تقارير

(سيكافا) تنثر الفرح بكادقلي وتردّ على (الكاتيوشا) بأهازيج السلام!!

{ عندما تصبح كرة القدم، ملهمة الجماهير المتعة والترويح عن النفس، أداة سياسية توظف لأهداف غير الأهداف التي تلج الشباك وتحسب نقاطاً، فإن كرة القدم تصبح حينها بطعم مختلف ومذاق آخر.
ومما سكت عنه بعض القيادات وآثرو اعتباره رسالة خاصة، ذلك الخطاب الذي بعث به الكاميروني “عيسى حياتو”، رئيس الاتحاد الأفريقي، لمسؤولين في الحكومة السودانية، من بينهم والي جنوب كردفان، إثر انسحاب بعض الأندية الشرق وسط أفريقية، من بطولة سيكافا، مذعنين لتهديدات متمردي الجبهة الثورية المعارضة للحكومة السودانية، وكان الانسحاب من مجموعة كادقلي تحديداً حتى أصبحت الفرق ثلاثة، تضم إلى جانب صاحب الدار “نمور دار جعل” و”فريق الضرائب” اليوغندي.. قال “حياتو” في خطابه إن كرة القدم لعبة شعبية، ولكنها ليست بعيدة عن واقع الشعب الأفريقي، ولا ينبغي للرياضة أن تخضع لابتزاز الجماعات المتمردة على حكوماتها. ويضيف “حياتو”: (حينما هجم بعض المتمردين على منتخب “توجو” قبل سنوات وكان في طريقهم إلى الجابون وغينيا، ومات جراء الهجوم أحد اللاعبين وإداري، رفضنا كاتحاد مسؤول عن اللعبة في القارة انسحاب “توجو” أو إلغاء الدورة، حتى لا نذعن لجماعات تحمل السلاح وتهدد السلم. ووجود حركة متمردة في بلادكم السودان ليس سبباً يؤدي لإلغاء البطولة أو انسحاب الفرق).
وتبسم بعض المسؤولين في الدولة حينما بلغهم خطاب “حياتو”، الذي حفز أكثر على إقامة الدورة في دارفور وجنوب كردفان. وقد بعثت الجبهة الثورية برسائل صاروخية متعددة قبل بدء الدورة، وحتى قبل انطلاقة صافرة مباراة الأمس ببضع دقائق، وفي كادقلي كان الإصرار على إقامة بطولة سيكافا قد تجاوز القطاع الرياضي المحدود إلى القطاع الاجتماعي العريض.. النسوة حملن أطفالهن نحو ملعب كرة القدم المهدد بالقصف في أي لحظة، وارتفعت الزغاريد ونثر الفرح على أنغام (الكرنق) و(البخسة) و(المردوم) و(النقارة).. وكل ثقافات النوبة والبقارة كانت حاضرة في مهرجان عرس الافتتاح الذي أحالته روعة التنظيم إلى معرض للتراث الفني والثقافي.. وتبدى الفرح في الطرقات.. وحتى الإدارة الأهلية وقادتها ورموزها خرجوا بالأمس إلى ملعب كرة القدم، وإن كانت هذه الرياضة في غير اهتماماتهم.. ولكن حينما يصبح التحدي كبيراً يأتي الأمير “سند الشين الوالي”، أحد أبرز قيادات الإدارة الأهلية، إلى دار الرياضة.. ويتكئ الفارس “تاور المامون” على صهوة جواده قرب الملعب.. والكل يأخذ مكانه تحدياً لمن أعلن أن الدورة لن تقوم.. واتحاد كرة القدم السوداني الذي يقوده الدكتور “معتصم جعفر” والمحامي “مجدي شمس الدين”.. ما كان بعيداً.. بل شكل حضوراً أنيقاً وإصراراً على كتابة تاريخ لكرة القدم كجزء من المجتمع، باعتبارها رسالة ذات مضمامين تتجاوز أطر اللعبة وقوانينها..
ومن فاشر السلطان كان الوجود كثيفاً لقيادات شمال دارفور، ممثلين في السلطان “عثمان يوسف كبر” وأعضاء حكومته، وقد تحدث “كبر” لـ (المجهر) قائلاً: (لن تفزعنا أو ترعبنا صواريخ الكاتيوشا التي أطلقها المتمردون على قلب مدينة كادقلي، ولكننا نتساءل: حينما صعد مريخ الفاشر إلى الدوري الممتاز بعث الدكتور “جبريل إبراهيم” قائد حركة العدل والمساواة رسالة تهنئة لمريخ الفاشر.. فأين “جبريل” الآن والتحالف الذي يضم حركته هو من يخسر المجتمع حينما يهدد بضرب المدنيين في ملاعب الرياضة؟!
{ وتثاقلت خطى قيادات مركزية بعدد الحصى.. لها في الحديث عن الوطنية والتضحية أقوال، ولكن تنقصها أفعال.. وإلا فأين كانوا بالأمس وكادقلي يتوافد عليها الإعلام الرياضي والسياسي وأهل الفن والرياضة؟!
يختفي سياسيون أو يؤثرون الخرطوم، حيث لا صواريخ تصوب على الأحياء ولا تهديد للأرواح.. ولكنهم عن الحرب يتحدثون القصص الجميلة، وحينما تقع الحرب تراهم عنها بعيدين. وقد مثل الخرطوم بالأمس الفريق “آدم حامد موسى” رئيس مجلس الولايات و”صديق محمد توم” وزير الشباب والرياضة، فأين الذين يجوبون مدن العالم باسم السودان ويتحدثون عن الوطنية والحرب والسلام والحزب والحكومة والحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني؟!
{ وطغى اعتبار وزراء الدولة “علي محمد موسى” و”يحي حماد” و”الطيب حسن بدوي”، كأبناء لجنوب كردفان، أكثر من كونهم ممثلين للمركز الذي غابت نجومه في يوم عرس كادقلي وتحديها للحركة المتمردة.
{ وسجل اليوغنديون هدفاً في مرمى الهلال المضيف، ولكنهم سجلوا من قبل ذلك موقفاً لصالح العلاقات السودانية اليوغندية حينما تمسكوا بالبقاء في كادقلي ولم ترعبهم رسائل (الكاتيوشا)، فكسبوا لبلادهم التي بينها وبين الخرطوم (عطر منشم) من خلاف دام طويلاً.. فهل يذيب فريق الضرائب اليوغندي جليداً تراكم وسد الدروب بين الخرطوم وكمبالا؟!
{ سكرتير اتحاد سيكافا المستر “مايسوكا” قال لـ (المجهر): إن كرة القدم في أفريقيا أصبحت رسالة للسلام والتواصل بين الشعوب، ونحن شعب أفريقي يحب كرة القدم. وتساءل: (لماذا يسعى السياسيون لإفساد بهجة شعبنا)؟!
{ ونتساءل نحن بدورنا: هل كانت إقامة بطولة سيكافا في كادقلي ترفاً سياسياً أو انصرافاً عن واقع الحرب التي يعيشها الإقليم؟! والإجابة بالطبع أن الرياضة رسالة وقيمة اجتماعية، وإذا فرضت جماعات متمردة أجندتها وأصبحت هي من يحدد هل تلعب مباريات كرة القدم أم لا، وهل يغني المغني بأمر من يقبض على الزناد ويتحدث بلغة الرصاص.. فإن صاحب الغلبة يصبح هو السيد في بلد أخذت سلطات السادة في التلاشي فيه.
{ والهواجس التي يعبر عنها بعض ممن قدموا للخرطوم يقابلها الناس في كادقلي بأشكال متعددة.. فبائعات الشاي يواصل عملهن، والأطفال يتجولون في الشوارع.. والابتسامة لا تفارق شفاه الجميع حينما يسمعون واحداً من الزملاء يبدي قلقه من عمليات القصف التي تصدر أصواتاً مدوية.. سواء التي يقوم بها قطاع الشمال.. أو رد نيران القوات المسلحة عليهم.. وأصبح المدنيون أكثر خبرة في معرفة أنواع الاسلحة المستخدمة في المعارك بمجرد سماع أصواتها.
{ وقد ناقش صحفيون والي جنوب كردفان “أحمد هارون” – قبل بداية منافسات بطولة سيكافا لكرة القدم أمس – حول تلك المخاوف، وكان “هارون”  صريحاً معهم حينما قال: إننا نخطط، والعدو كذلك يخطط، ونتوقع كل شيء إلا أن يتحكم العدو في حياة الناس وقراراتهم في العيش. وبذلك يكون “هارون” قد فتح الباب واسعاً أمام تجدد عمليات القصف على كادقلي، سيما حينما قال إن التحدي الامني كبير وأن الظروف التي تعقد فيها البطولة ليست بالسهلة.
{ “هارون”.. خطاب التحدي
المواطنون تدافعوا باكراً لاستاد كادقلي الجديد، واصطفوا في المدرجات انتظاراً لبداية مباراة هلال كادقلي – أو كما يحلو لأهل المدينة أن يسموه (أسود الجبال) – ومنافسه فريق الضرائب اليوغندي. وقبل بداية المهرجان وعند منتصف النهار دوت أصوات انفجارات قيل إنها قذائف موجهة إلى ثلاث مناطق داخل المدينة، هي مقر أمانة حكومة ولاية جنوب كردفان والإستاد الذي مقرر أن تقام عليه المباريات ومطار المدينة. ويقول المواطنون إن الهدف من استهداف تلك المواقع هو إفشال بطولة سيكافا.. غير أن والي جنوب كردفان مولانا “احمد هارون” قال إن ولايته تعرضت لرسالة سياسة غاية في السلبية من الحركة الشعبية خلال فترة وجودها بين الناس بعد اتفاقية السلام (نيفاشا). وأكد أن تلك الرسالة ترتكز على التهميش والظلم.. وهو الأمر الذي عده “هارون” سلبياً ويفتقد لرؤية تقدم الحلول، بجانب كونه يحاول أن يخلق حالة انكسار وانهزام في نفوس المواطنين. وذهب “هارون” إلى الخلط بين السياسة والرياضة حينما قال: في العام 2007 إبان عقد مؤتمر القمة الأفريقي في الخرطوم وما صاحبه من ملابسات وتدخلات إدت إلى حرمان السودان من رئاسة تلك الدورة.. كان ذلك متزامناً مع انعقاد الاجتماع السنوي للاتحاد الأفريقي لكرة القدم في الخرطوم، وتذكرون الكلمة القوية التي عبر بها السيد “عيسى حياتو” لرئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” عندما اختارته الجمعية العمومية للاتحاد الأفريقي لكرة القدم راعياً فخرياً لكرة القدم الافريقية. وأضاف “هارون”: “حياتو” قال مخاطباً رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير”: (السيد الرئيس.. إذا خذلتك أفريقيا السياسية لمواقف هي تعبير عن إرادة قوى أخرى غير أفريقية.. فإن الرياضيين الأفارقة يحفظون لكم هذا الجميل ويحفظون للسودان هذا الجميل، وهو من الدول المؤسسة، ويردون للسودان حقه كروياً باعتباره الرائد في الكرة الأفريقية). وأكد “هارون” أن حديث “حياتو” كان رسالة قوية جداً، سيما وأن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم واتحادته الإقليمية طرحوا مفهوماً مستنبطاً من أن القارة الافريقية تعاني من نزاعات وحروب لأسباب شتى، لذلك تكون الكرة الأفريقية بمثابة الدواء لتلك الجراحات الأفريقية.
وقال “هارون”: إن التمرد يمكن أن يحتل موقعاً ويلحق خسائر بأفراد، لكننا لن نسمح له بكسر إرادة وتماسك وعزيمة المواطن. وطالب “هارون” المواطنين بالمدافعة والمجاهدة لدرء التحديات الأمنية والعمل من أجل التنمية وخدمات الناس وزراعتهم وتجارتهم وثقافتهم ورياضهتم.
{ رسائل الطائرات
ولم يصدر المواطنون داخل الإستاد تصفيقاً أعلى من تشجيع هلال كادقلي في مباراته.. إلا حينما عبرت طائرات (الميج) و(الهل) سماوات المطار، وتوجهت صوب الجبال، وطافت سماء المدينة في عرض عسكري كبير صمتت بعده أصوات الصواريخ.. وأكملت المدينة بهجتها مع الأغاني الشعبية وفنون كرة القدم.. رغم خسارة هلالها بهدف وحيد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية