حوارات

مدير إدارة مصر بوزارة الخارجية "عصام عوض" لـ(المجهر)

ظلت العلاقة بين مصر والسودان على مر التاريخ تتأرجح في مختلف العهود والأنظمة، وتمر أحياناً بالعديد من المطبات والتوترات والخلافات المتكررة.. فيما تجتهد محاولات للتلطيف مستخدمة أوصافاً وروابط من شاكلة (الأزلية) و(البلدين الشقيقين) و(أواصر المحبة) وغيرها..
ومؤخراً طفحت بوادر خلاف بين البلدين إثر إعلان إثيوبيا عزمها بناء سد النهضة على النيل الأزرق.. وأثار وصف السياسي المصري “أيمن نور” لموقف السودان الكثير من اللغط.. قبل أن يبادر الجانب المصري للاعتذار واعتباره رأياً فردياً.
(المجهر) جلست إلى مدير إدارة مصر بوزارة الخارجية، السفير “عصام عوض”، لتقلّب معه كل الملفات الساخنة في ما يتعلق بالعلاقة مع مصر.. وبوضوح كبير أجاب السفير عن كل التساؤلات، ولم يترك شاردة ولا واردة إلا وتطرق لها، ليكشف لنا عن شخصية ملمة بأدق تفاصيل الشأن المصري، وهو يمسك بخيوط كل القضايا وينسجها بدراية ومعرفة وخبرة كبيرة في القانون الدولي..
 

{ تسببت أصوات إعلامية مصرية في (توتير) الأجواء بين القاهرة والخرطوم.. إلى أي مدى يؤثر ذلك على شكل العلاقة بين البلدين؟
– العلاقة بين مصر والسودان حدث فيها تقارب كبير على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي، وما تتناوله صحف ووسائل إعلام مصرية ليس هو (تيرمومتر) العلاقة بين السودان ومصر، التي يميزها توافق كبير جداً على مستوى القيادات في  البلدين. وأنا في رأيي أن ما تناولته الصحف مؤخراً يعبّر عن جانب شخصي وليس خط الدولة الرسمي الذي يسوده تنسيق وتفاهم إيجابي لمصلحة البلدين.
{ ولكن هناك من يرى أنه تمت الإساءة للسودان داخل اجتماع ضم قوى المعارضة وبحضور الرئيس “مرسي” نفسه؟
– ذلك كان موقفاً فردياً لفرد في حزب، وحسب نائبة رئيس ذلك الحزب فقد قدم الحزب اعتذاراً مكتوباً للسفير السوداني بالقاهرة وفصل العضو الذي أساء للسودان من الحزب، ووزير الخارجية المصؤي أيضاً قدم اعتذاراً، والرئيس “محمد مرسي” شخصياً تقدم باعتذارٍ للسودان عقب نهاية ذلك اللقاء. وما حدث هو سلوك معزول لشخص لديه مواقف ضد السودان تحسب في أي اتجاه غير اتجاه العلاقات الإيجابية بين السودان ومصر.
{ هل اعتذر الرئيس “مرسي”؟
– أنا مسؤول والآن أعلن ذلك، وتم تبيلغ سفارتنا في القاهرة بالاعتذار الرسمي للحكومة المصرية والرئيس “مرسي”، وأن الحكومة المصرية تعتذر عن ما ورد من إساءه داخل الاجتماع .
{ هناك غموض أحاط بزيارة رئيس المخابرات المصري إلى الخرطوم مؤخراً.. هل تمت الزيارة بالفعل؟ وهل الغرض منها تنسيق المواقف بخصوص سد النهضة الأثيوبي؟
– هي زيارة مرتبة ومعلنة، تمت الدعوة لها من قِبل الجانب المصري. وتأتي الزيارة في إطار العلاقات والتنيسق المشترك بين رئيس المخابرات المصري ونظيره السوداني في عدد من الملفات المختلفة. وسيصل رئيس المخابرات المصري خلال الأيام المقبلة بعد أن تم تأجيل زيارته لظروف خاصة به إلى وقت لاحق. وليس للزيارة علاقة بما أثير من جدل في قضية مياه النيل، ونحن لا نرى وجود أزمة في هذه القضية، فهناك اللجنة العشرية التي تضم خبراء اتفقوا على كل النقاط المتعقلة بالسد والمحاذير والأضرار التي يمكن أن تصيب الدول وتم التطرق إلى كيفية معالجتها.
{ الجانب المصري يتحدث عن أنهم تفاجأوا بقرار دولة أثيوبيا؟
– ليس هناك مفاجأة، فمصر تشارك في لجنة العشرة بعضوين، وكذلك السودان وأثيوبيا بالإضافة إلى أربعة خبراء. في رأيي أن عدم تمليك المعلومة للإعلام في وقته أثار الضجة الإعلامية الحالية، ولا أعتقد أن هناك عنصر مفاجأة في وجود ممثلين لمصر مفوضين من قِبل الحكومة المصرية. نحن حريصون مع كل الأطراف على تخفيف الضرر الذي يمكن أن يتعرض له أي طرف  بقدر الإمكان. وعلى المستوى السياسي لا توجد أزمة بين البلدين وإنما هي أزمة إعلامية فقط.
{ ظل موقف السودان منذ العام م1919 في توافق مع الموقف المصري بخصوص ملف مياه النيل وتقسيم حصص المياه بين دول المنبع والمصب.. ما هو الموقف الرسمي للحكومة الآن؟
– نحن على وفاق مع كل دول حوض النيل وعلاقتنا مع مصر متميزة.. موقفنا الرسمي حتى الآن مع مصر متفق عليه وليس هناك خلاف حوله، ومنسقون في القضايا الدولية كافة بما فيها قضية مياه النيل، ومع كل دول حوض النيل، وهذا الاتفاق الأخير كان على وفاق بين الدول الثلاث.
وهناك علاقة إستراتيجية بين مصر والسودان، وهناك تفاهمات مشتركة في عدد من القضايا، والشعب السوداني واعٍ يستطيع أن يميز في أي اتجاه تسير العلاقة بين البلدين، والآن نحن نتحدث عن علاقة تنسيق شامل وهي علاقة ندية. الشعب السوداني لم يكن في يوم من الأيام تابعاً لمصر.. ونحن نعدّ مصر الشقيقة الكبرى ولكن باحترام متبادل. لدينا أشياء نرفضها ونقول (لا) ومصر تحترم رأينا، وإذا عدنا إلى ما قبل ثورة يناير نرى كيف كان موقف الحكومة المصرية العدائي من السودان، وكيف أن مصر كانت تسعى على الدوام إلى مواقفها الخارجية ضد السودان.
{ هناك إحساس لدى مصريين بأن السودان تخلى عن مصر على الأقل في ملف مياه النيل؟
– هذا ليس الرأي الرسمي للدولة. وفي تقديري أن العلاقة بين الدولتين تسير نحو الأفضل، وفي زيارة الرئيس “مرسي” الأخيرة كان الحديث عن وحدة وتكامل بين البلدين وليس عن تعاون فقط.
{ التعاون بين البلدين يراه البعض غير متكافئ.. كيف ترى الأمر؟
– إذا أخذنا مثلاً المنطقة الصناعية المقترح قيامها شمال الخرطوم، نجد أن هذا المشروع سيحيي المنطقة وسيتم استيعاب عدد من العمال المحليين، حتى بعد أن تنتهي فترة السماح للمصرين ستظل المصانع قائمة في السودان. في قضية الحريات الأربع، صحيح نحن دائماً سباقون للخير، ومصر لديها تحفظ أمني في البند الخاص بحق التنقل للفئة العمرية من (18 – 50) سنة، أما فيما يتعلق بحق التملك فالمصريون يطلبون أن يكون التملك هنا ملك حر أو ملك عين، لكن القانون في السودان لا يسمح بذلك، في قانون المنفعة لا تمنح الدولة حق التملك ولا يُسمح به. نحن قلنا لهم لديكم خياران: الأول المعاملة بالمثل عندما يريد مواطن سوداني شراء قطعة أرض في مصر، وهو الشيء الذي يحتاج إلى مراجعة في التشريعات والقوانين المصرية. الخيار الثاني أن يتم استثناء للمصرين في السودان، لكن حتى الآن لم تحسم.. ونحن في أكثر من مرة تحدثنا عن عقد اجتماعات لجنة الحريات الأربع، لكن الجانب المصري كان يرفض بحجة هذه التحفظات، وغالباً ترفع  إلى اجتماعات اللجنة العليا برئاسة الرئيسين، وحتى ذلك الحين تم حسم الأمر بأن تلزم الفئة العمرية (18 – 50) سنة بالحصول على تأشيرة دخول للأراضي المصرية.
{ ما زال (ملف السودان) في الحكومة المصرية في يد جهاز المخابرات؟
– في مصر هناك مساعد وزير الخارجية للشؤون السودانية، وهناك إدارة في وزارة التعاون الدولي مختصة بملف السودان. وصحيح أن (ملف السودان) معظمه يدار من المخابرات المصرية، لكن أعتقد أنه يسير الآن في اتجاه (التحلحل) من قبضة المخابرات، خاصة بعد ترفيع اللجنة المشتركة إلى مستوى الرئيسين. لكننا نقول إن التغيير لا يتم بين عشية وضحاها، كما أن مصر لديها كم من المشاكل الداخلية التي تحتاج إلى معالجة.
{ هل طلبت الحكومة السودانية من الجانب المصري نقل (ملف السودان) من جهاز المخابرات إلى وزارة الخارجية حتى يساهم في بناء الثقة بين البلدين؟
– نعم.. تم طرح ذلك ونقاشه في اجتماع النائب الأول أثناء زيارة رئيس الوزراء المصري “هشام قنديل”.. بالنسبة لنا فإن حق النقاش والتفاوض لمصلحة الشعب السوداني والسودان لن نقصر فيه أبداً،  نتحدث ونطالب وفي النهاية إما أن تعطيني أو ترفض، وحينها أعاملك بالمثل، فليس في الأمر صعوبة.. في العمل الدبلوماسي والسياسي كل الخيارات مفتوحة، لكننا نحدث عن بناء الثقة بين البلدين.
{ متى وأين سينعقد اجتماع اللجنة الوزارية العليا المشتركة بين البلدين؟
– سيكون في مصر في الأسبوع الأول من يوليو المقبل، وللمرة الأولى سيلتئم الاجتماع برئاسة الرئيسين “عمر البشير” و”محمد مرسي”، وتقدمت مصر بمقترح أن يكون يومي الثالث والرابع من يوليو، ووافق السودان لكن لم يتم تحديد تاريخ قاطع.
{ تم تأجيل افتتاح المعابر المشتركة بين البلدين أكثر من مرة.. متى سيتم الافتتاح الرسمي؟
– ستتم اليوم إجازة بروتوكول المعابر في المجلس الوطني، وبعدها سيتم الاتصال بالجانب المصري لتحديد تاريخ بدء التشغيل التجريبي الذي غالباً سيكون في الـ20 من الشهر الحالي بعد موافقة مصر، حيث سيتم تبادل وثائق إجازة البروتوكول، وبعد أسبوع من التشغيل التجريبي سيعلن عن الافتتاح الرسمي نهاية يونيو الحالي، ويشرفه النائب الأول للرئيس، ومن الجانب المصري رئيس الوزراء.
ما أؤكده الآن اكتمال عملية الإنشاء في المعبر الشرقي- اشكيت، حلفا، قسطل، والطريق من الخرطوم إلى الحدود عند (أشكيت) ويبلغ طوله (927) كم مكتمل. كذلك اكتملت الإنشاءات في الميناء و التجهيزاتكافة من مياه وكهرباء ومبانٍ. في الجانب المصري اكتمل الطريق حتى العبارة، وبعد العبارة اكتمل الطريق حتى أسوان ومنها حتى قسطل.
بالنسبة للطريق الثاني الغربي (دنقلا – أرقين) وهو بطول (362) كم، من جانبنا اكتمل الطريق حتى الحدود تبقى فقط تحديد موقع الميناءين، وفي الجانب المصري لم يكتمل الطريق وعلمنا أن الرئيس “مرسي” أصدر توجيهات بإكمال الطريق نهاية سبتمبر على أن يكون الافتتاح في 6 أكتوبر.
{ دائماً تؤجل الحكومة فتح ملف (حلايب) مع الجانب المصري.. إلى متى التأجيل؟
– الإرادة بين الدولتين قوية جداً ونحن ندرك المشاكل التي يواجهها النظام الحالي في مصر، لذلك ليس من الحكمة طرح مسائل معقدة، وقضية (حلايب) متروك حلها للقيادة في البلدين.
{ الرئيس “مرسي” تحدث أثناء زيارته للخرطوم ووعد بإعادة الوضع في (حلايب) إلى ما قبل العام 1995م ولم يحدث شيء بعدها؟
– التناول الإعلامي للقضية قد يكون مضراً.. وأنا أعتقد أن ما تناولته وسائل الإعلام في ملف (حلايب) أضر بموقف السودان، فلم يكن من المجدي أن يُعلن ما اتفق عليه وإنما يتم طرحه في الوقت المناسب، وأنا أؤكد أننا سنصل إلى اتفاق.
والقضية ليست وليدة اليوم ولا البارحة، وفيها تعقيدات، وسيادة الدول لا تدار في وسائل الإعلام. العلاقة بين البلدين تسمح بالجلوس والاستماع إلى وجهة نظر كل طرف ونرى شكل العلاقة كيف.. هل تكون منطقة تكامل أو تبادل؟ وهناك أكثر من صيغة يمكن الاتفاق عليها، لكن الإعلام يتعجل الأمور، والسياسة ليس فيها  (أمسك لي وأقطع ليك).
ونحن في البداية تحدثنا عن أن الحدود لن تشكل عائقاً بين البلدين وهو ما أكده الرئيس “مرسي”، بل مضينا إلى أكثر من ذلك بإقامة وحدة كاملة. وأنا أقول إنه ليس من المستحسن الآن الحديث حول ملف لم يجلس حتى الآن الطرفان لمناقشته بصورة جادة.
{ هل سيكون (ملف حلايب) ضمن أجندة اجتماع اللجان المشتركة مطلع يوليو التي يرأسها الرئيسان؟
– وارد أن يتم طرح الملف وليس هناك ما يمنع، وكل الأبواب مفتوحة، لكن الأمر متروك لتقديرات الرئيس “البشير”.
{ قضية مقتل الدكتورة “رحاب” وما لحق بها من إشانة للسمعة.. ما هو دور الخارجية في القضية وإلى أين وصل الملف الآن؟
– السفارة السودانية في القاهرة والقنصلية تتابع القضية منذ البداية، ومعروف أن المواطنة السودانية قام زوجها المصري باحتجازها لفترة من الزمن وهي طبيبة مقيمة في دولة الإمارات ولها سمعتها الطيبة، ونحن أجرينا اتصالات بجيرانها في الفجيرة وبالجالية السودانية هناك وأكدوا لنا أنها إنسانة على خلق ودين وعلاقاتها متميزة وليس مثلما أشيع عنها، نحن لن نسكت والأمر موجود في يد القضاء الآن، والمتهم محبوس والسفارة على اتصال مع أسرة المتوفاة، والقضية معقدة وهي واحدة من اهتمامات السفارة الأولى، ودائرة المغتربين في الخارجية أيضاً، ويتم تزويدنا بالمعلومات أولاً بأول. ولدينا محامون يتابعون كل الجلسات.. ومثلما ظُلمت عبر الإعلام ستُبرّأ أيضاً عبر الإعلام.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية