تقارير

التشكيل الوزاري المرتقب .. أشواق التغيير .. !!

رغم أن واقع الفيضانات المدمرة التي جرفت البلاد قد غطى على المشهد بأسره، إلا أن الأنظار لم تغفل عن متابعة التطورات السياسية المحتملة، خاصة وأنه كان من المتوقع أن تشهد فترة ما بعد عطلة العيد سخونة سياسية إثر الإرهاصات التي كانت تنبئ بعزم مؤسسة الرئاسة على تبني مبادرة شاملة لحل الأزمة السودانية، تلك المبادرة التي كشف عنها النائب الأول لرئيس الجمهورية «علي عثمان محمد طه»، التي من أبرز موجهاتها إعادة تشكيل حكومة الخرطوم (العريضة)، سبقها حديث القيادي في المؤتمر الوطني، النائب البرلماني «محمد الحسن الأمين» بأن هناك حواراً على نار هادئة يجري مع بعض قادة القوى السياسية المعارضة سيسفر عن (بشريات) خلال الفترة المقبلة، بخلاف المقابلات غير الرسمية التي جمعت في أكثر من مرة بين (الرئيس البشير– الترابي) و (علي عثمان – الترابي) وإن كان طابعها اجتماعياً إلا أنها لا تخلو من نكهة السياسة، لكونها جمعت بين الفرقاء بعد سنوات طوال من القطيعة. وفي جانب آخر حدث تقارب ولقاء بين الأمين العام للحركة الإسلامية «الزبير أحمد الحسن» ونائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي «إبراهيم السنوسي» في مسيرة الخرطوم المؤيدة لحركة الأخوان المسلمين بمصر وما صاحبها من جدل حول إمكانية توحد الإسلاميين..
ويبدو أن الحكومة وحزبها الحاكم المؤتمر الوطني قد أجلت وأخرت تسمية التشكيل الوزاري المرتقب والمضي قدماً في إعلان الحكومة الجديدة إلى ما بعد عطلة العيد، بغرض المزيد من الحوار والتشاور مع القوى السياسية الموالية والمهادنة منها وقوى المعارضة التي يسعى المؤتمر الوطني لأن تسجل اسمها ضمن كشوفات الاستوزار، وفي ظل هذا الواقع يردد الشارع السياسي بأن الأسبوع المقبل سيشهد رسمياً الإعلان عن التشكيل الحكومي الجديد، وعلى ما يبدو أن الحكومة تريد أن تبسط يدها للمعارضة التي ظلت تتمترس في أكثر من مرة عند موقفها الرافض الجلوس حتى للحوار ناهيك عن الجلوس في مقاعد الوزارة الجديدة، وترى المعارضة أن ملامسة كفها ليد الحكومة يعني إطالة أمد النظام خاصة وأن المعارضة تشترط قيام حكومة انتقالية على حد موقفها.
ورشحت أنباء محتملة ترقى إلى الواقع، بأن التغيرات الوزارية القادمة ستطال رؤوساً بارزة في الحكومة الحالية ابتداءً من القصر الرئاسي نفسه وكباراً من وزراء الحرس القديم.
وفي ظل تلك الأجواء بدا التباين كبيراً بين المفسرين والمتابعين لمآلات التشكيل الحكومي المقبل حتى داخل أروقة الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) نفسه، ففي الوقت الذي يتحدث فيه بعض قياداته ومنسوبوه عن خروج غالبية طاقم الوزراء الحاليين في الحكومة من التشكيل الوزاري الجديد، ينظر آخرون إلى الأوضاع من زاوية أخرى أكثر بعدا،ً حيث يرى البعض أن التغيير الإيجابي يكون في السياسات الكلية، وأن الأوجه التي تتقلد المناصب لا يهم كثيراً من تكون.
تلك الإشارات رددها البعض ولم تنته المشاورات المكثفة التي ابتدرها «البشير» خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان مع مقربين من كبار طاقم حكومته بشأن التوليفة الجديدة على رأسهم مدير المخابرات الفريق أول «محمد عطا»، والأمين العام للحركة الإسلامية «الزبير محمد الحسن»، ووزير الموارد المائية والكهرباء «أسامة عبد الله»، لم تنته إلى الحزب الحاكم فقط، وإنما ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث جرت اتصالات مع حركة العدل والمساواة بقيادة «جبريل إبراهيم» لإشراكها ترجح مصادر أن تفضى إلى اتفاق حال وافق المؤتمر الشعبي على المشاركة، فضلاً عن استعانة الرئيس «البشير» بـ(تكنوقراط). وتقول المصادر إن التغييرات ستطال حتى شركاء المؤتمر الوطني والموالين له. وبحسب مصادر موثوقة تحدثت لـ(المجهر) ستكون هناك عملية إحلال وإبدال كبيرة وتقليص للحصص في بعض قيادات الأحزاب المشاركة، بما فيها الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني، ومطالبة تلك القوى السياسية بتغيير تلك الوجوه المشاركة في الحكومة الحالية لضعف الأداء، وربما المزيد من الحقائق للنساء.
وتأتي رغبة الحزب الحاكم وحرص الرئيس «عمر البشير» في إشراك قوى المعارضة في السلطة خاصة حزب الأمة القومي، والمؤتمر الشعبي، والإبقاء على مشاركة حزب الميرغني، استناداً على مبادرة رئيس الجمهورية لحل الأزمة السودانية، لكن هذا المبادرة ودعوة «البشير» تسبقها اشتراطات ومواقف متكررة من قوى المعارضة تبدأ بإتاحة الحريات، ووقف الحروب الدائرة، وتفكيك دولة الحزب الحاكم، وقيام دولة القانون، ولا تنتهي بقيام حكومة قومية كما ينادي «الصادق المهدي»، أو حكومة انتقالية كما يشتهى زعيم المؤتمر الشعبي الدكتور «حسن الترابي».
إذن ما تسرب خلال الفترة الماضية بتغيير جذري محتمل في حكومة «البشير»، وبرغبة الحزب الحاكم في إشراك قوى المعارضة لا سيما حزب الأمة القومي يجد الرفض من تلك القوى السياسية، خاصة حزب «المهدي» الذي تبدو موافقه (ناعمة) تارة وتارة أخرى يتمترس عند موقفه الرافض ويتمسك بتشكيل حكومة قومية تشرف على قيام انتخابات وتعد للدستور القادم للبلاد، رغم أن ذات الحزب دفع بنجل «الصادق المهدي» إلى القصر الرئاسي وتبرأ بعدها من موقف «عبد الرحمن الصادق» الذي قال إنه شارك في الحكومة بصفته الشخصية وليس باسم الحزب، ناهيك عن تصلب الحزب الشيوعي السوداني الذي لم يتزحزح عن موقفة الرافض للحكومة الحالية جملة وتفصيلاً، وأن التغيير لا محالة واقع سواء عبر الانتفاضة الشعبية أو غيرها من الوسائل.
الممانعة الواضحة التي حزم بها حزب الأمة أمتعة الرفض للمشاركة، لم تختلف عن موقف المؤتمر الشعبي بزعامة «الترابي» فبدا موقفه واضحاً وهو الرفض بصورة قاطعة في المشاركة في الحكومة الجديدة، باعتبار أن المساهمة في الحكومة يعني المشاركة في الأزمة وتحمل أخطاء المؤتمر الوطني على حد تعبير الأمين السياسي للحزب «كمال عمر عبد السلام» الذي تحدث لـ(المجهر)، قائلاً إن الحزب الحاكم يستقطب الأحزاب للمشاركة في السلطة التنفيذية فقط، وهو يزيد من تطورات أزمات البلاد، وأن مواقف قوى المعارضة متوحدة وهي رفض المشاركة، وأنه حتى الأحزاب التي شاركت ضاقت ذرعاً بسياسات الحزب الحاكم، ويشترط المؤتمر الشعبي المشاركة ويتمسك بوضع انتقالي كامل لا يستثنى أحداً بما في ذلك المؤتمر الوطني دون عزل لأحد، ويذهب «عمر» إلى أبعد من ذلك في أن المؤتمر الوطني لديه الفرصة في أن يأخذ موقفاً مفصلياً ويعلن فشله ويرفض الحزب المشاركة حتى لو كان الثمن رئاسة الجمهورية نفسها باعتبار أن ذلك ليس هو الحل وإنما (تخدير ساي).
إذن الرفض المغلظ الذي بدا واضحاً في مواقف أحزاب المعارضة ممثلة في حزب الأمة القومي، والشيوعي والمؤتمر الشعبي من المشاركة، بدأ يطل في موقف الحزب الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني المشارك أصلاً في السلطة، وإن كان موقفاً تكتيكياً، فقد اضطر إلى إخراج الهواء الساخن عندما صرح للشرق الأوسط، وقال إن (الشراكة في الحكم بين حزبه والمؤتمر الوطني ليست رباطاً مقدساً لا فكاك عنه، وإنما هي اتفاق قابل للمراجعة) وإن ما يجمع حزبه مع حزب «البشير» هو رباط المسؤولية الوطنية. و(قضيتنا الوطن أولاً وأخيراً) ويقول إن الاتحادي يشارك بتمثيل رمزي في مؤسسات الدولة ولا يتفق مع وزنها الجماهيري ولا تاريخها الوطني لكنه لا يعطي هذا الأمر اهتماماً حالياً لأن الأولوية للأجندة الوطنية ومنع تمزيق البلاد)- على حد تعبير الرجل.
ورغم أن موقف الميرغني سابقاً قد أزعج قادة المعارضة بانضمامه للاحزاب المشاركة في الحكم، إلا أن تصريحه الأخير يحسب أنه بدا مقلقاً للحكومة، وأكثر تعقيداً لها باعتبار أن الرجل بدأ يزهد في الحكومة، رغم أن الحزب الحاكم يعول على استمرار مشاركة الميرغني؛ الأمر الذي ترفضه قيادات وقواعد الحزب العريق بحسب القيادي في الحزب علي السيد الذي قال لـ(المجهر) إن حزبه يكابد لأكثر من عام في تشكيل لجنة لمراجعة وتقييم المشاركة في الحكم، لكن تدخل من سمَّاهم بالانتهازيين من طرفي حزبه والمؤتمر الوطني حالت دون تشكيل تلك اللجنة.
ويستند القيادي في الحزب الاتحادي إلى أن مشاركة حزبه في الحكومة باتت غير ذات جدوى بأن هناك عدداً من القيادات في الحزب بمن فيهم الوزراء المشاركون في السلطة حالياً، وقواعد الحزب أبدت عدم رغبتها في المشاركة في السلطة التنفيذية، وعلى الحزب أن ينفض يده عن تلك المشاركة الصورية، ويعرب عن أمله في أن تكون تلك الشراكة غير مقدسة على وصف المرشد ويخرج الحزب من تلك الحكومة، خاصة وأن وزراء الاتحادي (الستة) في الحكومة لا يتخذون أدنى قرار في الحكم بل يستمعون إلى القرارات كغيرهم من عامة الناس، وأن جل ما يقومون به هو مهام تنفيذية توكل إليهم – على حد تعبيره.
ويقول «علي السيد» إنه رغم مما رشح في وسائل الإعلام خلال الفترة الماضية حول وجود لجنة عشرية للحوار والتفاوض مع الحزب الحاكم بشأن نصيب الاتحادي في التشكيل الوزاري الجديد، لكن «السيد» يستغرب لمثل وجود هذه اللجان، وينفي البتة وجود أي لجنة بهذا الشأن، وأن ما يروج لمثل هذا الحديث هو المؤتمر الوطني وبعض (المتهافتين) على كراسي السلطة، ويرى الرجل أن موقف «الميرغني» الأخير هو سانحة لنفض الحزب يده من (الحكومة الفاشلة) كما أسماها، خاصة وأن كل مؤسسات حزبه رافضة الشراكة مع الحزب الحاكم والدخول في التوليفة الحكومية الجديدة. ومهما يكن من شيء فإن السياسيين وحدهم من يفردون لنقاشاتهم واهتماماتهم مساحات زمنية أوسع من غيرهم لمتابعة قضية التشكيل الحكومي الجديد، بينما تتركز اهتمامات المواطنين في الحصول على احتياجاتهم من الأسواق وخدماتهم في التعليم والصحة بسعر زهيد إن لم يكن مجانياً. وفي اتجاه آخر ظل البعض يسبح بقوة عكس تيارات المياه التي خلفها السيل بينما (تيارات) السياسيين تتصارع حول تقسيمات الكعكة والمقاعد الوزارية الوثيرة …

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية