الجبهة الثورية
يسدي السياسيون في الحكومة وحزب (المؤتمر الوطني) خدمة مجانية للجبهة الثورية حينما (ينسبون) إليها أشياء ليست من صنعها ويلبسونها ثياباً غير ثيابها.. يقولون إنها دخلت (أم روابة) و(أبو كرشولا).. ويتحدثون عن قبض عناصر تتبع لهذه الجبهة داخل أم درمان.. تلك هي الدعاية الحكومية المجانية للجبهة الثورية!! التي تمثل تحالفاً خطيراً إذا وجدت الترويج الإعلامي في وسط المواطنين، فالتحالف الذي نشأ تحت كنف وعباءة المخابرات اليوغندية (يستنسخ) تجربة الحرب الأهلية الرواندية – و(توتسي في مواجهة هوتو) – ويهدف تنظيم الجبهة الثورية لتفكيك السودان لمكوناته الأولية، ويحور الصراع السياسي إلى صراع إثني (عرب مقابل زنوج) بإقصاء الدين الإسلامي من الصراع حتى يقتل النوباوي المسلم أخاه الحازمي المسلم!! ويستثمر تنظيم (الجبهة الثورية) في الواقع السياسي الداخلي ويعزف على أوتار حساسة (جلابة مقابل غرابة).. فكيف يمنح السياسيون مثل هذا التحالف شهادة ميلاد و(يفخمونه) دون وعٍ منهم.. ومن يقرأ تصريحات المسؤولين وبيانات الحكومة الرسمية (يكتشف) إقصاءً كاملاً للحركة الشعبية وقطاع الشمال من الوجود.. وهذا ما تبحث عنه (الحركة الشعبية) وقطاعها حتى ترمي ثيابها القديمة و(تقول) باسم (الجبهة الثورية) التي سنحت للحكومة فرصة تاريخية بتفكيكها بإرادة أممية إذا تم القبول بقرار مجلس الأمن (2046) وجرى التفاوض مع قطاع الشمال تحت سقفه وفق مرجعية (اتفاق المبادئ نافع عقار). وقيمة القرار (2046) الصادر من مجلس الأمن، أنه لا يعترف بـ(الجبهة الثورية) مطلقاً، ويجعل من (منبر الدوحة) والمبادرة القطرية المنفذ الوحيد لحركات دارفور للتفاوض مع الحكومة.
و(التفريق) بين مكونات (الجبهة الثورية) حصلت عليه الحكومة مجاناً ورفضته، واليوم ستبحث عنه، وأخشى عليها أن لا تجده بالثمن بعد أن أثبت قادة الحكومة للعالم أن الحرب التي تمددت من جنوب كردفان إلى شمالها من صنع (الجبهة الثورية) لا (الحركة الشعبية).. وتشهد بذلك على خصمها ونفسها، وتكتب شهادة ميلاد واعتراف بهذا التحالف الذي تنامى في الآونة الأخيرة!!
ربما شكَّل هذا الاعتراف بالجبهة الثورية (مدخلاً) لمساومة تاريخية مع كل حاملي السلاح جملة واحدة، لتشتري الحكومة لأول مرة في تاريخها (بالجملة) بعد أن حصدت أصفاراً كثيرة بسبب ممارستها لتجارة (القطاعي).. تفاوض فصيلاً لتدخله تحت عباءتها وفي يوم التوقيع يخرج فصيل آخر.. حتى أرهقها إحصاء عدد الفصائل الدارفورية، وكلما تعددت الفصائل تباعدت مساحة الحلول واستدامة السلام.. فهل تخطط الحكومة باعترافها بـ (الجبهة الثورية) للإقبال على منهج جديد للتفاوض في مقبل الأيام؟! أم هي الحسابات الخاطئة والوقوع ضحية في شباك نصبتها (الجبهة الثورية) لقادة الدولة بذكاء ووجدوا أنفسهم (أسرى) لمخطط غيرهم؟!