حوارات

عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي "محمد ضياء الدين" لـ (المجهر) "(2-2)

اعتبر تحالف قوى المعارضة منع بعض قياداته من السفر إلى سويسرا للقاء بحركات مسلحة أمراً منافياً للدستور والقانون، وعدَّه يصب في اتجاه الدفع بالبعض لخيارات أخرى بدلاً عن البحث عن حلول سلمية للأزمة السودانية.. ورأى أن اللقاء كان بصدد تواصل الحوار من أجل الوصول لاتفاق مع الحركات المسلحة بغرض الوصول إلى اتفاقات تدفع بمعالجة لقضايا الأزمة الوطنية الشاملة التي تعيشها البلاد..
(المجهر) حاورت “محمد ضياء الدين” عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، الناطق الرسمي للحزب، ممثل البعث في الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني.. حول هذه القضية وقضايا أخرى.

} كيف تقرأ الأحداث التي جرت في مصر؟
– ما يحدث في مصر هو ثورة تصحيحية لثورة (يناير).
} هل ما تقوله يعبر عن رأي البعث أم قوى التحالف التي فضلت عدم إخراج رأي موحد حول ما يجري في مصر؟
– نعم، فالكثير من القوى السياسية لديها رؤى مختلفة لما يجري في مصر.
} إذن ما هي رؤية حزب البعث لما يجري هناك؟
– ما حدث في مصر هو ثورة تصحيحية نتيجة للأخطاء التي ارتكبتها حركة الإخوان المسلمين التي أتت للسلطة بعد انتخابات شرعية، ولكن هذه الشرعية دفعت الإخوان لكي يحولوا مصر بأكملها إلى مجموعة متمكنة في السلطة التشريعية والتنفيذية. الأخوان المسلمون في مصر بدأوا من حيث انتهى الإخوان المسلمون في السودان، وبالتالي كان ذلك مصيرهم في ظل اتقاد الثورة ومتابعة الشفافية، لقد انتهوا بما مارسوه من تمكين، فعلوا كل ذلك في عام واحد، سياسة الأخونة والتمكين وكل ما ذكرت لك هو ما دفع الشعب المصري للخروج من جديد للتعبير عن رفضه لسياسات النظام القائم، وبالتالي فإن الشرعية الحقيقية هي الشرعية الجماهيرية التي أتت بـ”مرسي”، والتي أتت بنظام جديد يعبر عن إرادة الشعب المصري، وبالتالي الشرعية الدستورية نفسها التي يتحدث عنها البعض تستمد حقيقة من الشرعية الشعبية.. الشرعية الدستورية تستمد من الشرعية الشعبية.. لذلك فإن ما جرى في مصر هو انحياز القوات المسلحة المصرية لإرادة الجماهير الشعبية التي عبرت عن رفضها لسياسات “مرسي” ولسياسات الإخوان المسلمين بمستوى من التعبير لم تشهده البشرية من قبل.
} أنت تنتمي لتيار القومية العربية.. والآن بدأت تظهر كتابات تقول بفشل طرحي (القومي) و(الإسلام السياسي) معاً وبالتالي لابد من طريق ثالث للأمة العربية.. هل ذلك صحيح؟
– الأفكار لا تموت، الأفكار الحية تستطيع أن تتجدد، والفكر القومي الاشتراكي أيضاً فكر متجدد، وفي كل مرحلة من المراحل التي تمر بها الأمة يستطيع هذا الفكر أن يخلق القدر المطلوب من الحراك على المستوى الفكري الأيديولوجي، وعلى المستوى السياسي، وعلى المستوى التنظيمي بما يجعله قادراً على المواكبة.. الفكر القومي الاشتراكي هو فكر إستراتيجي يستهدف إعادة بناء هذه الأمة.
} هل فشلت تجربة البعث في العراق أم تم إفشالها؟
– نحن كبعثيين نفخر بأن تجربة العراق لم تسقط من خلال شعب العراق، وإنما سقطت عبر تحالف إمبريالي صهيوني دولي احتل العراق، وهذا يدلل على أن هذه التجربة كانت مشعة ومنيرة على محيطها العربي، وكانت تجربة قدمت نموذجاً في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما أدى لاحتلال العراق، لإسقاط تجربة البعث.
} البعض يقول إن حزب البعث ارتكب أخطاء إستراتيجية أفضت إلى انتهاء تجربته هناك ولولاها لكان قد استمر؟
– لو قدم البعث تنازلات كما طلبت الإدارة الأمريكية، لبقي حكم البعث.
} تنازلات مثل ماذا؟
– مسألة علاقة العراق بدولة الكيان الصهيوني، فقط لو وافق العراق على التنازل عن موقفه من القضية الفلسطينية لكفى العراق.
} يقول مراقبون إن أخطاء الرئيس الراحل “صدام حسين” الإستراتيجية في حربه مع إيران واحتلاله الكويت هي ما أتت بالأجنبي؟
– العراق كان هو البوابة الشرقية التي أدت إلى صد العدوان الإيراني الذي تمدد الآن بعد احتلال العراق ووصل حتى السودان.
} هل يؤمن الشعب العراقي بما تقول؟
– نعم، الشعب العراقي يؤمن بذلك إيماناً قاطعاً، وحتى الذين أتوا عبر الدبابة الأمريكية بعد “صدام حسين” يؤمنون بذلك.
 } البعض يذهب وراء نظرية المؤامرة في ما يختص بثورات الربيع العربي.. هل تلك قائمة فعلاً؟
– في بداية الأمر كانت هذه الثورات تعبر عن إرادة الشعب العربي في التحرر من الفساد والاستبداد، لكن صعدت قوى إقليمية ودولية حورت بعض هذه الانتفاضات، وأتت بقوى أصلاً لم تكن مشاركة في عملية الثورة ضد هذه الأنظمة التي قام الشعب بثورته ضدها، وثبت أن الثورات دائماً تأتي في ظل عدم وجود أحزاب سياسية فاعلة، وفي ظل التدخلات الإقليمية والدولية تمت سرقة العديد منها، وتسليم مقاليد السلطة إلى قوى لا تمتلك القدرة على إدارة الدولة، بل هي مجموعات لديها علاقات إقليمية ودولية مشبوهة بقوى إقليمية عربية وإسلامية وقوى دولية، حتى القوى التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإدارة الأمريكية والصهيونية. لذلك الثورة يجب أن تتم حراستها.
} هل تتفق مع ما تقوله أطراف مصرية إن الشعب المصري قام بتصحيح ثورته؟
– نعم، قاموا بتصحيح ثورتهم، وهذا هو المطلوب لكل الثورات العربية التي أسقطت الأنظمة ولم تأت ببديل حقيقي يعبر عن إرادة الجماهير التي قدمت التضحيات. لذلك المطلوب حراسة الثورة وتطوير وسائل العمل السياسي بعد إسقاط هذه الأنظمة لضمان وجود سلطة تعبر عن إرادة الجماهير، وتحقق تطلعاتها التي ناضلت من أجلها وأسقطت الأنظمة الدكتاتورية، لذلك الثورة لا تنتهي بإسقاط النظام، وإنما تبدأ بإسقاطه، نحن نحتاج إلى نظام ديمقراطي لكي نحقق الثورة، وليس العكس، وهذا ما يجري الآن في المنطقة العربية.. تجديد إرادة الجماهير من خلال الاستفادة من الوضع الديمقراطي لتحقيق ثورة.. والثورة بمعنى التغيير الجذري في المشهد السياسي الذي يحقق تطلعات الجماهير في التغيير.
} على ماذا يراهن البعث؟
– على إرادة شعبنا، وعلى قدرات وطاقات أمتنا، وأن الطريق إلى المستقبل لا بد أن تستصحبه تضحيات جسيمة تتكافأ مع التطلعات المشروعة لشعبنا في حياة حرة كريمة. نحن دائماً لا نفقد الأمل، وكما يقال إن (الأمل هو خبز الفقراء)، وإذا جاع الفقراء فإنهم يفعلون كل ما يودون القيام به.. نحن مع إرادة شعبنا، نناضل من أجل هذه الإرادة بكل ما أوتينا من قوة، ونتحمل مسؤولية وتبعات هذه المواقف بغض النظر عما يترتب عليها.
} بعض المراقبين يقولون إن الإسلام السياسي ورث أرضية القومية العربية التي يقولون إن زمانها قد انتهى وكان من الطبيعي صعود الإسلاميين عقب ثورات الربيع العربي.. هل هذا الحديث صحيح؟
– هنالك فرق بين تيار الإسلام السياسي وبين الإسلاميين.. حزب البعث العربي الاشتراكي في فهمه لقضية القومية يرى أن العروبة جسد روحه الإسلام، ولا غضاضة بين الدعوة للوحدة العربية بمكونات هذه الأمة التي يقول البعث إن الإسلام مكون أساسي من مكوناتها، لا غضاضة في ذلك، أما الإسلام السياسي فلا علاقة له بما نقول.. الإسلام السياسي منهج لقيام دولة (ثيوقراطية) تعبر عن أيديولوجية دينية إقصائية، وهذا هو الخلاف بين البعث والقوى التي تنادي بقيام الدولة الدينية.. ونحن لسنا ضد الإسلام كدين، ولا ضد المسلمين.
} الإسلاميون دائماً ما يصفونكم بالعلمانيين؟
– العلمانية مفهوم مغلوط في أذهان كثير من الناس، وهي تعبير له الكثير من المدلولات والمعاني، نحن عندما نقول إننا علمانيون لا نعني بالضرورة أننا نفهم الدين كما فهمته الكنيسة والماركسية، والعلمانية ما عادت الآن هي الخلاف الرئيسي الذي يمكن لمجموعة الإسلام السياسي أن يدحض بها مواقف القوى السياسية الأخرى. الآن حتى الماركسيين والشيوعيين لا يعبرون عن مواقفهم السياسية من خلال طرحهم للقضايا السياسية باعتبار أنهم علمانيون، إنما يدعون إلى الدولة المدنية الحديثة التي تستطيع أن تستوعب كل القوى الوطنية، والآن تجد الإسلام المعتدل يقدم نفسه باعتباره إسلاماً مدنياً ديمقراطياً معتدلاً، وقائد هذه الثورة المدنية داخل قوى الإسلام السياسي هو “راشد الغنوشي” الذي استطاع إلى حد ما أن يعبر عن موقف معتدل للإسلام السياسي، واستطاع من خلاله الوصول إلى السلطة في دولة مدنية حديثة مثل تونس. ونعتقد أن مثل هذا المنهج يمكن من خلاله وضع الإسلاميين وغيرهم من القوى الوطنية في موقف وسط يعبر من خلاله الشعب ككل عن أن الدولة المدنية تستطيع أن تستوعب كل الاتجاهات الأيديولوجية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
} قيل عن تجربة الإخوان المسلمين في مصر إنها كانت ضيقة الأفق ومنغلقة.. كيف تقيّم تجارب حركات الإسلام السياسي؟
– تجربة الإخوان المسلمين في تونس كانت أكثر تقدماً في رؤيتها من تجارب الإسلاميين الذين أتوا إلى السلطة في السودان ومصر، في مصر بدأوا من حيث انتهى إخوان السودان، أما إخوان السودان فهم مجموعة رأسمالية ارتبطت بالسلطة لاكتناز الثروة، لذلك فأنا أتحدث عن حركة الإخوان المسلمين في مصر، وخطأهم قد يكون نتاج عدم تجربتهم في السلطة، وأعتقد أنهم أخطأوا في أنهم عملوا على تولي إدارة الدولة في مصر في مرحلة صعبة، كان من الممكن أن تتاح الفرصة للجميع لتحمل مسؤولية انتشال مصر في المرحلة الأولى عبر تكوين حكومة قومية انتقالية، ومن ثم يمكن للإخوان المسلمين أن يأتوا في مرحلة لاحقة بوزنهم الجماهيري، وهذا حقهم.
} هل يؤثر اقتلاع تجربة الإخوان في مصر بهذا الشكل على مجمل تجربة الإسلام السياسي؟
– كان من المعول أن تصبح التجربة المصرية تجربة مشعة لكل قوى الإسلام السياسي، لكن السقوط المدوي والدراماتيكي لتجربة الإخوان في مصر، من شأنه أن يضعف القوى الأخرى كافة التي نظرت إلى مصر باعتبار أن ما يجري هناك يمكن أن يكون نموذجاً لقوى الإسلام السياسي في كل دول العالم، وباعتبار أن الإخوان المسلمين مركز ثقلهم الرئيسي في مصر، وبالتالي السقوط بهذه الكيفية سيضعف الإسلام السياسي.
} ما هي رؤيتك لما يجري في سوريا؟
– ما يجري في سوريا بدأ بثورة شعبية ضد سياسات النظام القائم، وتحول في نهاية الأمر إلى صراع دولي لتصفية حسابات بين قوى ظلامية تمثلها قوى الإسلام المتخلف بقيادة (القاعدة) وتوابعها وبين إرادة المجتمع الدولي، التي تعبر عن الإرادة الأمريكية والصهيونية التي تقوم بدور مباشر كذلك في سوريا، أضف إلى ذلك الدور الإيراني الذي يقف مع النظام، وأضحت سوريا بذلك هي البقعة التي تجري فيها التصفيات الإقليمية والدولية، وبات الشعب السوري الآن بين رحى حرب تقودها أطراف عدة.
} كبعثيين كيف ترون الوضع هناك في ظل اتهام نظام البعث السوري بأنه نظام يمثل طائفة واحدة؟
– نحن لا ننظر إلى النظام السوري باعتباره يمثل طائفة واحدة، هذا حديث مردود، لدينا تحفظات جوهرية على ما جرى في سوريا منذ شباط من العام 1966م، باعتبار أن النظام القائم الآن انقلب على الشرعية التي أتت بحزب البعث العربي الاشتراكي بانقلاب عسكري، وبالتالي لدينا خلافات جوهرية مع ما يجري في سوريا، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن نؤيد القوى الظلامية التي تقوم بتهديد وحدة سوريا وتقسيمها وتصفية خلافاتها في داخل سوريا بلا مصلحة للشعب السوري فيها، وما يجري الآن هو تهديد مباشر لوحدة سوريا أرضاً وشعباً نتيجة التصفيات التي تقوم بها القوى الإقليمية والدولية بمختلف اتجاهاتها وموجهاتها في إدارة صراع لا يهدد فقط سوريا، وإنما يهدد المحيط الإقليمي العربي في لبنان والعراق وغيرهما من الدول العربية.
} لماذا برأيك تعاظم الدور الإيراني الآن؟
– إيران تقوم الآن بالإنابة عن الاستعمار التقليدي بإذكاء النعرات الطائفية في المنطقة العربية وفي اختراق المجتمعات على أساس طائفي ومذهبي ما يمثل خطراً كبيراً جداً على مستقبل وحدة الشعب العربي والإسلامي، ووصل هذا الدور حتى السودان عبر نشر (التشيُّع)، وما تقوم به إيران أخطر من إسرائيل وأمريكا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية