رأي

اللقاء المرتقب بين "البشير" و"الترابي".. ما هي التنازلات المتبادلة؟!

هل يتصور المرء حدوث مصالحة تاريخية بين الرئيس “عمر البشير” والدكتور “حسن الترابي” في المستقبل، على خلفية القطيعة الغليظة بين الرجلين، التي صارت مضرب الأمثال في التصادمات السياسية المليودرامية والنموذج الواضح في سجل الأعداء والكراهية  المتبادلة؟! فالعلاقة بين “البشير” و”الترابي” تحولت من فضاءات التحالف الوجداني والتعاون الوثيق إلى عالم التشاحنات الملتهبة والحرب الضروس، من خلال الصراع المرير والحراك الطاحن على نوازع السلطة، الذي أدى إلى قيام المفاصلة بين القصر والمنشية!
كان الخلاف الشائك بين “البشير” و”الترابي” الذي تحول إلى جفوة عارمة بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، قاسياً ومؤلماً تهاوت أمامه كل محاولات المصالحة بين قطبي النزاع في إطار عودة المياه إلى مجاريها بين أبناء الجلدة الواحدة في الحركة الإخوانية، وهما حزبا الوطني والشعبي.
من الناحية البراغماتية والمنطقية وحسابات قاموس اللعبة السياسية، فإنه مهما بلغت حالات العداء قمة الدرجات البركانية فإنها يمكن أن تذوب مثل الثلوج عندما توضع على وهج الشمس، فلا توجد خصومة سرمدية في عالم السياسة، بل توجد معطيات واقعية تحدد اتجاهات الالتقاء والتفاهمات. من هذا المنطق تحركت العزائم الأكيدة والجهود المضنية من القيادات الوسيطة في الوطني والشعبي بدعم من بعض رموز الصف الأول في الحزبين، وهم يدركون بناءً على منظورهم الأهمية البالغة والدلالات العميقة لعملية إصلاح ذات البين بين “البشير” و”الترابي” وأبعادها على منظومة الحكم والحركة الإسلامية.
وبالفعل كانت الإرهاصات القوية تتأطر في المسرح السوداني حول ترتيبات اللقاء بين الرجلين، التي سرعان ما تراجعت إلى الوراء ارتكازاً على أحداث أم روابة والتصعيد العسكري في أبي كرشولا.
ها هي التحركات تعود مرة أخرى من وراء الستار، فالصراع بين “البشير” و”الترابي” في سياق نظر أصحاب المبادرة ليس صراعاً تافهاً بلا معنى، مثل صراع أصلعين على مشط، بل هي معركة حامية الوطيس ترتكز تطوراتها على بقاء الحركة الإسلامية ومصير النفحة الإخوانية في المستقبل، انطلاقاً من المهددات والأخطار المحدقة على مركب الإنقاذ في النسخة الأولى والثانية!! فالشاهد أن المتصارعين “البشير” و”الترابي” كلاهما يحمل علامة فارهة وخصوصية لامعة، حيث يعبر الرئيس “البشير” عن السلطة الحاكمة والقوة المادية، بينما يرمز الدكتور “الترابي” إلى المرجعية الأيديولوجية والقوة الفكرية.
سيناريو اللقاء المرتقب بين “البشير” و”الترابي” لن يغفل النظر في خطوة إبعاد العناصر المتطرفة في الحزبين، حتى لا تصاب المبادرة بالضربة القاضية من الوهلة الأولى. فضلاً عن ذلك، ستكون هنالك معالجات مبرمجة حول مكان التفاهمات، الذي غالباً لن يكون في منزل “الترابي” والضيافة الرسمية.
أجندة الحوار ستكون قائمة على مقترحات استكشافية للوصول إلى طرائق التسوية المأمولة رويداً رويداً، ويدرك الرجلان عن قناعة راسخة أن هدم جدار القطيعة الغليظة وعودة الصفاء القديم بينهما يتطلب دفع فاتورة باهظة التكاليف لا تقبل المجاملة والوقوف في محطة الاستكشاف والمناورة. علاوة على ذلك، فإن أصحاب المبادرة يقولون إن بيت القصيد وعنصر النجاح المطلوب يتمثل في تطبيق أجندة التنازلات المتبادلة على أرض الواقع، فلا يمكن لأية مصالحة وفاقية على طاولة الحوار أن تصل إلى بر الأمان دون احتساء الدواء المر، والضرب الشديد على الوتر الحساس الذي يفرض على الطرفين التراجع عن العديد من القناعات الثابتة!!
هكذا قامت الاتفاقات السياسية على مر التاريخ.. الصورة المقطعية ربما تكون التنازلات المطلوبة على حساب بعض القيادات في الحزبين، مروراً على المواقف والتصورات.. إنها عملية طبيعية لرسم الطريق الجديد، وملامسة الكتلة الصماء، وتحقيق المصالحة التاريخية بين “البشير” و”الترابي”.
لا أحد يريد أن يتبرع بتحديد معالم وأبعاد تلك التنازلات المتبادلة، كأن في الأمر صفقة غامضة مرتقبة. وبذات القدر لا يوجد من ينكر وجاهة آلية التنازلات باعتبارها الضربة الحاسمة والوسيلة الذكية للوصول إلى الحل المنشود.. وهكذا تصبح هذه التنازلات المتبادلة في صندوق مغلق على منضدة القمة الإخوانية المرسومة.
قوة “البشير” و”الترابي” تساعد على تمزيق الميكانيزيم القديم، فالواضح أن “البشير” أصبح الآن يمتلك الكثير من الأوراق في حزبه، فضلاً عن مزايا البزة العسكرية.. أما “الترابي” فهنالك من يقول إن (90%) من وجود الحركة الإسلامية السودانية ارتكز على قدرته وبصماته وكاريزميته الشخصية وهو يعرف كيف يصل إلى أهدافه، ولو بعد حين!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية