة العالمية.
“كبج” يقول بذلك ويرجع إلى الوراء قليلاً.. ليس أكثر من قرابة ربع قرن، ليشرح الأزمة الاقتصادية السودانية الحالية تشريحاً دقيقاً..
ننقل للقارئ الكريم إجاباته المهمة على أسئلتنا العاجلة.

} من 1989 وحتى اليوم.. كيف تقيم سير الاقتصاد في البلاد؟!
– قامت حكومة الإنقاذ في الفترة الأولى من حياتها برفع شعار (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع)، وألحقت ذلك بالخطة العشرية التي امتدت منذ العام (1992) وحتى العام (2002)، حيث وضعت أهدافاً لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطعام والكساء، وأن نقوم بتصدير الطعام إلى العالم، ونصدر كذلك المنسوجات إلى العالم الخارجي. كانت هذه هي أهداف الخطة العشرية مع أهداف أخرى وضعتها بحيث تمتد الكهرباء إلى كل مدن السودان، وأن نتمكن في الصناعات لتصل المصانع إلى طاقتها الإنتاجية القصوى، وعليه فيحق لنا أن نتوقف عند الخطة العشرية وأهدافها، وإلى أين وصلنا فيها في (2002)، بل وحتى اليوم، والإنقاذ تقارب ربع قرن في السلطة.
} ماهي أهداف الخطة العشرية الأولى التي كانت تسعى لتحقيقها؟
– هدفت إلى إنتاج (20) مليون طن من الذرة، ولكن عند نهاية الخطة العشرية في العام (2002) كان الإنتاج أقل من (15%) من هدف الخطة العشرية، وما أقوله لك من أرقام هنا وفقاً لمعلومات رسمية سواء من وزارة الزراعة أو بنك السودان بخصوص الإنتاج، أو من وزارة الثروة الحيوانية، أو من الصناعة وخلافه.
} ماذا يعني ذلك؟
– كانت هذه هي البداية غير الموفقة لحكومة الإنقاذ، ودلالة على إهمالها للزراعة، رغم أنه كان لها هدف طموح فيها، في القمح كان الهدف أن ننتج أكثر من مليون طن، وذلك ليس للوصول إلى الاكتفاء الذاتي منه، بل ليتم تصديره إلى البلدان العربية الأخرى، ولكن كان الإنتاج في نهاية الخطة العشرية (214) ألف طن بواقع (11%) من هدف الخطة العشرية. وفي ما يتعلق بالذرة فقد كان إنتاجنا في آخر سنوات “الحكومة الديمقراطية” قبل الإنقاذ (1988 – 1989) كان (4.425.000) طن، وتركت احتياطياً من الذرة بأكثر من مليون طن، بواقع أكثر من (11) مليون جوال تسلمته حكومة الإنقاذ، بعد الاكتفاء من الاستهلاك المحلي.
} أرجو أن تقدم لي أرقاما هنا؟
– ما وصلنا إليه بعد (12) عاماً من حكم الإنقاذ، وبعد نهاية (الخطة العشرية) التي بشرتنا بكل الخيرات، نجد أن ما تم إنتاجه من الذرة بواقع يساوي (65%) من الذي تم إنتاجه في موسم (1988 – 1989)، وليس هنالك انحدار في المستوى أكثر تعبيراً من هذا، أما الدخن فقد هدفت الخطة العشرية لإنتاج مليوني طن، ولكن الذي تم إنتاجه كان (000. 550) طن، وهو بالضبط ما كان موجوداً قبلها بـ(12) عاماً في موسم (1988 – 1989)، وكأننا لم نخطُ أية خطوة إلى الأمام، وحتى القمح كان إنتاجنا (214.000) طن، وكان إنتاج حكومة الإنقاذ بعد (12) عاماً من حكمها، وبعد الحديث عن القمح والاكتفاء الذاتي منه وبعد البرنامج الطموح هو بالضبط (214.000) طن، والسؤال: الآن نحن تحدثنا عن الاكتفاء الذاتي من الغذاء، أعظم خطة وضعتها الحكومة، وقد أصابها الفشل الذريع.
} رفعت الحكومة وقتها شعار (نأكل مما نزرع).. كيف هو التقييم الاقتصادي الآن على أرض الواقع؟
– لقد وضعت (الخطة العشرية) ليس فقط لتحقيق هذا الشعار (نأكل مما نزرع)، وإنما ليدفع السودان بمزيد من الغذاء للعالم الخارجي، وإمكانات السودان تحدث عنها السيد الرئيس “عمر البشير” في خطابه الأول.. إمكانات طبيعية من مياه وأراض وبشر، تحدث عنها العالم كثيراً حتى أولئك الذين يعادون حكومة السودان الحالية بما فيها الولايات المتحدة، يعترفون أن لدى السودان من الإمكانات الطبيعية ما إذا تم الاستثمار فيه بطريقة ممتازة فإن السودان سيكون بجانب “كندا” و”أستراليا” هو سلة غذاء العالم.
} هل بالفعل يمكن للسودان أن يعيش في رخاء ويسهم في حل مشكلة الغذاء العالمي. كخبير اقتصادي، هل تؤكد هنا هذه الحقيقة؟
– نعم، فالسودان دولة معترف بأن لها إمكانات يمكن أن تجعل منه أحد الدول التي ذكرتها لك كسلة للغذاء في العالم، ويحق لنا أن نصل إلى الاكتفاء الذاتي للسودان وأن لا نستورد الغذاء كخطوة أولى، وهو أمر ممكن وتحدث عنه الرئيس “البشير”، وشعار (نأكل مما نزرع) يمكن تحقيقه.
} مقاطعة: كيف يمكن تحقيقه؟
– هذا يعتمد على إدارة هذه الموارد ،هنالك أموال كثيرة جاءت من تصدير النفط لنرى كيف تم استثمارها في الزراعة؟ كان السودانيين يشكون من عدم وجود استثمارات عربية في الزراعة، ولكن كيف تم استثمار الأموال الإضافية في الأسبقيات وعلى رأسها الزراعة، هذا هو السؤال. في العام (1972) كان استيرادنا للغذاء يساوي (72) مليون دولار، كان هذا المبلغ هو جملة الاستيراد لكل المأكولات بحسب تقارير بنك السودان، وفي العام (2002) وبدلاً من أن يختفي هذا الرقم ونمزق فاتورة الاستيراد بحسب تعبيرهم في ذلك الوقت، ارتفعت فاتورة استيراد الغذاء إلى (420) مليون دولار، أي بواقع (6) أضعاف!!
} ألم يكن بالإمكان إيقاف تواصل هذا الإرتفاع ؟
– تواصل الارتفاع بطريقة متواصلة ودون انقطاع، حتى وصلنا في العام (2008) إلى أن نستورد غذاء بمبلغ مليار وثلاثمائة ثلاثة وثلاثين مليون دولار بحسب بنك السودان، بما يساوي أكثر من (19) ضعفاً بما كنا نستورده في العام (1972)، وفي العام (2009) ارتفعت تكلفة الاستيراد إلي (22) ضعفاً، أما الكارثة الكبرى فكانت في العام (2010) إذ إننا استوردنا غذاء بمليارين وثلاثمائة خمسة وستين مليون دولار بما يساوي (34) ضعفاً من الذي استوردناه في العام (1990).
والذي قالته الحكومة آنذاك إننا سنتحلل منه مع نهاية الخطة العشرية، وحتى الآن نحن نستورد بملايين الدولارات، وأود أن نتطرق لمسألة مهمة ونحن عن الاكتفاء الذاتي من القمح، فخلال وزارة الزراعة كان يفترض ارتفاع إنتاج القمح وتم ذلك بما يزيد عن (800.000) طن، وكانت تلك قفزة كبيرة، ولكن منذ ذلك الوقت وحتى الآن، نحن استوردنا في (2010) ما يزيد عن (2) مليون وخمسمائة ألف طن من القمح، وهذا عبء على الموارد من العملة الصعبة، وأقول لك إنه كان يفترض منذ العام (2003) التوقف عن الاستيراد، ولكني حسبت استيرادنا منذ ذلك العام حتى (2011) فوجدت أننا استوردنا غذاء بـ (8) مليار دولار وبأزيد من ذلك.
} بعض الخبراء يرون أن الحكومة توافرت لها العملات الصعبة في نهاية المطاف.. هل ذلك صحيح؟
– الموارد الطبيعية وموارد البترول التي توفرت لهذه الحكومة، رفعت رصيدنا من العملة الصعبة، ولو كرس العائد للزراعة لما كنا في هذا الوضع.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية