لقاء «البشير» و«المهدي».. مصالح ومصالحات تفرض منطقها
منزل الإمام المهدي القاطن بضاحية الملازمين سيكون اليوم محط أنظار القوى السياسية بشقيها الحاكم والمعارض، كونه سيجمع رئيس الجمهورية الفريق «عمر حسن أحمد البشير» بالإمام «الصادق المهدي» زعيم حزب الأمة القومي والأكثر تأثيراً على الساحة السياسية السودانية خلال العقود الماضية، سواء أكان على سدة الحكم أو منتظماً في صفوف المعارضة، وربما يكون هو السياسي السوداني الأكثر عمراً الموجود فيها بقوة منذ منتصف ستينيات القرن المنصرم.
تدشين الحزب الحاكم لقاءاته مع القوى السياسية بحزب الأمة القومي ربما كان نتاج مواقف خلال الفترة الأخيرة للأمة يصنفها تحالف قوى الإجماع الوطني بأنها تخدم المؤتمر الوطني ولا تخرج من إطار المعارضة الناعمة التي لا تهدد بقاء نظام الإنقاذ، بل يرى أنها تساهم بفعالية في إطالة عمره سنوات أخرى.. المعارضة بكل مسمياتها ترمق إمام الأنصار بعين الريبة بعد انتقاده الدائم للتحالف العريض الذي يضم إلى جانبه الشيوعي والشعبي وغيرهما من القوى السياسية الأخرى، وبالمقابل فإن عين الرضا التي تصوبها الإنقاذ تجاه مواقف زعيم حزب الأمة الأخيرة وانتقاده الدائم لتحالف المعارضة، ربما كانت سبباً مباشراً في أن يكون الإمام «الصادق المهدي» أول المستهدفين بالحوار حول القضايا الوطنية، كما لا يمكن أيضاً إغفال القيمة السياسية الكبيرة لزعيم الأنصار على المسرح السياسي السوداني، إذ دائماً ما يجنح لابتداع مصطلحات جديدة أو طرح مشاريع وطنية غير مألوفة في السياسة السودانية، ويمثل حالة منفردة في السياسة السودانية، لا يكف عن الجدل سواء أكان حاكماً أو محكوماً، ودائماً ما يغرد بمواقف لا تخرج إلا من (عباءة) إمام الأنصار مثل تبرعه بمقتنياته لمتضرري هجوم الجبهة الثورية على (أبو كرشولا)، وهجومه الذي نزل برداً وسلاماً على الجبهة الثورية واصفاً عملياتها بالمخططات التي لا تتبنى برامج قومية أو وطنية، بل ستعمل على تطبيق رؤية انتقائية ستقود السودان إلى المزيد من التقسيم، بالإضافة إلى تصريحاته الساخنة تجاه أطراف الأزمة السودانية.
{ مصالح تفرض منطقها
لقاء «البشير» و»الصادق المهدي» مساء اليوم، هو في عرف الإنقاذ سانحة مواتية قد لا تتكرر قريباً بالجلوس على طاولة واحدة ومناقشة القضايا الوطنية حتى وإن لم تتطرق إلى المشاركة في الحكومة، فهو أمر من شأنه أن يمنحها أراضي جديدة داخل الحزب الذي نال أغلبية الأصوات الانتخابية في الانتخابات التي أعقبت انتفاضة (مارس/أبريل)، كما أن كسبها لا يتعدى هذا الأمر، بل إنه قد يفضي إلى محاولة (تحييد) حزب الأمة وزعيمه في حزمة قضايا قادمة قد تتخندق فيها القوى المعارضة ضدها رغم عدم خوض الطرفين في تفصيلات مشاركة الأمة في الحكومة. أما حزب الأمة فإن مشاركته في الحوار مع المؤتمر الوطني تأتي متسقة تماماً مع مشروع (النظام الجديد) الذي طرحه خلال الفترة السابقة، ولعل هذا ما دفع د. «مريم الصادق المهدي» القيادية بحزب الأمة إلى القول إنها لا تستغرب هذا اللقاء، وأضافت: (نحن نلاقي كل القوى السياسية في إطار مشروع النظام الجديد الذي بموجبه تلتقي كل الأطراف السودانية)، منوهة إلى ضرورة لقاء «البشير» الذي وصفت الحوار معه بالمهم جداً، وزادت في حديثها لـ(المجهر) أمس: (هذا اللقاء ليس خبراً بالنسبة لي، ونحن لدينا مشروع طرحناه للمؤتمر الوطني، وللحركات المسلحة والقوى السياسية الأخرى، والمجتمع المدني، وإدارات أهلية، وكل مكونات الشعب السوداني، واللقاء تم بطلب من المؤتمر الوطني، وبالتالي سيقام في منزل الإمام الصادق المهدي).
{ (حجوة أم ضبيبينة)
رغم الدعوات المتتالية التي كانت تدفع بها الحكومة لحزب الأمة للمشاركة منذ السنة الأولى من هذا القرن، إلا أن قمة «البشير» و»المهدي» لن تدلف لمناقشة هذا الملف، وسيكون حبيس الأدراج، وهو ما أكدته د. «مريم» بقولها: (استبعد تماماً أن يتم نقاش حول المشاركة ولا مجال لها نهائياً، ونحن حددنا أن مشاركتنا ستكون عبر انتخابات حرة ونزيهة، وندعو لحكومة فترة انتقالية تكون بمدة محددة)، وأبدت في ذات الوقت ضجرها من حديث الناس عن مشاركة حزب الأمة، وقالت إنهم لا يملون من التطرق إليها، واصفة الأمر كأنه (حجوة أم ضبيبينة)، وأكدت أن موقف حزبها ثابت لا مزايدة فيه، لكنهم يلتقون المؤتمر الوطني لما فيه من صلاح للبلد، وأبانت د. «مريم» أن حزب الأمة رفض المشاركة والحكومة في أوج قوتها، لافتة إلى أن اللقاء سيتم في إطار ما هو مطروح من النظام الجديد الذي طرحه حزب الأمة، وأضافت: (نحن جادون في إخراج السودان من أزماته).
وعن التململ الذي قد يحدث في صفوف قوى الإجماع الوطني جراء لقاء زعيم حزب الأمة المؤثر بشدة في كل برامجه، قالت إن علاقتهم ليست خصماً أو ضداً لأية جهة أخرى، وأوضحت أنهم في الحزب ليسوا ردة فعل، وأنهم أصحاب قضية، وأنهم يجلسون مع المؤتمر الوطني بكل شفافية لمناقشة القضايا الوطنية ضمن مشروعهم، مؤكدة أن علاقتهم مع أية جهة أخرى ليست قائمة على الإلغاء.
{ تباعد.. وتقارب
إن كان لحزب الأمة القومي مشاركة وحيدة في الحكومة عن طريق نجل زعيمه العقيد الركن «عبد الرحمن الصادق المهدي» في الحكومة، فإن والده لا يفتأ يذكر أن مشاركة ابنه كانت بسبب موقعه في القوات المسلحة، وسبق أن قال في حوار سابق أجرته معه (المجهر): (أنت في هذه المهمة لا تمثلني ولا تمثل حزب الأمة، ويجب أن تقول أنت هذا الكلام وتمشي في عملك الذي تقتنع به إذا فيه فائدة للسودان، شريطة أن تعلن أنك في هذا المنصب لا تمثل أباك، ولا تمثل حزب الأمة من قريب أو من بعيد، والحزب سيصدر بياناً بهذا، وأنا سأصدر بياناً، وأنت ستصدر بياناً بهذا)، وهذا الحديث من إمام الأنصار يوضح بجلاء ابتعاد الحزب عن المشاركة في الحكومة، ولكنه في ذات الوقت لا يمكن أن ينفي صلة الحزب التاريخي بالحكومة، هذه الصلة، بالإضافة إلى تقاربات أخرى لم تتأت لأي تنظيم سياسي آخر، تجعل الأمة هو الآن الأقرب إلى مؤسسات المؤتمر الوطني من أي حزب سياسي آخر، ولكن رغم ذلك لا يمكن إغفال بدايات ذات الحزب في (تنشيط) برامج المائة يوم التي كانت بتوزيع استمارات (تذكرة التحرير) التي اقترحها الحزب كوسيلة لإقرار نظام حاكم بديل لحكومة «عمر البشير»، وبلغ عدد الموقعين فيها (820) ألفاً، كان نصيب ولاية الخرطوم فيها (320) ألف شخص موزعين على (30) وحدة إدارية، بالإضافة إلى توقيعات سودانيي المهجر التي بلغت (300) ألف شخص في دول الخليج ودول أوروبا والولايات المتحدة ومصر، ورغم قرب اكتمال تلك التذكرات من العدد الذي حدده الحزب وقتها بمليون توقيع، إلا أن الحملة توقفت تماماً عقب الفراغ من إعلان أعداد الموقعين عليها ولم يتبعها نشاط موازٍ لها.
{ ثم ماذا..
أياً كان ما سيتمخض عنه اللقاء الذي سيشهده منزل زعيم حزب الأمة مساء اليوم، فإن مخرجاته ستكون عرضة للتداول والنقاش.. وستتشكل على نتيجته كثير من المواقف القادمة لا سيما في ظل الظرف الحرج الذي تمر به البلاد خاصة مع جارتها دولة الجنوب، مع تصاعد ملفات استفتاء أبيي ونفط الجنوب والحركات المسلحة التي تتقارب فيها رؤية الأمة مع الوطني، كما لا يمكن إغفال معطيات محلية ودولية بالغة التعقيد، كما أن ثمة قضايا وطنية لا خلاف حولها يمكن أن تجعل الطاولة التي يجلس عليها الرجلان تتسم بالدفء، تظللها تقاطعات المصالح الآنية التي قد تمثل دعماً للحزبين ولزعيمي الحزبين الكبيرين، ومع ذلك لا يمكن استبعاد عنصر المفاجأة بأن تحدث اختراقات على مستوى ملفات أخرى لم تخطر على بال المتابعين والمراقبين.