مصر وإثيوبيا الدبلوماسية تطرد شبح الحرب
“إن بناء سد النهضة الإثيوبي لن يتوقف أبداً بالرغم من قيام السلطات المصرية والسياسيين بنشر معلومات سلبية حوله”، بهذه اللهجة الحادة خاطب وزير الخارجية الإثيوبي “تدرس أدهانوم” جمعاً من الإثيوبيين الذين يعملون في الخارج في لقاء جمعه بهم مؤخراً بأديس أبابا.
ومنذ عقود خلت ومصر وإثيوبيا في صراع دائم على حقوق مياه النيل. وقد سبق وأن أعلن الرئيس المصري المخلوع “حسني مبارك” أن “أي تقييد لتدفق مياه النيل من قبل إثيوبيا “سيضطر بلادنا للمواجهة من أجل الدفاع عن حقوقنا وحياتنا”. وكذلك خلفه “محمد مرسي” الذي قال: “نحن لا نريد الحرب، ولكننا نبقي جميع الخيارات مفتوحة”.
ويبدو أن مصر تتجه للحل السياسي والدبلوماسي، وهذا ما يؤكده تحرك رأس الدبلوماسية المصرية وزير الخارجية “محمد كامل عمر”، الذي طار إلى إثيوبيا باحثاً عن مخرج لأزمة يراها المصريون أنها مسألة نكون أو لا نكون.
وعاد الوزير المصري من بلاد الأحباش ليقول للمصريين” إن الموقف قد شهد انفراجاً، حيث اتفقت مصر وإثيوبيا والسودان على البدء فوراً في مشاورات، حول كيفية المضي قدماً في تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، بما في ذلك الدراسات التي تم التوصية بإعدادها.
ويبدو أن التعنت الإثيوبي وعدم التنازل أو الخشية من التهديدات المصرية كما كان في السابق يعزى إلى ما تراه إثيوبيا من ما يجري في مصر من اضطراباً سياسياً وأزمات اقتصادية طاحنة، وهو السبب الذي جعل الحكومة المصرية نفسها تلجأ إلى الدبلوماسية وتستبعد الحرب، كما يرى المراقبون.
ونجد أن رد “ميليس زيناوى” رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، على الموقف المصري كان مقتضباً، بينما رد خليفته “هايلي ماريام ديسالين” على قول الرئيس الحالي “محمد مرسي”: “إن جميع الخيارات مطروحة”، جاء واضحاً حيث قال: “لا شىء ولا شخص يمكن أن يمنعنا من بناء السد”.
و يذهب رئيس شعبة الإعلام والصحافة بجامعة “أديس أبابا” د.”ابديسا زراي” في مقابلة مع وكالة الأنباء الأثيوبية ليؤكد هذا الاتجاه قائلاً: ” إن مصر تعاني من الاضطراب السياسي والأزمة الاقتصادية، وأنه في خلال العام الماضي كان هناك انقطاعات متكررة للكهرباء، كما أن هناك نقصاً في الوقود”، وأضاف “زراي”: ” كما توجد في مصر اعتصامات وحشود للمطالبة بإسقاط مرسي”.
الخيار العسكري
ويرى المراقبون أن الخيار العسكري هو خيار غير مُجدٍ، ولديه تداعيات سياسية واقتصادية كبيرة على مصر، فهناك عنصر المسافة وهو يشكل عقبة كبيرة أمام مصر، فإثيوبيا بعيدة جداً عن مصر، كما أن مصر ليست لديها قدرة على إعادة التزود بالوقود في الجو، كما يقول المختصون العسكريون.
وليس أمام مصر في هذه الحالة إلا الاستعانة بالمجال الجوي السوداني وهذا أمر مستبعد نسبة للموقف المعلن من السودان، الذي يرى أن لسد النهضة فوائد للسودان ولا يحمل أي ضرر عليها.
وجاء الرد الإثيوبي على التهديدات المصرية بالتهوين من مضار السد على مصر تارة، وبالتهديد المضاد تارة أخرى فقد أوردت صحيفة (ذا ريبورت) الإثيوبية الرسمية الناطقة بالإنجليزية في إحدى مقالاتها الافتتاحية رداً على موقف السياسيين المصريين تجاه قضية بناء سد النهضة في إثيوبيا، وتصريحاتهم العدائية التي طالبت بتدمير السد أو شن الحرب على إثيوبيا قائلة: “لا تعبثوا مع إثيوبيا؛ فهي دولة لم تخضع أبداً إلى أحد وتاريخها المجيد خير دليل على ذلك”.
وأضافت الصحيفة “إن أثيوبيا ومصر لا تستطيعان تحمل كلفة الحرب، وأن على كلا الحكومتين والشعبين أن يعملا معاً لتحقيق التعاون والوحدة والتكامل بين البلدين، ولكنها أكدت أن أي أحد يهدد أو يتعاون مع من يهدد بمنع إثيوبيا من حقها في استغلال مياه نهر النيل يجب أن يدرك الرسالة التالية: “لا تعبثوا مع إثيوبيا”.
إثيوبيا السد الحلم
ويبدو أن إثيوبيا تعتبر سد النهضة صمام الأمان من الفقر وضعف الإمدادات الكهربائي، فهو يوفر لإثيوبيا كل احتياجاتها من الطاقة، فضلاً عن تحقيق ربح نتيجة لبيع التيار الكهربائي.
وأضاف د. “زراي” المحاضر بجامعة أديس أبابا أن موقف إثيوبيا حول التوزيع العادل والاستغلال المتكافيء لنهر النيل هو موقف صائب، وأنه من حق أي مواطن أو حكومة على نهر النيل الاستفادة منه بالصورة المطلوبة.
ودعا السفير الأمريكي السابق لدى إثيوبيا “ديفيد شين” مصر إلى أهمية التخلي عن معارضتها لإقامة سد النهضة الإثيوبي على نهر النيل، وإلا فإنها قد تواجه صعوبات في تأمين إمدادات كافية لها من النهر.
وقال «شين»، في مقابلة أجريت معه مؤخراً، إن “مشروع السد يمثل تغييراً في قواعد اللعبة، لأن مصر طالما قامت بمنع التمويل الأجنبي لأي مشاريع كبرى في دول المنبع، وأفضل طريقة لتأمين القاهرة احتياجاتها المائية هي التعاون في المشروع الذي سيضفي الطابع الصناعي على اقتصاديات دول شرق أفريقيا”.
و يبدو أن مصر قرأت مسرح الأحداث جيداً ورأت بلجوئها للحوار أن قوة المنطق خير من منطق القوة.