تحقيقات

ام ضوا بان…." العطش بان"!

قبل شهر ونصف الشهر خيمت على منطقة “أم ضواً بان” التي لا تبعد عن الخرطوم سوى (45) كيلو متر، ويزيد عدد سكانها  على المائة ألف نسمة، أزمة مياه شرب حادة وخانقة، أحالت نهارها وليلها إلى كوابيس أحرقت جيوب المواطنين وراحتهم، ورمت بهم في أتون واقع مزرٍ، وخلقت من شوارعها مشاهد أشبه بمعسكرات النازحين؛ الأمر الذي أفرز ألماً وغضباً مكتوماً  ابتلعه سكانها الذين درجوا على استقبال الضيوف على مدار العام بحكم كون المنطقة من أكبر البقاع “الصوفية” في السودان، ويأتيها الناس من كل البقاع. وباتت المنطقة المشهورة بقبابها ومآذنها العالية عطشى،  وشبكة مياهها القديمة أضحت غير قادرة على تلبية احتياجات المواطنين من مياه الشرب، بعد أن تمددت أحياؤها بصورة كبيرة، وبات سوقها الكبير قبلة للمواطنين من القرى المجاورة .
يقول “إبراهيم الصادق ماصع”(51) سنة، ويعمل “مشرف صحة وسلامة” وأحد سكان “حي الشهداء” إن مشكلة مياه “أم ضواً بان” بدأت قبل شهر ونصف الشهر، ومع أول (مطرة) هطلت هنا، حيث هدمت السيول البئر القديمة والرئيسة المغذية لكل الشبكات، وقبل أسبوع جاء “حفار” ليحفر بئر جديد إلا أننا حتى الآن لم نرَ شيئاً على أرض الواقع. ويضيف “إبراهيم” لاحظت عدم وجود “جيولوجي” مع هؤلاء الناس فقط “حفار يحفر”علماً بأنه لابد من وجود جيولوجي مصاحب لأي عمل مثل هذا. وعن واقع معاناة المياه يقول يباع برميل مياه الشرب بمبلغ (20) جنيهاً، و”السقو” حامل المياه سعة (5) براميل يباع بـ(100) جنيه، علماً بأن برميل المياه لا يكفي حاجة الأسرة اليومية مما يجعل كل بيت غير قادر مادياً على مقابلة هذه التكلفة العالية. و يقول ان مشكلة مياه الشرب في “أم ضواً بان” مشكلة قديمة، فالمياه هنا هي مياه لآبار جوفية، ولكن بكل أسف فإن نسبة المادة الجيرية في مياه المنطقة عالية جداً لدرجة أنها تركت آثارها على “أسنان” المواطنين هنا، شبكة مياه “أم ضواً بان” تعمل منذ الستينيات، ومنذ عشرات السنين يوجد صهريج واحد يتبع لهيئة توفير المياه، بالإضافة لصهريج آخر يتبع لمسيد الشيخ “العبيد ودبدر”، ويضيف: “توسعت المنطقة  وظهرت أحياء جديدة ، والشيء الآخر هو أن مياه الشرب هذه المنسابة في حيِّنا على الأقل بها رائحة كريهة، ويظهر عليها لون الصدأ وتحتوي على خيوط رفيعة، وسبق أن عرضت على رئيس اللجنة الشعبية عينة من هذه المياه منذ (3) أعوام، إلا أنه لم يفعل شيئاً، وما يزال الحال هو ذاته”. ويستطرد “إبراهيم” في شرح واقع مشكلة مياه الشرب في “أم ضواً بان” بقوله: “انسياب المياه إلى حنفيات المنازل ضعيف، كما أن الماء يأتي في فترات متقطعة خلال اليوم، وبحسب خبرتي وملاحظتي كجيولوجي فقد لاحظت أن المياه تخرج من بئر البيارة الرئيسة دون أية معالجة تذكر، وحتى الصهريج الذي بات معطلاً تعرض للصدأ، ملاحظة أخرى وهي أن مواسير الشبكة التي يراد لها التجديد ملقاة في أنحاء “أم ضواً بان” منذ (3) أعوام عرضة لأشعة الشمس المباشرة التي تقوم بتحليل البلاستيك، وتجعله يتمدد مما يؤثر على سلامته ، ومتى ما أدخلت إلى الشبكة تكون تالفة وغير صالحة للاستخدام، والأنكى من ذلك أن الأمطار والسيول التي جاءت إلى المنطقة جرفت معها خراطيم الشبكة الملقاة في العراء، مما اضطر بعض المواطنين لاستخدامها كمعابر للمشاة، وعمد آخرون إلى استخدامها في حماية منازلهم من خطر مياه الأمطار”، ويوضح الرجل في سياق إفاداته (للمجهر) ان ما سبق أن نشره نائب الدائرة بالمجلس الوطني  في هذه الصحيفة عن حل مشكلة مياه “أم ضواً بان” جذرياً ،ليس صحيحا، والدليل ما تراه الآن من انتشار لبراميل المياه و(الجرادل) في الشوارع انتظاراً لـ(تانكر) المياه، وترى مشهد النساء والأطفال، وكأننا في معسكر للنازحين، وهذه (التناكر) تبرع بها أصحاب مزارع خيرون لتمد المنطقة بمياه الشرب مجاناً ، ولكن المشكلة أنها تعبأ من آبار المزارع وهذه مياهها للزراعة، وليست للشرب، كما تبرعت هيئة مياه ولاية الخرطوم بتانكرين لتسهم في توزيع مياه الشرب على المواطنين، حدث ذلك في بداية الأزمة ثم اختفت، وهذه جلبت لنا مياهاً نقية من الخرطوم بحسب ما يقول السائقون.
يقول الأستاذ “محمد العوض الناير” المحامي ويسكن “حي الشهداء” إن منطقة “أم ضواً بان” منطقة كبيرة وعريقة وذات ثقل سكاني كبير، وهي تمثل روح الريف والمنطقة لبعدها الروحي، حيث تعتبر من أكبر المناطق الصوفية في السودان، إذ يقصد مسيدها الزوار من كل بقاع السودان ومن خارجه، كما تعتبر منطقة تداخل قبلي كبير للغاية، فهي تجمع كل قبائل السودان، وتكونت بالأساس من أسر وعوائل لها امتداداتها في كل المناطق،  وبذا تعتبر الخدمات الأساسية أمراً حيوياً يتسبب في معاناة حقيقية لأهلها وللزائرين في حال انقطاع التيار الكهربائي أو ندرة مياه الشرب، وبهذا الواقع فإن أية مشكلة تعتبر مشكلة لمجموعة كبيرة من الناس.
ويمضي الأستاذ “محمد العوض” المحامي في حديثه عن شرح الواقع بقوله: “تعتبر مشكلة مياه الشرب في “أم ضواً بان” مشكلة قديمة ومتشعبة، كما يعتبر التجاوب الرسمي معها ضعيفاً، والممثلون الشعبيون من مسؤوليها سواء كانوا على مستوى المجلس الوطني أو غيره ليسوا بأحسن حالاً من التجاوب الرسمي، ويحدد مشكلة مياه “أم ضواً بان” في انتهاء العمر الافتراضي لشبكة المياه منذ (10) أعوام.
 وفي جولتنا بحي “حلة علي” حدثنا “معاوية السيد علي محمد” فقال إن المعضلة الأساسية كانت في الشبكة الداخلية، وبدأت الشركة في إحلال شبكة جديدة قبل دخول الخريف، إلا أن العمل توقف، ثم استؤنف العمل الآن مع التزام الشركة بإحضار (4) حفارات، إلا أنها لم تفِ بوعودها حيث أحضرت حفارين فقط أحدهما “معطل”.
ختمت جولتي بسؤال أحد أصحاب “الكارو” واسمه “معاوية عبد الرحمن بابكر”،الذي أفاد بأنه يجلب المياه لسكان الأحياء الاخرى من حي “السعيداب”، ويقول إن (تناكر) المياه التي توزع المياه مجاناً أثرت على عمله .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية