"صلاح قوش".. كيف يعبر صراط المرارات؟!
العقلية الإنقاذية على مستوى القواعد، ما زالت تعيش إشكالية تصديق الشعارات عن المحبة الروحية والنفحة العاطفية بين أبناء الجلدة الإخوانية الواحدة. وفي الواقع أن تلك المعزوفة التي تجسد قوة التآخي بين الإسلاميين قد واجهت في التاريخ المعاصر تجارب مأساوية ومحطات ميلودرامية بالشواهد الدالة.
كان الانفجار الضخم الذي يوازي وقوع القنبلة الهيدروجينية يتمثل في الخلاف الطاحن بين القصر والمنشية، وكانت المحصلة انشطار الإنقاذ إلى قسمين، (مؤتمر وطني) و(مؤتمر شعبي)، حيث صار الدكتور “حسن الترابي” الأب الروحي للحركة الإسلامية السودانية في الضفة المعادية للرئيس “البشير”.. أما الخلاف الآخر الذي غلف الأجواء بالتوتر والمخاوف والاستنتاجات الكثيفة، وصار حدثاً أسطوريا وملحمياً فقد كان بين الطاقم الأعلى للسلطة والفريق أول “صلاح قوش” مدير عام جهاز الأمن والمخابرات السابق.
في الصورة المقطعية عندما تم إقصاء “الترابي” من الصولجان إثر خلافه الشهير مع الرئيس “البشير”، قرر الرجل الرحيل إلى خارج أسوار المؤتمر الوطني وقام بتأسيس الحزب الشعبي، في حين أطلق “صلاح قوش” بعد الإفراج عنه مفاجأة داوية اهتزت لها فروع البان، حيث أعلن بالصوت العالي تمسكه بحزبه القديم دون تغيير خطه السياسي وهو العائد من الحبس والاعتقال الذي تجاوز السبعة أشهر!! بل ذكر بأن الرئيس “البشير” هو أب الجميع!! فهل الفريق أول “صلاح قوش” رجل يلعب في الفضاءات بين اللهب ونقيضه يقابل البلايا والخطوب بإشارات معتدلة وباردة بينما دواخله تغلي كالمرجل من فرط الغبائن والمرارات؟!
والمراقب الحصيف قد لا يستطيع الإجابة الدقيقة عن تلك الملاحظات المنطقية!!
اللوحة الماثلة للعيان تؤكد بأن “صلاح قوش” لم يكن شخصاً عادياً على نمط الكثيرين، فهو مختلف إلى حد ظاهر في تصرفاته ومزاجه، فهنالك طموحاته الزائدة وعلاقاته الواسعة وعشقه الدائم للتغيير والاستنباط والتحديق البعيد وإحساسه الداخلي بالمكانة الرفيعة، لذلك كان من الطبيعي أن تسوقه تلك الصفات والمزايا إلى الاصطدام والخلاف والقطيعة في بحر السلطة المتلاطم الأمواج.
لا يمكن لأي عاقل أن يتغاضى عن المنهج المنتظر للفريق أول “قوش” في معالجة مخلفات الاعتقال والغبائن، وهو يستعد لأداء العمل السياسي في المستقبل من زاوية النيابة في البرلمان والمزاولة الحزبية، فالشاهد أن عذابات الرجل الكبير يمكن أن تتجاوز مرحلة الإحباط والقنوط بالصلابة في الوجدان والقوة المعنوية أكثر من الرهان على دوران الأيام!
من هذا المنطلق، فإن حقائق الأشياء تؤكد بأن التحدي التاريخي أمام “صلاح قوش” في مرحلة الانخراط الجديد على العمل السياسي بعد العاصفة العاتية تتأطر في الإجابة عن هذا السؤال المركزي.. كيف يعبر الرجل صراط المرارات؟!
لا محالة أن “صلاح قوش” يدرك بأن القطيعة السرمدية في القاموس السياسي من علامات العصر الحجري، وأن التطاحن الغليظ بين أبناء البيت الواحد مهما بلغت درجاته البركانية يمكن أن يذوب مثل الثلوج عندما توضع على وهج الشمس.
كانت إشارات “صلاح قوش” فور إطلاق سراحه تحمل وداً ملفوفاً على رسالة عميقة لها ما بعدها!! كان مباشراً في الثناء على الحكومة وقابضاً على حقه في البراءة لعدم كفاية الأدلة.
قد يمارس “صلاح قوش” دوره السياسي من منطلق الإصلاح الذي صار سمة بارزة في باحة المؤتمر الوطني، وأمامه أرتال من الأصدقاء والحلفاء على شاكلة (السائحون) وأهالي منطقته، وقد لا يفوت عليه ارتداء الثوب القومي. وربما تبقى قدرته على استرداد نجوميته تمثل بيت القصيد في مخيلته، فالأمر يحتاج إلى رافعة من ثقل المرارات توجد في حكم الغيب.