أزمة نفط الجنوب.. لم ينفد مخزون الوقت والصبر..!!
تدرك «جوبا» تماماً قبل «الخرطوم» أن ما يجمع بينهما اقتصادياً أكثر مما يفرقهما، ولهذا يبدو أن تدخل مجلس الأمن الدولي وحثه طرفي النزاع على ضرورة بذل مزيد من الجهود لتنفيذ الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية الموقعة بينهما، عبر البيان الذي أصدره أمس الأول، يأتي متسقاً مع روح تلك المصالح الاقتصادية التي يتضرر منها الطرفان في حال تم إصدار قرار نهائي بإغلاق (أنبوب) النفط الذي يحتضن الشمال فيه نحو ثلاثة مصافٍ عاملة بالبلاد، ومرور الخط الرئيسي لأنبوب الصادر بمحطات المعالجة في «هجليج، الجبلين ونعيمة» انتهاءً بميناء بشائر الذي يعتبر المنفذ الوحيد في الوقت الراهن لصادرات النفط من السودان وجنوب السودان، بالإضافة إلى وجود ثلاثة مصافٍ في «الجيلي» و»الأبيض» ومصفاة «أبو جابرة» ومصفاة «بورتسودان» القديمة ومصفاة «الشجرة»، وتمتد خطوط أنابيب نقل الخام من حقول النفط في «هجليج» و»الفولة» إلى «بشائر» ميناء التصدير في شرق السودان، وذلك مروراً بمصفاة «الخرطوم» و»الأبيض»، كما يمتد خط انابيب لنقل الخام من حوض ملوط الى ميناء بشائر ايضاً وتمّ انشاء خط أنابيب لنقل المشتقات البترولية من الخرطوم إلى ميناء بشائر إضافة إلى خط الأنابيب القديم (بورتسودان – الخرطوم).
وكل تلك الأنابيب يمكن أن تضخ مزيداً من الرفاه إلى شعبي البلدين في حال تواضعاً على تطبيع العلائق بينهما التي يتداخل فيها ما هو أمني بما هو اقتصادي، ترفض الخرطوم بحدة الفصل بينهما، وعلى العكس تماماً يمكن أن يتسبب إيقاف عمل تلك الأنابيب في تعطيل مشاريع التنمية التي يمكن أن تنشأ في حال أعلى الخصام صوته بين الطرفين.
أهمية التكامل الاقتصادي
إذن وجوب التكامل بين البلدين أمر حتمي وتاريخي واقتصادي نبهت له د.»ريم محمد موسى» من جامعة بحري في ورقتها البحثية بعنوان (ضـروريات التعاون الاقتصـادي بين السـودان وجنوب السـودان وإمكانيـة تحقـيق التكـامل) التي قدمتها في مؤتمر دول حوض النيل الشرقي وأشارت فيه إلى أن التعاون الاقتصادي بين الدولتين سوف يساعد على نزع فتيل التوتر حول الحدود، كما يعمل على قسمة الموارد، وعليه سوف يحقق مكاسب اقتصادية لا غنى عنها لأي من الطرفين .
ومن أهم الضرورات التي تستوجب التعاون الاقتصادي بين الطرفين، تحقيق معدلات نمو تضمن تحسن المستوى المعيشي المتدهور والذي كان من مخرجات عملية الانفصال في الدولتين، وتوفير فرص عمل في الحضر والأرياف والتخلص من عوامل الفساد، فهذه التحديات في كل من الدولتين من الأفضل أن تواجه بصورة جماعية ومشتركة من قبل الدولتين.
واحتياج دولة جنوب السودان إلى دولة السودان لتصدير النفط، فهو أنسب الطرق للتصدير لقرب المسافة بين مناطق الإنتاج والتصدير .
بالإضافة إلى استفادة دولة جنوب السودان من الخبرات في مجال البنيات التحتية، وذلك من خلال الشركات التي تعمل في مجال تطوير البنيات التحتية الموجودة في السودان .كما أن المواطن الجنوبي يقبل على السلع الاستهلاكية الموجودة في السودان، والتي تعتبر جزءاً من ثقافته الاستهلاكية.
وتلك الوفورات لا يمكن أن تتحقق في حال تأزمت الملفات الأمنية بين الطرفين التي لا يمكن فصلها بأي حال من الأحوال من نظيرتها الاقتصادية.
«الحكومة السودانية التي مددت مهلة إغلاق أنبوب النفط إلى أسبوعين آخرين تنتهي في السادس من سبتمبر القادم بعد فترة الستين يوماً تقول الحكومة إنها هدفت من خطوتها تلك إلى إظهار نواياها الحسنة في التوصل لحلول ناجعة إثر الأزمة التي تفاقمت بعد تقديم أدلة دامغة تظهر تورط دولة الجنوب في دعم عمليات الجبهة الثورية، كما أن ثمة إشارات قوية يمكن استخلاصها من الزيارة التي يزمع رئيس دولة الجنوب الفريق «سلفاكير» القيام بها إلى البلاد واختراقها المحتمل لكثير من القضايا العالقة، وهو ما عبر عنه د.»عوض الجاز» وزير في حوار له مع (المجهر) ينشر لاحقاً وتأكيده أنهم يرجون أن تكون زيارة رئيس دولة جنوب السودان إلى البلاد خلال الفترة القادمة بغرض التاكيد على تطبيق كل الاتفاقيات، مشيراً إلى أن البترول واحد من تسع اتفاقيات والحديث ليس حول البترول، وإنما حول تطبيق كل الاتفاقيات حتى نغلق باب الخصومة والتدخل والحرب الى الأبد، والبترول لم يتوقف الى هذه اللحظة وحتى المواعيد المضروبة ونرجو أن يتم التطبيق العملي على أرض الواقع حتى لاندخل في مواقيت فتح الأنبوب وإغلاقه.
الحكومة السودانية أيضاً تعلم أن تسريع الاتفاقات مع دولة الجنوب من شأنه أن يغلق تماماً الأبواب على الطامعين في خلق جسور اقتصادية من جهات معادية من الممكن أن تشكل خطراً ليس على الاقتصاد فحسب، ولكن من الممكن أن تتمدد ليشمل التهديد الأمني والسياسي، كما أن الاتفاق الذي يمكن أن ينشأ بين الدولتين سوف يساعد كثيراً على حل القضايا العالقة بين الطرفين المتشابكة التي لم يتم الفصل فيها منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل مثل قضية «أبيي» التي تصاعدت فيها وتيرة الإحداث بصورة دراماتيكية مؤخراً بعد إعلان دولة الجنوب اعتزامها إجراء استفتاء حول تبعية المنطقة لجوبا أو للخرطوم.
صوت الآلية الأفريقية
المجتمع الدولي والأفريقي خاصة الذي لا يفتر سعيه المحموم لإنهاء الأزمة بين جوبا والخرطوم، يدرك هو الآخر أن أية احتقانات سياسية أو أمنية يمكن أن تهدد مساعيه في نزع ما تداعى من ثقة بين الطرفين، فالوساطة الأفريقية التي دفعت بمقترح تمديد مهلة إغلاق الأنبوب وافقت عليه الحكومة ينتظر أن يكون دوره أكثر فعالية في القضايا العالقة التي يتصدرها استفتاء «أبيي» وأزمة عبور نفط الجنوب إلى الخارج، والآلية الأفريقية التي تضع نصب أعينها التوقيع الذي تم في أديس أبابا في 13 مارس 2012 على الاتفاق الإطاري بين حكومتي السودان وجنوب السودان يمكن أن تتبناه الآلية الأفريقية وتؤكد ما ورد فيه من حاجة شعبي البلدين الراغبين في التعايش السلمي وبناء علاقات متجانسة، وضرورة تأسيس ترتيبات التعاون المشترك والتنفيذ للسياسات والالتزامات ذات الصلة، وهي مبادىء عامة من الممكن أن تؤسس بشكل صحيح تطرق فيها الآلية على محاسن التكامل والتعايش السلمي وتبصير الطرفين بالمخاطر التي قد تنجم في حال أصر الطرفان على أن ما يفرقهما أكثر مما يجمعهما، خاصة وأن التصريحات المتفائلة من الجانبين تنبيء بإدراكهما لمطلوبات أن يظل التعاون بينهما قائماً في الاتفاقات الموقعة كافة.