تحقيقات

تجار استطلعتهم (المجهر): ارتفاع تدريجي في الأسعار قبل رمضان بأيام

زيادات غير مبررة حدثت قبل رمضان، قطع خبراء اقتصاديون بأنها مفتعلة وغير حقيقية، وأرجعها البعض إلى تزايد الجشع لدى التجار، وصنفها خبراء بأنها احتكار مزدوج لصالح المتنفذين من كبار الممولين والمخزنين والموزعين.. وبينما تستعد الأسر هذه الأيام لاستقبال شهر رمضان المعظم والمبارك، إذ لا تفصلنا عنه سوى أيام وساعات (جعله الله شهر خير وبركة ومغفرة)، أصابت سوق السلع فوضى عارمة، وامتلأ التجار جشعاً وطفق السماسرة يسرحون ويمرحون بغير وجه حق.
وكعادة العديد من الأسر يبدأ استقبال رمضان بالحرص على استكمال التجهيزات والإعداد الجيد  بتوفير مستلزماته المختلفة، التي تأتي في مقدمتها السلع الأساسية والغذائية اللازمة، وتسعى جاهدة إلى توفير وتجهيز العديد من السلع التموينية والغذائية، حيث يختلف شكل المائدة الرمضانية عادة باحتوائها على مواد إضافية وأساسية مثل العصيدة التي تشكل الطبق الرئيس، والبلح والفواكه وأنواع مميزة من العصائر مثل (الحلومر) و(الآبري الأبيض) و(الرقاق) الذي يتم تحضيره عادة قبل رمضان.
{ جنون في الأسعار
مباراة أخرى شهدها سوق السلع الغذائية هذه الأيام، فالإقبال الشديد على شراء السلع الغذائية الأساسية أثار جشع بعض التجار الذين سعوا للعمل بجهد من أجل التكسب السريع واستغلال حاجة المواطن للمواد الغذائية، فتأرجح وارتفاع الأسعار باتا يشكلان السمة الأساسية لوصف السوق الآن، هذا بالإضافة إلى غياب الرقابة واحتكار بعض السلع من قبل التجار الذي يعدّ من أهم أسباب الفوضى التي تعم الأسواق.
التجار الذين استطلعتهم (المجهر) خلال جولة لها بالأسواق المحلية داخل ولاية الخرطوم، بما فيها بعض المحال التجارية بسوق بحري، من بينها بقالات قال أصحابها إن أسعار المواد الغذائية خصوصاً سلع رمضان الأساسية مثل العصائر والسكر والبلح والحمص والعدس، بدأت فعلياً في الارتفاع التدريجي قبل دخول شهر رمضان، حيث قفز سعر جوال السكر زنة العشرة كيلو من (48) إلى (54) جنيه ليصل الآن إلى (65) جنيه، والبلح الجاف الكرتونة (10) كيلو وصل سعرها من (50) إلى (60) جنيهاً وتراوح سعر جوال الفول المصري بالسوق الآن بين (550) إلى (650) جنيهاً، ومن المتوقع أن تسجل أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء ارتفاعاً خلال الأيام القادمة.
{ حالة تشخيص
   الدكتور “عادل عبد العزيز” رئيس قطاع الاقتصاد بوزارة المالية والاقتصاد الوطني أشار إلى أن وزارة المالية عملت على وضع تدابير واستعدادت مبكرة حرصاً على توفر السلع الغذائية بصورة مطمئنة، واستقرار الأسعار بالأسواق، موضحاً أن وزارته عملت بالتنسيق مع بنك العمال على إعداد وتجهيز كرتونة رمضان للأسر بلغ عددها  الآن (100) ألف كرتونة تحوي سلعاً غذائية متنوعة من بينها السكر والزيت واللبن والعدس تبلغ في مجملها (650) جنيهاً تقدم لصالح دعم الأسر في رمضان ويتم استقطاعها شهرياً بواسطة أقساط متفاوتة، وقال إن الهدف الأساسي من توفير هذه السلع دعم الأسر لمقابلة احتياجات رمضان ومنع الاحتكار من قبل بعض التجار عن طريق توفير السلع الغذائية، ومراقبة الأسواق، بالإضافة إلى أن وزارة المالية استكملت الآن إصدار الكتيب الذي يحتوي على دليل الأسعار للمواد الغذائية الأساسية كافة، ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل تسد (100) ألف كرتونة  احتياجات الأسر من المواد الغذائية؟
البروفيسور “ميرغني بن عوف” الخبير الاقتصادي والأمين العام لمنظمة التنمية الاقتصادية تحدث في ورقة نقاشية وبنائية قدمها للجمعية السودانية لحماية المستهلك عن ظاهرة ارتفاع الأسعار في رمضان كنموذج، استهلها بملخص تاريخي لظاهرة ارتفاع الأسعار، موضحاً أن العام 1992م شهد ظهور سياسات تحرير الأسعار تحت مظلة خاطئة، وتم تحديد الأسعار بواسطة تجار السلع ومستورديها وأنتج ذلك ما يعرف بفوضى الأسعار ومن ثم انهيارها.. أما فكرة المخزون الإستراتيجي للسلع فقد ظهرت فكرته من أجل العمل على استقرار الأسعار إلا أنه ظل اسماً بلا معنى، وقال إننا الآن نعيش مرحلة الاحتكار المزدوج لصالح المتنفذين من كبار الممولين والمخزنين والموزعين، الأمر الذي أدى إلى ظهور حقائق بارزة وثابتة وذات علاقة بارتفاع الأسعار لخصها البروفسيور “ميرغني بن عوف” في عدد من النقاط والحقائق، فعلى مدى تجاوز الخمسين عاماً لم يرتفع سعر سلعة غذائية محددة لينخفض إلا في السلع الغذائية سريعة التلف وغير المصنعة، ولم يحتكم السوق السوداني إلى قواعد العرض والطلب وإدارتها بعد ثورة أكتوبر، وأشار إلى أن هنالك غياباً تاماً للسياسات السعرية حتى في المؤسسات التعليمية والبحثية، إلى جانب الانخفاض التام لقيمة العملة الوطنية وتذبذب سعر الصرف للعملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني في ظروف الوفرة والندرة على السواء، إضافة إلى إدارة الاقتصاد بالقرارات المكتبية غير الواقعية من بنك السودان ووزارة المالية. وفي التجارة بشكل عام في السودان هنالك متضرران وحيدان لا ثالث لهما، هما المنتج عند المنشأ والمستهلك الأخير، كما أن ضعف أو غياب خدمات التوزيع المتوازن قلب النظرية الاقتصادية السليمة بحيث إن الغني يستمتع بأفضل الأسعار وأجود السلع، في حين أن الفقير يعاني من أعلى الأسعار وقلة الجودة (قدر ظروفك).
وفي ذات الاتجاه، أكد البروفيسور “ميرغني بن عوف” في حديثه حول تحليل واقع ارتفاع أسعار السلع الغذائية، أن الطلب المرتفع على الحبوب كان نتيجة للاستهلاك ولرغبة التجار في تأمين مخزوناتهم وتهريب الذرة إلى الدول المجاورة، وأشار إلى أن ارتفاع سعر الجملة في ولايات الغرب كان سببه الأحوال الأمنية وارتفاع تكلفة الترحيل، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر القمح المحلي بحوالي (70%) في كل مدن السودان لتعويض النقص في كميات القمح المستورد نتيجة للتضخم المرتفع وخفض قيمة العملة المحلية، واستمرت نتيجة التضخم في الارتفاع لتصل إلى (47%) على مستوى السودان، في حين أن التصريحات الإعلامية الرسمية تتحدث عن نسبة تضخم ما بين الـ(18) إلى (23%). كما أن أسعار اللحوم من الضأن الحي ارتفعت في كل الأسواق بشكل مخيف، ونحتاج إلى دراسات مفصلة عن الاستقرار الأمني.
{ أسئلة مشروعة
ما هي الجهود الحقيقية التي بذلتها الوزارة لمواجهة الارتفاع غير المبرر للسلع الغذائية؟ وما هي الآليات المستخدمة لمحاربة هذا الارتفاع؟ وهل من حلول؟ فما زال الغياب غير المبرر للرقابة، بجانب جشع وضعف ثقافة التجار الذين هم إحدى ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وانسحاب المستهلك من لعب دوره للضغط  على الجهات المسؤولة من أهم أسباب فوضى سوق السلع الغذائية في السودان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية