تحقيقات

المخابز .. مخالفات تحت سمع وبصر الجهات الرقابية!

 في الوقت الذي إعتبرت فيه الحكومة سلعة الدقيق خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه وألزمت جهاز المخالفات بالعمل مع نيابة حماية المستهلك لرصد المخالفات في أوزانه وأسعاره، كانت هناك العديد من المخابز التي تتلاعب بأوزان الخبز وأحجامه إلى أن صار (الخبز) سوقاً يمتاز بالفوضى والعشوائية رغم أوزانه المجازة من قبل الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس والمحددة (70) جراماً لـ(الرغيفة) الواحدة… شكاوٍ عديدة دفع بها المواطنون بولاية الخرطوم إلى الجهات الرقابية والمسؤولة جراء التلاعب بأوزان الخبز إلى جانب رداءة بعضه وطالبوا بإلزام المخابز بالمقاييس الصحية والفنية…. أخبار شتى وإن تباين بعضها حول فرض الرقابة حملتها لنا صحف الخرطوم الأيام الماضية تتعلق بالتلاعب بالأوزان وانعدام الرقابة، وبينما أقر رئيس اتحاد المخابز في حديثه لـ(المجهر) بانعدام الرقابة أكدت لنا الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس أن رقابتها على الخبز بلغت نسبة (100%)!. وما بين جدلية فرض الرقابة تظل الحقيقة غائبة ومعاناة المواطن في استمرار، فقد باتت أربع (عيشات) بواقع جنيه واحد لا يمكن أن تسد جوع أسرته أيا كان عددها، فهل بات هذا هو واقع الحال حيث العديد من الأشياء التي هي بحاجة إلى رقابة ضمير دعك من الحاجة إلى جهاز رقابي؟…

 تقصير….
إن اعتراف جهة ما وخاصة إذا كانت جهة رقابية بتقصيرها في أداء عملها ربما هو أمر يندر حدوثه ويستحق الوقوف على الأسباب التي أدت إلى هذا التقصير، ولكن الأسباب التي دفع بها رئيس اتحاد المخابز “الطيب عرابي” في إفادته لـ(المجهر) قد تبدو غير مقنعة في تقصيرهم كاتحاد على فرض الرقابة الكاملة على المخابز، وهو يلقي باللائمة على المحليات التي ما فتئت تقوم بالتصديق لكل من أراد أن يمتلك مخبزاً إلى أن توسعت عددية المخابز وتضاءلت معها الرقابة قائلاً: من الصعب جداً على الاتحاد والمحليات ممارسة الرقابة الكاملة على هذه العددية الكبيرة من المخابز التي تشكل رقابتها عبئاً كبيراً، وأقر “عرابي” بوجود رداءة في عمل بعض المخابز التي لا تلتزم بتجويد سلعتها، ملقياً بمسؤولية الرقابة على عاتق المواطن، تاركاً له حرية اختيار المخبز الأفضل والأكثر جودة، مضيفاً أن المسألة ليست مزعجة فقد صار ت المخابز قريبة من بعضها.
(المخابز كثيرة والبقاء للأفضل)، هكذا يقول واقع المخابز داخل ولاية الخرطوم وهكذا يردد رئيس اتحادها، الذي يؤكد أن (العيش) متوفر وفي العديد من المحال وبكميات كبيرة وللمواطن حق الاختيار حال تأكده من رداءة أحد المخابز أن يتجه إلى غيره، داعياً إلى مقاطعة كل مخبز تثبت رداءة خبزه حتى يكون صاحبه أمام خيار الجودة أو الإغلاق، وطالما أن هناك مخابز عديدة فللمواطن حق الاختيار.
رغم التصريحات التي أدلى بها رئيس اتحاد المخابز والتي ربما تجد بعض الانتقادات من لدن جهات معنية بهذا الشأن، أفرغ الرجل كل ما في جعبته دون مزايدات أو مغالطات، إلا أن مسألة الخبز والتلاعب بأوزانه وترك الرقابة للمواطن تعد من المسائل التي تتسم بطابع الحساسية المفرطة وبحاجة إلى الكثير من الحزم، فارتفاع نفقات الأسر على الخبز في ظل ظروف اقتصادية طاحنة بات أمراً يهدد استقرارهم مما جعلهم يجأرون بالشكوى وهم يجدون أنفسهم أمام (كيس عيش) ربما يكفي فرداً واحداً خاصة وأن حجم (الرغيفة) الواحدة أضحى في حجم قبضة اليد.
لم تكن الأسباب التي دفع بها رئيس اتحاد المخابز مقنعة لدى “محمد علي العوض” من إدارة الرقابة والتفتيش بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس وهو مسؤول التفتيش الصناعي بمنطقة (أم درمان)، فالرجل مع تصديق المحليات لكن من أراد أن يمتلك مخبزاً فهذا أمر يحول دون الاحتكارية لمخبز بعينه، مشيراً إلى أنهم في المواصفات يؤدون عملهم على أكمل وجه، حيث توجد في مناطق الخرطوم الثلاث مكاتب القياس والمعايرة وهي مكاتب تقوم بالتغطية والرقابة على كل السلع والمنتجات والخبز وأوزانه، مؤكداً أن الرقابة على الخبز تتم بصورة يومية وبنسبة (100%)!!!
ما خفي أعظم
حصيلة (المجهر) من خلال جولتها على عدد من المخابز بوسط وأطراف ولاية الخرطوم، أكدت أن العديد منها لا يلتزم بالأوزان والجودة والأمر برمته يعود إلى ضعف الرقابة عليها ما أدى إلى إغلاق عدد (150) مخبزاً غير مطابق للمواصفات، إلا أنه لم يتم بواسطة الجهات الرقابية إنما تم بواسطة نيابة حماية المستهلك حسبما تناولت صحف صادرة في الخرطوم خلال الأيام الماضية ما يؤكد استمرار حالة ضعف الرقابة من قبل الجهات المسؤولة لتصبح المخابز المخالفة لشروط الجودة في تزايد… وما خفي كان أعظم!.
“مهند الحمري” وهو أحد (العجانين) الذين ساقتهم الظروف إلى العمل بعدد من الأفران (البلدية والآلية)، أكد في حديثه لـ(المجهر) غياب الرقابة التام بكل الأفران التي عمل بها، وهو حالياً يعمل بأحد الأفران الآلية بمنطقة (القوز)، مشيراً إلى أن الجوال الواحد ينتج عدد (900) قطعة خبز حسب الأوزان المحددة ولكنهم يقومون بصنع (1200) قطعة دون اكتراث للوزن المحدد من قبل المواصفات والمقاييس، وهذا يؤكد غياب الرقابة وليس ضعفها فقط. وفي المقابل فإن “موسى السماني” (عجان) يعمل بأحد مخابز (الرميلة) الآلية، أكد التزامه بالوزن المحدد (70) جراماً، مشيراً إلى أنه تأكد من خلال عمله بعدد من المخابز أن بعضها لا يلتزم بالأوزان ولا الجودة.
شكاوى المواطنين قابلتها شكاوٍ عديدة من أصحاب المخابز وقفت عليها (المجهر) خلال جولتها تتمثل في رسوم النفايات والعوائد والضرائب والعمالة…الخ، وهي من المشاكل التي تهدد هذه الصناعة وتهدد الاستقرار الاقتصادي للأسر، ولكن رغم هذه الشكاوى، إلا أن مشكلة التلاعب بالأوزان وعدم الجودة تحتل المرتبة الأولى في قائمة المشكلات.
مخرجات هذه الجولة تقول عنها الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس على لسان “محمد علي العوض” إن لديهم مواصفة معينة للخبز يرافقها قانون وحملات مستمرة تؤدي دورها على أكمل وجه، حيث تكون الرقابة عبر برنامج محدد بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة والمتمثلة في الأمن الاقتصادي ونيابة حماية المستهلك وشرطة حماية المستهلك، ويكون التفتيش ضمن خطة موضوعة، داعياً المواطن أو المستهلك إلى المطالبة بحقوقه عبر خطوط ساخنة للمخالفات والإبلاغ عنها، ولكنه يرى أن الاستجابة ليست بالصورة المطلوبة، مشيراً إلى أن الخبز ليس لديه منبعاً حتى يتم ضبطه من منبعه، ولكنه يرى أن يكون هناك جهاز رقابي خير من أن لا يكون، مضيفاً على حد قوله (لو ما راقبنا بنخوِّف)…
“العوض” دعا المواطنين للاستجابة إليهم عبر الخطوط الساخنة والإبلاغ عن أية مخالفة حتى يحفظ المواطن حقه.
إذن هي محاولات ومجهودات من القائمين على الأمر لإشراك المواطن في الحفاظ على حقوقه والدفاع عنها، لكن تظل هموم المواطن أكبر من أن يتحملها بمفرده دعك من أن تضاف إليها هموم أخرى من المفترض أن يتكفل بها المسؤولون، والالتزام بأوزان الخبز أصبحت من أمنيات المواطنين تتمنى أن تجد الاهتمام.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية