والحال ياهو نفس الحال!!
{ من علامات الساعة، الفتن، ما ظهر منها وما بطن.. وقد تحقق كثير من علاماتها، ونظرة إلى عالم الأخبار عبر وسائط الإعلام المختلفة تؤكد ذلك، حتى أصبح مألوفاً لدى المواطن تلقيه أخبار الفظائع من قتل وحروب طالت أرجاء كل العالم!! طيب، ما الحل؟! وهل صدقت مقولة الشاعر العظيم “المتنبئ” في قصيدته الشهيرة (ذم الزمان) وبيته الشهير فيها:
كلـما أنبت الزمـانُ قنـاة
ركب المرء في القناة سناناً!
إذ ما انفك الإنسان يطور آلة الحرب ويعلي من شأنها بمسمياتها المختلفة.. الأسلحة الكيماوية، والدمار الشامل، والبكتيرية، والذرية ونحو ذلك..
{ (زمان) كانت الحروب تنشب بسبب التوسع في المرعى والطعام، وتسخير الضعيف لخدمة القوي، والحربان العالميتان ما خرجت أسبابهما عن مثل تلك الأسباب، وخلّفت تلك الحروب ما خلّفت من دمار في المعمار والأنفس، حتى خرجت شعوب العالم عبر حكوماتها بآلية من المفترض أن تكون صمام الأمان، كي لا تعود الحروب التي تجلب الدمار.
{ والتاريخ يوضح لنا بما لا يدع مجالاً للشك، عدم جدوى هذه الآلية المسماة بالأمم المتحدة، لأنها تفتقر إلى وسيلة الردع التي توقف المتعدي عند حده، ودونكم القضية الفلسطينية وعدوها دولة إسرائيل، فحال هذه القضية لم ينصلح ولن ينصلح، طالما تجد إسرائيل الدعم من حليفتها أمريكا، أو بالأحرى الصهيونية الأمريكية التي تملك مقاليد الاقتصاد والمال عصب الحياة.
{ طيب، لماذا لا ينفض سامر الأمم المتحدة؟! ولماذا تتشبث الدول الأعضاء بوهم أن هنالك كياناً صنعته صماماً للأمان يجنب الإنسانية ويلات الحروب.. ولا تبحث عن تحالف قوي يقيم العدل ويردع المعتدي ويوقفه عند حده؟!
{ قبل يومين أصدر الأمين العام للأمم المتحدة قراراً بدفع أكثر من ألف جندي من قوات حفظ السلام إلى منطقة أبيي المتنازع عليها بين حكومة الشمال وحكومة الجنوب في السودان. يا سبحان الله، وهذه المنطقة هي من صنع نيفاشا التي هي اتفاقية قضت في بند من بنودها باحتمال فصل الجنوب عن الشمال!! إذن هو سيناريو أعدته الصهيونية لتمزيق السودان وتفتيته لدويلات وأشلاء وإدخاله في دوامة الحروب وإقعاده عن النهوض ومنعه من أن ينمو وطناً متطوراً في قلب القارة الأفريقية، يستأثر بمياهه وخيراته ويفيض خيره للإنسانية، وللأسف لم يستفد أهل السودان وناس الجنوب وناس الشمال من (الدرس) والمكيدة التي حاكها الاستعمار بعد أن غادر السودان.. مكيدة قفل الجنوب وعزله عن الشمال وعدم دعمه بأسباب التنمية، وزرع بذور التفرقة والوقيعة بين أبناء الوطن الواحد.. يرفعون السلاح في وجه بعضهم البعض للدرجة التي ذهب آلاف وآلاف البشر قتلى ضحية هذه الفتنة، وما زالت الحرب تدور رحاها بين أبناء الوطن الواحد، وتأخذ أشكالاً مختلفة للدرجة التي وصلت بإنسان السودان أن يتخذ من أبناء جنسه دروعاً بشرية، ويبعث الخوف في نفوس مواطنين بسطاء قانعين بشظف العيش في قراهم الآمنة المطمئنة، ليتحولوا إلى نازحين في أصقاع نائية من أرضهم، ينتظرون الإغاثة ممن تسببوا في الحرب التي يديرها أبناء الوطن ضد أهلهم بالوكالة، لتحقيق غايات التمزق!!
{ قالوا المشكلة في حكومة الخرطوم.. طيّب.. حكومة الخرطوم لم توصد باب الحوار مع معارضيها إلى حين استتباب الأمن وإجراء انتخابات تأتي بحكومة يختارها الشعب تدير أمور البلاد لتحقيق العدالة والتنمية ورفاهية أهل السودان.. قالوا: الانتخابات مضروبة سلفاً لأنها ستكون مزورة!! يا سبحان الله!! كيف يستقيم هذا المنطق؟! يا جماعة الخير.. انتبهوا، لم تعد هنالك أسرار مخبوءة في السياسة العالمية.. فها هي الأخبار تفيد بأن جسراً جوياً ناشطاً بين جوبا وتل أبيب ينقل العتاد للمعارضين للحكومة لإنفاذ مشروع الحرب.. لماذا؟! من أجل الإطاحة بحكومة الإنقاذ؟! لتأتي حكومة مدينة للصهيونية؟! طيب.. ما المقابل؟! بداهة هو خيرات هذا الوطن الماء والأرض وما بباطنها!! طيب.. ليه؟! لأن المياه ومصادر الطاقة والأرض البكر هي ثروات وطننا الحبيب الذي يتصدع يوماً بعد يوم.. والخاسر هو الوطن ومن تفتك بهم الحروب التي يشعل أوارها محور الشر الذي أصبح بلطجي العالم الأوحد!!
{ تعالوا يا أهل السودان إلى كلمة سواء، وهي أن نحب وطننا ونقدره.. وطننا الذي حباه الله بكل ما من شأنه أن يجعله في مصاف الدول المتقدمة.. يا جماعة منذ استقلال هذا الوطن لم يقعد أهله في (الواطة) ليرسموا خطة عمل مفادها تفجير طاقات إنسانه ليعمل لتنميته.. في 1956م منحونا الاستقلال لتأتي حكومة تحترب للوصول إلى كراسي الحكم، وأحزاب بذر فيها المستعمر بذور الشقاق والطائفية، وتتخاصم لتسلم السلطة للجيش عام 1958م، وتدور دوامة الخلاف، فتضيق الأحزاب بحكومة “عبود” وتضع لها العراقيل حتى لا تقوم بدورها في التنمية، فيتنحى “عبود” بعد أكتوبر 1964م لتأتي حكومة تتجاذبها الطائفية والحزبية.. كل ذلك يحدث وحركة التنمية رزق اليوم باليوم، ويبلغ الأمر في 1969م بانقلاب مايو الذي استمر في الحكم ستة عشر عاماً متخبطاً متوجساً وخائفاً، لأن الحاكم والمحكوم لم ينتبها إلى قيمة الوحدة الوطنية وقيمة الوطن والمواطن، ومن يتربص بالوطن ليقعده عن النهوض من كبوة التخلف. وتمضي حكومة مايو متخبطة تحاك حولها الدسائس من أهل الوطن أنفسهم لتقوم في 1985م الانتفاضة بحكومة انتقالية فطن القائمون على أمرها بأن لا فائدة في حكم أهل السودان، ليتنحى المشير “سوار الدهب”، وتأتي حكومة تعيد نفس سيناريو الشقاق والخلاف.. وأتت الإنقاذ التي مكثت أطول مدة في الحكم، يا ربي لأن المواطن زهج من أمر الأرجحة بين انقلابات عسكرية وحكومات وطنية وكلو بالخسارة؟! أم لأن أهل الإنقاذ شمروا حقاً عن سواعد الجد وبدت مظاهر التنمية للعيان؟!
{ أعتقد في فهمي المتواضع، وأنا لا أحب السياسة أو الساسة، أنا بتاع ثقافة وغنا وشعر، حاولت في أوبريت للأطفال بعنوان (الغول والمطر) يعني الشر والخير، أن ألخص علتنا نحن أهل السودان في مقطع على لسان أحد شخوص المسرحية:
بلدنا دي والله فيها الخير كتير
وما مستحيل.. نبنيها جنة
لو نحن وحّدنا الهدف..
لو نحن وحّدنا المصير..
لو ما بنعاكس نحن في الدرب الطويل
كان من زمان كيفن عرفنا
نكسيها في الأتواب حرير..
وبلدنا دي!! أولادها حقو يقدروها
وشوية حقو يحسوا بيها..
وشوية حقو يوقروها..
مسكينة شوف كيف أهملوها!!
وبلدنا دي اتأخرت
أولادها هم الأخروها!!
{ فيا أهلي.. خلونا نختلف ما مشكلة.. بس نقعد في الواطة متفقين على محبة هذا الوطن العظيم الذي حبانا به خالق عظيم لم يبخل علينا فيه بشيء، فقط ظللنا نجحد هذه النعمة ولم نستثمرها، بل ظللنا نحترب منذ أن نلنا استقلالنا حتى الآن، وأضعنا حتى ما تركه المستعمر من بنيات للتنمية.. ودونكم مشروع الجزيرة وكثير من مصانع ومشاريع أضحت خراباً، وحتى إذا وصل للحكم من يدير شأن البلاد، انقسمنا على أنفسنا وضقنا به، وبعضنا حزم حقيبته إلى بلاد الغربة يعمرها كافراً بالوطن وبأهله..
{ اللهم يا كريم يا منان وحّد كلمتنا، وأنر بصيرتنا وانصرنا على أعدائنا، إنك سميع مجيب الدعاء.