"الصادق المهدي" في حوار فوق العادة مع (المجهر) (1 – 2)
الحديث إلى (الإمام الحبيب)، كما يحلو لمريديه مناداته، له طعم خاص ونكهة (حريفة)، فهو يصيب موطن الداء بكلمات كأنها (مبضع وترياق)، في آن، ولأن مجتمعنا (معلول)، قصدنا بهذه السياحة معه استعارة المبضع والترياق، علنا نساهم في معالجة أدواء بلد.
وكما أن للحديث بهاره، فإن سياحة (المجهر) مع الإمام تضمنت طُرفاً، وطَرفاً من حياة الرجل الثرية، حدثنا خلالها عن علاقته بخيله ونسائه وعياله، وتداخل العملية التربوية بين الأطراف الثلاثة، وأفاض في تشخيص أمراض مجتمعنا، فضلاً عن جوانب خفية وقضايا مثيرة للجدل أجاب عنها بوضوح شديد دونما تردد.. فإلى مضابط الحوار.
{ عرفت أنك لاعب تنس ماهر وفزت بعدد من الجوائز.. لماذا لا تعلن عنها؟
– فزت قبل سنتين بكأس اللاعبين كبار السن، أنا وزميلي “محمد بهيج”.
{ أين كانت تلك المنافسة؟
– في اتحاد التنس السوداني.. (وبلعب كويس.. لكني ما ألعب زول).
{ فزت بالكأس لأنك ماهر في اللعبة.. أم لأنك “ود المهدي”؟
– هنا (مافي نسب)، تدخل الكفاءة في كل الأشياء التي فيها تنافس، خصوصاً الرياضة، فهي أكثر منشط ديمقراطي، يتقدم فيه الناس حسب عطائهم، (أمس القريب دا) كانت هناك مباراة في بطولة الجمهورية المفتوحة، تنافس فيها “نور الدين/ خالد”، وفاز “نور الدين” بالبطولة، وهو ابن عامل في اتحاد التنس، هذا معناه أنه فاز بكفاءته وقدراته وليس نسبه، وهذا في كل أنواع الرياضات.
{ ما هي الرياضات الأخرى التي تمارسها السيد الإمام؟
– في السباحة (بعوم كويس.. بس ما عندي كفاءة فيها)، أما الفروسية والبولو فأنا ماهر جداً فيهما “(ركب الخيل من ما كنت طفل)، واستطيع القول (عندي كفاءة عالية في ركوب الخيل).
{ كخيال.. ماذا كسبت من العلاقة مع الجياد؟
– الناس الذين يتعاملون مع الخيل يصادقونها، لدرجة أنك لو قلت (لزول بحب الخيل) الجواد حيوان سينزعج جداً.. الجواد صديق والذين يتعاملون معه، يعاملونه كما يعاملون أحد أفراد أسرهم، وفي هذا قال المتنبي:
(وما الخيل إلاّ كالصديق قليلة وإن كثرت في عين من لم يجرب
فمن لم يشاهد غير حسن شياتها وأبدانها فالحسن عنه مغيب)
وفي حديث الرسول “صلى الله عليه وسلم”: (الخيل معقود على نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، ويقول بعض الناس في الأثر، على لسان الخيل، إنها قالت لرب العالمين في علاقتها مع الإنسان: (اللهم اجعلنا أحب مال بن آدم إليه)، أنا أتعامل مع خيلي لا كحيوانات بل كأصدقاء، ليس بسبب نفعها، بل حباً لها.
{ علماء النفس يقولون إن للخيل (عزة نفس) لا توجد في الحيوانات الأخرى؟
– للجياد أشياء كثيرة تميزها، فمثلاً عندما تسيء معاملة حيوانات أخرى دون قصد، فقد لا يكون لديها ردة فعل، أما الجياد فستكون لها ردة فعل مباشرة، فإذا أحسنت معاملتة الجواد تكسب مودته. الحيوانات بشكل عام (عندها مشاعر)، فهي تغضب، وتخاف، وتعادي، فالجمل يحقد ويمكن أن ينتقم، ويصادق. للخيل مشاعر قوية فإذا أحسنت معاملة الجواد تكسب صداقته، والعكس (يفنجط ويرميك).
بدأت علاقتي بالخيل منذ الطفولة، ربيت أولادي على أن ينشأوا مع الخيل، (مش بس يجوا يركبوا، ينضفوها ويقدموا ليها العليقة والموية، ويشاركوا في مهورتها)، أي يخلقوا معها علاقة أشبه بالصداقة، واستفدت من هذا كثيراً في تربيتهم.. علمتهم الخشونة والرياضة، لأن الجواد مخلوق رياضي، وقفته تعلم الأطفال الخشونة، (وتديهم درس في الحياة الجنسية)..! حين يسأل الأطفال أمهاتهم: (نحن جينا من وين؟)، مرات كثيرة تجيبهم الأمهات إجابات مضللة حياءً من قبيل: (لقيناك في الجامع.. اشتريناك).. الخ.. والمزحة الشهيرة: (طفل صغير سأل أمه بحضور أخيه وأبيه: يا أمي أنا جيت من وين..؟ فردت الأم: لقيناك في الجامع، فضحك الطفل وقال لأخيه: نوريهم الحقيقة ولاّ نخليهم على جهلهم دا..؟). أطفالي (شافوا) العلاقة الجنسية عند الجياد، وتابعوا حملها، وولادتها، والجنين يخرج من بطنها، ونتيجة لمتابعة هذه العلاقة يصلون إلى أن العلاقة التي حدثت (حيوانية) وليست مقصورة على البشر.
{ تزوجت امرأتين.. هل كان زواجك منهما عن حب؟
– يجب أن يكون عن حب، وهذا شيء طبيعي، لأن العلاقة بين الاثنين في البشرية ليست حيوانية، لذا يدخل الجانب الروحي فيها ليخلق الانسجام، وأنهما مشدودان لبعضهما، فحتى الرسول “صلى الله عليه وسلم” قال في هذا الجانب: (الأرواح أجناد مجندة، فما تآلف منها ائتلف.. وما تخالف منها اختلف)، فكيف تكون هناك علاقة بين إنسان وإنسانة، يعيشان مع بعضهما دون أن تكون فيها إلفة على المستوى الروحي؟! أما عاطفياً (فالزول البحب التاني، راجل ومرة بشعروا وكأنهم خلقوا لبعض، وإنهم مشدودين لبعض، وبرتاحوا لبعض، زي ما بتقول الأغنية:
الحقيقة الساعة جنبك تبدو أقصر من دقيقة
والدقيقة وإنت مافي مرة ما بنقدر نطيقا
وقول الشاعر العربي:
الليل أطول شيء حين أفقدها.. والليل أقصر شيء حين ألقاها).
فالزمن ينكمش في حضرتها ويتمدد ويطول في غيبتها، وهو دليل على شعور عاطفي قوي، وقال “قيس ليلي”:
(كأن قلبي في مخالب طائر إذا ذكرت ليلى يشد بها قبضة)، وهذا معناه أن القلب (بتحصل ليهو رعشة عند سماع اسم ليلى).
وقال الرسول “صلى الله عليه وسلم”: (لا أرى للمتحابين إلا النكاح)، وهذا موضوع كتب فيه الكثير من الفقهاء، منهم “بن حزم” في (طوق اليمامة)، وكتب فيه “بن القيم” (روضة العاشقين)، وكتب فيه “السيوطي” (آداب الغنج)، وهذا كلام واضح جداً، ولا شك في أن العلاقة التي كانت تربط بين الرسول الكريم والسيدة “خديجة”، ثم بينه والسيدة “عائشة”، كانت محبة (مش مجرد علاقة زوجية). والقرآن نفسه فيه آية تدل على أن العلاقة بين الرجل والمرأة في الزواج قائمة على الحب، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا..) صدق الله العظيم.
وقد كتبت كل كلامي هذا في كتابي “(أيها الجيل)، وخصصت فيه فصلاً كاملاً عن الضرورات العاطفية، وتوضيح هذه المعاني، وأعتقد بدون شك أن الحب هو النافذة للزواج الناجح.
{ هل تزوجت زوجتيك الاثنتين عن حب.. يعني هل بمقدور الرجل أن يحب اثنتين في وقت واحد؟
– كان زواجي الأول من السيدة “حفية” تقليدياً، هي سيدة محترمة، عشنا معاً حياة مستقرة، لكنه في الأساس كان تقليدياً، لكن زواجي الثاني من السيدة “سارة” كان حباً، وأنا أعد نفسي استطعت النجاح، لأن الزواج الثاني عادة (يولد الحرب الأهلية بين الطرفين)، نعم كانت هناك (مشاعر ضر، لكنها ما وصلت حد الحرب الأهلية)، ومن نعم الله عليّ أن أولادي من الطرفين متساويين، ثلاث بنات وولدان، ولم تؤد إلى ذرية متباغضة. ولم أجد في تجارب الآخرين هذه الصفة، لأن الزواج الثاني غالباً يؤدي إلى حرب أهلية، وأذكر أن صديقنا “عثمان خالد” تزوج على زوجته دون أن تعرف، وحين عرفت تحول الأمر إلى نوع من التباغض الشديد جداً، فقلت له: (يا عثمان إنت دخّلت نظرية جديدة في الحساب وهي 1+1=0)..!
{ كيف كنت تطفئ نيران الغيرة بين زوجتيك؟
– الغيرة موجودة، لكني تعاملت معها بطريقة حالت دون وصولها مرحلة (الحرب الأهلية)، وهذا نوع من التوفيق، لكنه لم يكن صدفة، حين أردت الزواج من “سارة”، قلت لها، وهي ذاتها اشترطت أن يتم زواجنا بموافقة “حفية”، (وما يكون بالدس منها ولا بالرغم عنها)، وفي رأيي هذا ما ساعد في التمهيد للزواج.
كنت أقول لن أتزوج مهما كانت قوة مشاعري نحو “سارة” ما لم توافق “حفية”، وكان هذا رأي “سارة” أيضاً، وحين كلمت “حفية” وهي تعرف مشاعري نحو “سارة”، واجتمعت بهما الاثنتين قالت لي “حفية”: (مش بس موافقة.. أنا أخطبها ليك)..! هذه البداية أدخلت العلاقة في نوع من التمهيد والاحترام، وأقول: (حقو مافي زول يتزوج زيجة تانية دون علم الأولى). ما نقول محرم لأنه في الشرع موجود، وشرط الشرع هو العدل، وقال الله تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ..) صدق الله العظيم
لذا يجب أن تقوم العلاقة بالزوجة الثانية على الرضا، وليس على الإكراه أو على المفاجأة أو على (الدس)، بعض الرجال من حولي يتحول الزواج الثاني عندهم إلى حرب، نتيجتها طلاق واحدة من الاثنتين.
كانت النساء في زمن سابق يتقبلن ثقافياً وتقليدياً فكرة الزواج من ثانية وثالثة ورابعة، وقال لي أحد جيراننا: (زمان أنا وأمي وأبوي وعماتي الثلاثة- زوجات أبوه- عايشين في بيت واحد، وأخواني من الأربعة، كل واحدة منهم كان عندها مطرح، ونحن عندنا مطرح. ولأن الثقافة والتقاليد في ذاك الوقت كانت قائمة على هذا، ما كانت أي واحدة عندها احتجاج، أبوي عنده ديوان، الواحدة العليها الليلة تمشي ليهو.. الراجل كبر على الحال ده، ولما اتزوج واحدة تانية من جيله، قامت عليه حرب من زوجته وأولاده وأهلها واضطر يطلقها).
لقد لاحظت هذه الحكاية عند كثيرين، هناك الكثير من البنات لا يتوقعن أن يتزوج عليهن.
{ البعض يقول إن الوضع الاقتصادي لا يسمح بزوجة ثانية؟
– ليس الوضع الاقتصادي وحده، أُضيف إليه أن المرأة في هذا الزمن لها ثقافتها وتعليمها وتقاليدها، فإذا تزوج زوجها عليها، تعدها زميلاتها (فيها خلل).. زمان كانت النساء يقبلن الزواج عليهن، لكن الآن تغير العُرف وتطلعات النساء. أصبحت الواحدة منهن مثقفة وأستاذة لها مكانة اجتماعية معينة لا تسمح لها بقبول (ضرة)، وأنا أسمع كثيراً جداً، أن أحد الرجال متزوج من زميلته (محامية)، (طبيبة)، حين يريد الزواج من أخرى تسمع الموضوع منذ وقت مبكر، وتقول له (إذا تزوجت دي طلقني). أصبح الزواج الثاني في ظروفنا الحالية غير ممكن، ولا يؤدي إلى الاستقرار، إلاّ إذا تم بموافقة الأولى، مع أن مقاصد الشريعة في الزواج هي، قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) صدق الله العظيم، ما يعني جعل العلاقة مودة ورحمة، فكيف تكون هناك مودة ورحمة والحرب الأهلية مشتعلة؟! هذا تدمير لمقاصد الشريعة في الزواج، لذا على الإنسان تجنبها، ما لم تقم على المحبة والتمهيد، أما إذا رغب الإنسان لسبب أو آخر في الزواج مرة ثانية، وحتى لا تقوم الحرب الأهلية، يجب أن يتم الأمر بإذن من السيدة الأولى، حتى لا يخرب بيته ويخرب صفاء نفسه. هذا الكلام لا ينطبق على كل الحلال، بل ينطبق على مستوى المعيشة الحضرية، التي حدث فيها تثقيف من المرأة ضد الزواج الثاني، لكن ما زالت بعض المناطق تعيش في الماضي، ولم يحدث فيها تثقيف مضاد، ولهم السير بالطريقة القديمة ولا معنى من قول مثل هذا الكلام لهم.
كما أن الأحكام الشرعية يجب أن تراعي الواقع، فإذا كان واقعاً تتكلم فيه المرأة الحضرية بثقافتها ومكانتها، يتناقض مع الزواج الثاني إلاّ بإذن، فإن المناطق القروية تعيش واقعاً مختلفاً.
{ كيف كنت تدير بيتك بعد الزواج الثاني؟
– تتطلب الإدارة نوعاً من الموضوعية، وهذه المسألة (ما فيها موضوعية)، وساعدتني أولاً أن الزيجة الجديدة لم تكن بالإكراه، أو (الدس)، أو المفاجأة، بل كانت بالإذن، وثانياً ساعدتني العناية الإلهية، فالاثنتان رزقتا نفس الذرية، وهذا كان يمكن أن يؤدي للغيرة، (لو واحدة جابت ذرية أكثر من التانية، وغير كده رزقن بنفس الوزنة من الذرية ولدين وتلاته بنات)، وثالثاً أنا دائماً مظلوم أو في سجن أو منفى، ما زاد العطف نحوي، وقلل الغيرة، وجعلهما تتعاملان بدرجة من التحضر، نعم نشأ ضر وغيرة، ولكني أعتقد لأسباب مختلفة، كان أخف مما يحدث الآن بين الأزواج في المجتمع السوداني.
{ من يتزوج من أكثر من امرأة مطلوب منه الانتقال من حال إلى حال (موود إلى موود) أو من حالة مزاجية إلى أخرى حسب المرأة التي أنت معها؟
– لا أستطيع الحكم في هذا لأن (ابن آدم) دائماً يتأثر بالظروف، والإنسان إن وجد الإحسان قيداً تقيد، بمعنى إذا شعر بإحسان أكبر وتعاطف أكبر (بعض النساء من شدة حبهن، ومن شدة فلاحتهن، بعرفن إنت عايز شنو وبعملنو، وإنت ذاتك لوعيك بتتصور هي عايزه شنو، وبتقولو أو بتعملو). بهذه الصورة يحدث التقارب عن طريق التفاهم، أنا مثلاً عندي مهام في الحياة دينية وسياسية واجتماعية وفكرية واقتصادية، فإذا استوعبها الطرف الآخر وقدر ما أعمل فيه، وإحساساً مني أن هذا الشخص يساعدني، فهذا يقربني منه والعكس، وإذا لم يستطع الطرف الآخر فهم هذا ولم يساهم فيه، فسيؤدي هذا إلى التباعد، لكن ليست هناك (مسطرة) تقيس العلاقات الإنسانية.