يوم عرسك ما يجي!!
} الحركة في منزل الشاب “حمد” المتواضع.. لا تهدأ.. فالساعات تمضي سريعاً إلى اليوم المنتظر.. يوم زفافه إلى بنت عمه “ثريا”. أبناء الحي وأصدقاء العريس يتحركون كالنحل.. فالوقت يداهمهم.. وفي القرية الوادعة أكثر من عرس في هذا العيد..
} وفي خضم هذا الحراك انزوى العريس إلى غرفة قصيّة وفي يده ورقة وقلم.. كان يسجل ما عليه من (أموال) استدانها لإتمام العرس و(العزومة).. المبلغ لم يكن ضخماً.. ويمكنه أن يغطيه بـ (الكشف) المتوقع مع الزيادة.. سيما أن أهل قريته يتبارون في مثل هذه المناسبات لوضع (أرقام محترمة) أمام أسمائهم.. ومع هذا فـ “حمد” لم يكن سعيداً!!
} مضت الأيام وجاء ثالث أيام العيد.. اليوم الموعود.. وصارت الحركة في أوجها.. (الجزار) ذبح العجل السمين قبل صلاة الصبح.. و(الكوانين) والأواني تم إعدادها بالكامل.. وأيادي أم العريس وأخواته والجارات على أتم الاستعداد.. وما هي إلا ساعات حتى كان الطعام جاهزاً.. وبدأ (المعازيم) في التوافد.. وبُسطت الصواني على مد البصر..
} إنها الساعة السادسة مساء الآن.. والمأذون يوشك أن يزيل “حماد” من (قائمة العازبين).. إنها لحظات لا توصف.. فها هو قد كبر وصار رجلاً.. له بيت وزوجة.
} (الزغاريد) الآن هي سيدة الموقف.. والتبريكات تنهال من كل حدب وصوب.. ورويداً رويداً أخذ الحضور في الانصراف عدا مجموعة كانت تنظر (لحظة الزفاف).. ليصحبوا العريس إلى منزل (نسابته) حيث تنتظر زوجته أن يمسكها من يدها ويسير بها إلى السيارة المزينة التي ستقلهما إلى الخرطوم.. حيث تنتظرهما (أيام العسل)..
} وحده “حمد” كان يسرح في أمر آخر.. وسرعان ما اختلى بـ (وزيره) وصديق طفولته “نادر” الذي كان يحمل حقيبة مكدسة بـ (مال الكشف)!! ابتسم “نادر” وهو يبشر (العريس) بأن في الحقيبة ما يقارب خمسة عشر مليوناً من الجنيهات.. وهو مبلغ أكثر من المتوقع.. وربما زاد من معدل الدفع أن والد “حمد” – رحمه الله – كان لا يدع (مواجبة) إلا وأسهم فيها.. كما أن “حماد نفسه لم يكن يقصر – في حدود إمكانياته.
} أخرج “حماد” الورقة التي سجل فيها ديونه وأعطاها لصديقه ووزيره.. موصياً إياه بأن يدفع لكل دائن ما له من مال.. ثم تسلم (الكشف) وما تبقى له من مال.. أخذت عيناه تجولان بين الأسماء والأرقام بنظرات تائهة.. الكثيرون كتبوا أرقاماً (فلكية) لا قبل لإمكانياته المتواضعة بها.. كيف سيتمكن من رد هذا (الدين)؟! نعم هو (دين) وليس (مساهمة).. فكل (دافع) يتنظر منه أن يأتي إليه في مناسبته أو مناسبة أحد أبنائه ويدفع (رقماً) لا يقل عن ما تم دفعه (مسبقا) – إن لم يزد عليه!!
} كان ينظر إلى الاسم والرقم الذي أمامه ولسان حاله يقول: (إن شاء الله يوم عرسك ما يجي)!!
تحياتي..