رأي

ده ما بشبهنا!!

كثيراً ما أحار في تصرف البشر، خاصة وأنا مولع بمراقبة السلوك الإنساني، وكنت أستغرق في المراقبة للدرجة التي تصرفني عن أشياء أهم من تلك المراقبة، فمثلاً تجمعني الظروف ببشر على مائدة طعام.. وأنا نباتي أعاف اللحم.. فأجد بعض الذين قدر الله أن أجلس معهم في السفرة قد هجموا ينهشون اللحمة “الضلعة” بصورة أشبه بالصقور التي تنهش فريسة رمتها الأقدار لقمة سائقة، وبعد أن ينهشوا تلك ينهالون مباشرة لما يليها من أطباق لحم، وبالطبع معظم النهاشين يبالغون في دس كمية من اللحم تملأ أفواههم حتى تنتفخ الأوداج، ولكم أن تتصوروا الأصوات التي تخرج من حركة المضغ هذه، وشكل الفم وقد سال الزيت، وتناثرت بقايا لحم طفر من عملية المضغ، وفي معظم أحوال هؤلاء المفزوعين أنهم لا ينتبهون أنهم بسلوكهم ذلك يستفزون من يشاركونهم المائدة، ولا تستغرب إن صاح أحدهم بمضيفه مطالباً بزيادة صنف من صنوف المائدة، لا سيما الضلعة برغم علمه أنها ضلعة واحدة مخصصة لكل صينية وبحساب معلوم لدى جميع المدعوين. والنَّهِم من هؤلاء القوم لا يتورع من التجشي بصوت مسموع لا يستسيغه أي كان بشري، والنوع النهم من هؤلاء القوم يمعن في في استفزاز الناس في تلك المناسبات، إذ إن الحصيف منهم يدخل يده في جيبه ليخرج عوداً صغيراً يسلك به أسنانه المحشوة بقطع اللحم؛ بسبب الهرس الذي مارسه بأسنانه وضروسه، والغريب لا يتفله بل يعيد بلعه.. طبعاً في مثل تلك الأحوال أكون قد غادرت المائدة لأمارس بحنق كثير مراقبة ذلك النفر من النهمين وأهِمُّ بمغادرة المكان لكن هواية المراقبة تجعلني أنتظر لمراقبة ما يلي من سلوك بشع يقترفه هؤلاء البشر، أما عند شربهم الشاي لابد أن تسمع صوت شطفهم للشاي، إذ إنهم لا يرشفونه رشفاً بل يشطفونه شفطاً، والأدهى أن أغلب هؤلاء القوم لا يسهمون في كشف المناسبة فرحاً كانت أم كرهاً، وإن ذهب أحدهم خجلاً وساهم تجده قد دفع مبلغاً قليلاً لا يتناسب مع ما التهمه من طعام، بعدها معظم هؤلاء البشر في الغالب الأعم ما يتصدرون المجلس بأحاديث خواء فجة لا شأن للناس بها، وكلها تدور حول أخبار لا تنفع الناس في شيء، وهنالك قوم أسوأ من هؤلاء وهم الذين يرتادون مناسبات الأفراح يتصيدون أخبارها من الصحف أو من دور الفنانين.. ماشين وين؟؟ زفاف ولا المناسبة شنو؟ وعند التيقن من المعلومة “هوا على المناسبة” ولهؤلاء “عدة شغل” علية القوم منهم يقتنون عربة ملك أحد أبناء الذوات الذين لا عمل لهم وضافت بهم أسرهم، فصاروا يشكلون جماعات هائمة على وجوهها تتسرب أعمارهم بلا نفع ولا عمل، وتدفعهم الفاقة إلى أتون السلوك الشائن الذي يحطم طاقتهم، ويحيلهم إلى شباب أولى بهم مصحات العلاج النفسي، وللأسف أسر هؤلاء الشباب مغلوب على أمرهم لا يجدون مخرجاً لفلذات أكبادهم.. يأتون بكامل زينتهم ملابس فاخرة ورؤوس محلوقة آخر موضة، ولا باس من علبة دخان.. لاحظ أن هؤلاء الشباب لم يتلقوا دعوة ابتداءً، ونحن أهل السودان لا نحرص على إبراز رقاع الدعوة عندما ندخل تلك الدور، ويفاجأ أهل المناسبة بخليط من البشر، وناس العروس يحسبون أن من لا يعرفونهم من ضيوف أهل العريس والعكس صحيح.. وقس على ذلك ما يحدث من برجلة لأهل المناسبة تفسد كل حساباتهم.. وفي حديث الرسول (ص) (إذا لم تستحِ، فاصنع ما شئت)، ويتحول الحفل إلى ساعات لا تطاق بالنسبة لأهل المناسبة، وغاية ما يتمنون أن تأتي ساعة نهاية الحفل بفارغ الصبر، وأرقب من أحسبهم من طفيليين يرتادون تلك المناسبات هم لا يتورعون من طلب “صناديق الطعام” “يا شاب بالله جيب عشاء”!!” فيأتي الشاب العامل بسرعة البرق يناولهم ما يطلبون من صناديق الطعام، التي – في الغالب –ينتقون منها بعض أصناف الطعام ليذهب الباقي إلى صندوق القمامة، وحتى قارورة البارد لا يشربون منها إلا القليل، لتبقى قوارير شتى لا نفع لها، وأنشغل بعملية حسابية ترى كم من الأموال أهدرت بسبب من يتطفلون على تلك المناسبات؟! وكم من مظهر من مظاهر السلوك غير السوي اقترفها هؤلاء الناس؟ وكم عدد الذين تعكننوا من أهل الفرح دون أن يفصحوا عن سبب العكننة؟ كل ذلك أرقبه، وبالطبع لا أقوى على إصلاح شيء من هذا السلوك الذي لا يشبه سلوك السلف من أهل السودان لا بيدي ولا بلساني، فقط أستهجنه في دخيلة نفسي المتضايقة.. وألحظ الضيق في أزياء شبابنا من الجنسين لا سيما الصغار من بناتنا الآنسات، بالصورة التي أخشى أن ينفتق الزي من ضيقه، والأغرب أن أولياء الأمر قابلون بما يرتديه أبناؤهم وبناتهم من ملابس ضيقة. لا أعلم إن كان قبولهم لذلك المظهر على مضض أم رضا!! وأحسبها هجمة وعادة سالبة جاءت بها قنوات الفضاء التي تتفنن في ثقافة عري الأجساد الآدمية !! وللأسف هذا الغزو لا يمكن دحره إلا عبر منابر الثقافة والإبداع فهي القادرة على دحر تلك الهجمة، التي أخشى أن تندثر فيها ثقافة الزي السوداني.. والله لاحظت حتى كبار السن من دوري من النساء لا يتورع بعضهن من لبس المحذق من فساتين السهرة السواري التي نشهدها في الأفلام الأجنبية أشاهدها في أزيائهن، وبعضهن من ذوات الأحجام المنتفخة، ولكم أن تتصوروا منظر هؤلاء النسوة وهن يتحركن بين الناس!! رحم الله أستاذي “عوض جبريل” حينما تغنى له صديقي الفنان الموسيقار “أبو عركي البخيت” (شفت التوب وما لاقاني أجمل منو.. بس التوب، وسيد التوب يكون كيفنو). وشكراً لرفيق الصبا صديقي وأخي الشاعر “بشرى سليمان” الذي تغنى له الراحل الفقيد الفنان “إبراهيم موسى أبا” حينما صدح بأغنيته (بعِزّ التوب بعزو .. بعزو أناقة وإشراقات)، فالعري إلى وقت قريب لم يكن سلوكاً أو ثقافة مظهر لأهل السودان.. والثوب السوداني لفخامة مظهره صار زياً لنساء دول شقيقة جارة، وفي كثير من عواصم الدنيا تُسأل من تلبسه “أنت سودانية؟ لأنه صار عنواناً لأزياء نساء السودان.. ما لنا نتخلى تدريجياً عن إرث حضاري لم نكتسبه بالساهل ولا الهيِّن؟ بعدين شنو موضة الـ(Body) من القمصان والبلوزات اللاصقة جداً بالجسم للدرجة التي تظهر نتوءات وتضاريس جسم المرأة؟، والصورة والله شينة للراجل والمرأة!!. زمان نصنع ثيابنا من القطن السوداني الخالص!! يا حليل زمان وأول رئيس حكومة وطنية الزعيم “إسماعيل الأزهري” يحرص على ارتداء بدلة الدمور الأنيقة التي تناسب بيئة ومناخ أهل السودان، وأحلم بعودة الروح لمشروع الجزيرة ومشاريع النيل الأبيض حتى نتصدر أخبار العالم بأن السودان ينتج أكبر إنتاجية من القطن طويل التيلة، وأن مصانعنا تنتج الأقمشة القطنية من تياب التوتل التي صرنا للآسف نستوردها من الخارج لا سيما سويسرا التي اشتهرت بصناعة ثياب التوتل القطنية والعمامات الناصعة البياض الفاخر.. وبالمناسبة أعرف صديقاً من أبناء الموردة اسمه “عثمان رضوان” مقيماً بمدينة “جنيف” السويسرية افتتح محلاً متخصصاً للثياب والملافح السودانية” وقديماً كان الشوام واليهود تجاراً للأقمشة القطنية الرائعة السودانية الصنع.. وشوفوا هسة بنلبس شنو؟ نسيج الخيوط البتروكيماوية، وهذه ثبت علمياً بأنها غير صحية!! وسيبك من ده، شم ريحة عرقك حينما تخلع تلك الملابس!!
بعدين شنو رقصة العريس والعروس الأفرنجية المصاحبة بموسيقى أجنبية؟ وين غنا السيرة (يا عديلة يا بيضا يا ملائكة سيري معاه).. و(عريسنا مرق البحر وقطع جرايد النخل)؟. وبالمناسبة سأفرد حيزاً من كتاباتي لمثل ملاحظاتي هذه، وبزعل شديد لو قلتو لي الناس في شنو وأنت في شنو؟!! وسبب زعلي أن ثقافة الأمة وسلوكها أمر لابد أن نحرص عليه، فسلوك الأمة ما هو إلا تراكمات معرفية نشأت بما تتوافق عليه الأمة من أعراف ومعتقدات وتقاليد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية