أخبار

فك الارتباط!!

{ في منتصف الفترة الانتقالية كان المطلب الأول للمؤتمر الوطني – الشريك الأكبر في حكومة الوحدة الوطنية – من شريكه الآخر (الحركة الشعبية)، تنفيذ بنود اتفاق الترتيبات الأمنية والعسكرية، وتحديداً قضية العسكريين من أبناء النيل الأزرق وجبال النوبة الموجودين حينها في مناطقهم.. الاتفاقية في بنودها تنص على عدد (6) آلاف من القوات المشتركة، هي قوات مناصفة بين الجيش والجيش الشعبي، وحددت الاتفاقية مهام تلك القوات.. لكن في أرض الواقع كان هناك أكثر من (10) آلاف من العسكريين و(90%) من هؤلاء العسكريين من أبناء المنطقة..
{ تقديرات الحكومة حينذاك ترفض أن يبقى هؤلاء في مناطقهم وبأسلحتهم، ومورست ضغوط كثيفة على الحركة الشعبية لنشر قواتها جنوب حدود 1956م.. أي نقلهم فوراً من الشمال إلى الجنوب.. والحكومة حينها لم تتدبر مآلات أن تمنح شريكها لقمة يستفيد منها في مقبل الأيام.. أبناء النوبة والنيل الأزرق (قاوموا) ترحيلهم للجنوب، ورفض بعضهم تنفيذ أوامر الجيش الشعبي وتم وضع الرافضين في السجن.. المؤتمر الوطني حينذاك لم يفكر أو يتدبر مآلات المستقبل السياسي، وكان رهانه على الوحدة.. ولم يسأل نفسه هل المصلحة تقتضي أن يبقى المكون الشمالي من قوات الحركة في الشمال أم يدفع به لأحضان الجنوب؟!
{ وحينما باغت الانفصال الشمال ونشبت الأزمات بين الدولتين، وجدت دولة الجنوب أكثر من (25) ألف عسكري من الشماليين عليها أن تتصرف فيهم بما يحقق لها أهدافاً.. وشكل هؤلاء (فرقتين) من جيش الجنوب (التاسعة) و(العاشرة).. ولما عادت الدولتان للمواجهة حيناً والحل السلمي التفاوضي حيناً آخر، طالبت حكومة السودان حكومة الجنوب بفك ارتباطها بأولئك العسكريين الذين طالبت بإبعادهم من الشمال قبل سنوات قليلة.. وفك الارتباط يعني تسريح هؤلاء العسكريين وإيقاف الدعم العسكري عنهم ونقلهم إلى الشمال، وإغلاق الحدود تماماً ليواجهوا قدرهم!!
{ هل لهؤلاء العسكريين قضية أم لا؟ وبعض من هؤلاء العسكريين تزوجوا من جنوبيات وأنجبوا البنين والبنات، وأصبحت جبال النوبة وطناً افتراضياً.. لماذا ندفعهم ونرغمهم على العودة من غير إرادتهم؟ ولماذا لا يشكل هؤلاء قاعدة لوحدة قادمة نراها قريبة ويبغضها المتطرفون والعنصريون!!
وهل إذا جرد الجنوب هؤلاء من السلاح وطردهم حتى حدود الشمال، واستطاعت قواتنا المسلحة إحكام سيطرتها على كل الحدود.. هل هذا حل للمشكلة؟ أم القضية السياسية هي الأساس؟!
{ إن التقارب والمصالحة وتبادل المنافع بين الشمال والجنوب يمثل نصف حل مشاكل الدولتين.. أما النصف الآخر فهو في تجفيف منابع الدم والتسويات السياسية، وحل مشكلة من يعتقد أن لديه مشكلة أو إقناعه بأنه متوهم (المشاكل) فقط!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية