حوارات

الخبير الامني اللواء امن م. حسن بيومي في حوار التحليل الامني والاستراتيجي مع المجهر (2 – 2)

يجلس مدير المخابرات الخارجية الأسبق، العميد أمن متقاعد “حسن بيومي”، على إرث معرفي أمني عالٍ، صقله بالعمل الميداني والاستخباراتي.. درس العلوم السياسية بجامعة القاهرة الأم، وتلقى دراسات فوق الجامعية بمعهد الإدارة في فرنسا.. وتخصص في شؤون دبلوماسية.. أما دراساته الأمنية فتلقاها في الاتحاد السوفيتي بمعاهد الاستخبارات الروسية (كي. جي. بي)، وأيضاً لدى المخابرات الأمريكية الـ(سي اي أي)، وفي ألمانيا الغربية، وتلقى علوم الكلية الحربية السودانية.. وقد عمل دبلوماسيا في تشاد والمملكة العربية السعودية والمغرب، وعمل مديراً لإدارة التحليل والتقييم والمعلومات، وله العديد من الإصدارات..
“بيومي” يقدم في حواره (المجهر) معه قراءة للراهن من منظور رجل المخابرات.. فإلى المضابط:

{ علاقة السودان والجنوب ما زالت تراوح مكانها والملفات عالقة؟
– أنا كان لديَّ رأي في اتفاقية نيفاشا، وأنا كعسكري أو لو جاء زول وقال لي جيب شبر من السودان دا ما بديهو ليهو نهائي، فالتنازل عن متر واحد سيؤذي كل السودان، وذات المتر من الممكن أن يغني كل هذه البلاد. على سبيل المثال فإن الحرب بين العراق والكويت كانت حول حقل نفطي مشترك، وبسببه اندلعت الحرب، لذلك فالمتر الواحد من أراضي  السودان ينبغي أن لا يتخلى عنه بالمرة.
{ هل يعتبر الحديث عن مخطط لتقسيم السودان صحيحاً أم أكذوبة؟
– وهل من يريد تفتيت السودان سيخبر بذلك؟ مأخذي علي هذا النظام هو أن أمريكا أعلنت رغبتها في تقسيم السودان والنظام قام بفصل الجنوب، هذا معناه أن النظام الحاكم بسياساته يساعد السياسة الإسرائيلية.
{ كيف ذلك؟
– كيف يتم منح الجنوب بخيراته وبشره الانفصال، ثانياً أنا بالنسبة لي لو (كسروا رقبتم ما بدخلوا أبيي ولا النيل الأزرق ولا جنوب كردفان)، والجيش كان يجب أن لا ينسحب من الجنوب، أين المسؤولية التاريخية في فصل الجنوب، لماذا لم يفصل البريطانيون جنوب السودان؟ وكان بإمكانهم فعل ذلك.. السبب هو المسؤولية التاريخية، لا يريدون تحمُّل (فرتقة السودان)، مع أنهم على دراية بأن هنالك من يأتي ليفعل ذلك من بعدهم. ثانياً لو منح الجنوب استقلاله في العام (1956) ماذا لدى الجنوب حتى يقيم دولة كبقية الدول؟
{ هل تلمح إلى وجود مؤامرة كانت تعمل على فصل الجنوب؟
– لقد بدأ التآمر الحقيقي منذ أن بدأ الأمريكان في محاولتهم استخراج النفط في الجنوب، ذلك هو التآمر الحقيقي، وبمجرد أن بدأ تدفق البترول على تلك الأرض، بدأ الجنوبيون المطالبة بحقوقهم، مع أن نفط الجنوب يعتبر ثروة قومية، ألم يأكل السودانيون جميعهم من خير (الجزيرة)؟ لماذا لم يقل (ناس) مدني وأهل الجزيرة إن أموال (الجزيرة) تخصنا لوحدنا؟ لماذا هذا التفريط في الثروة القومية؟
{ تحدثت تقارير عن إستراتيجيات معادية لإيجاد (5) دويلات على أنقاض السودان.. ما مدى صحة هذه التقارير من وجهة نظرك ؟
– هي ليست حقيقية، إلا أن السياسات أوجدت عدم توازن عرقي نتج عنه فواصل، ففي السابق لم نسمع من يطالب بالانفصال، بينما تجد البعض الآن (ينقنق).. (نيفاشا) غذت نزعة الانفصال لدى البعض.
{ ماهو رأيك في الفدرالية؟
– الفدرالية نظام خاطئ، يمكن أن ينجح فقط في بلاد مثل الولايات المتحدة، ولكن في دولة نامية ستنتج القبيلة.. الفدرالية (فرعنت) القبلية.. أنا نفسي دارس لنظام الحكم، وأعتقد أن الفدرالية لاتصلح كنظام للحكم في بلد مثل السودان، لسبب بسيط، أنه لا توجد لديه معايير للفدرالية، كما لا تتوفر الإمكانات المالية والأحزمة الإدارية والأمنية ضابطة.
{ ما النظام الأمثل برأيك؟
– الحكم الذاتي الإقليمي في ظل السودان الموحد، على أن تمنح الأقاليم الصلاحيات الكاملة عدا الأمن والخارجية، المهم هو وحدة السودان.
{ عطفاً على ما يجري الآن، هل تستطيع الجبهة الثورية دخول الخرطوم؟
– لن تستطيع الجبهة الثورية الوصول الى الخرطوم لأنها عصية على أي شخص يريد الدخول اليها عنوة، باعتبارها العمود الفقري للأمن القومي، وإذا ما سقطت فذلك يعني سقوط النظام، ولو سقطت الخرطوم فإن السودان بأكمله (حيروح في ستين داهية)، والحالة الصومالية ماثلة للعيان، فعقب سقوط الرئيس “سياد بري”، سقط نظامه والصومال بأكملها، ونحن كأبناء للخرطوم لدينا غيرة عليها، فحتى لو كنا مختلفين مع هذا النظام إلا أننا لن ندع أحداً يضع قدمه في الخرطوم، حتى لا تحدث حرب أهلية وفوضى، وسيكون الصوت العالي هو صوت الجهوية، وستظهر الغيرة على الخرطوم من أناس لم تفكر فيهم الجبهة الثورية على الإطلاق، لن نسمح لهم.. من يريد أن يأتي ليحكم بهذه الطريقة فإننا لن نسمح له، رغم اختلافنا مع هذا النظام، لأن سقوط الخرطوم يعني ذهاب السودان وأمنه القومي.
{ الحركات المتمردة ترفض مثل هذا الحديث الذي يقول إما الإنقاذ أو الفوضى؟
-لا بالعكس، نحن نريد من الإنقاذ التغيير حتى لا تأتي الفوضى.
{ هل من الممكن أن يحدث تغيير دون أن تحدث الفوضى؟
– آن الأوان برأيي لحدوث شيئين هما تكوين حكومة قومية وعمل الدستور، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، بذلك ستحل المشكلة، وبغيرها سندخل في مشاكل، والنظام لن يستمر بوضعه الحالي، والأسلوب الذي تتبعه هذه الحكومة ليس هو بالأسلوب الأمثل.
{ (الجبهة الثورية) تقول إنه يمكن البناء على وثيقة (الفجر الجديد)؟
– أنا قرأت (وثيقة الفجر الجديد)، ونظرياً يمكن أن يكتب مثل هذا الكلام، لكن هنالك أشياء مخجلة، وأنا دائماً ما ألومهم عليها، مثل (حل القوات المسلحة) وإحلال المليشيات مكانها، أنا ضد (المليشيات)، وأرفض أن يحمل السلاح أي شخص بخلاف القوات المسلحة، بالإضافة لقوات الشرطة في أوقات معينة، وأي حمل للسلاح في بلد كالسودان تتفشى فيه القبلية، أمر مرفوض تماماً، والجيش نفسه يفترض أن تكون تركيبته القبلية متوازنة ولا تعطي قبيلة أكثر من غيرها، والمؤهلات هي التي تحكم، أيضاً أرفض ما جاءت به وثيقة الفجر الجديد التي تقول بحل (جهاز الأمن)، لنرتكب ذات الخطأ الذي حدث عقب ثورة أبريل في العام (1985)، وأقول لك إن سبب المشكلات التي نعاني منها الآن في السودان جاءت نتيجة لحل (جهاز الأمن) في تلك الفترة. فحل الجيش والأمن يخلق لك مصيبة لا يعلم نتائجها إلا الله عز وجل، ومنها تمركز أجهزة المخابرات الأجنبية في السودان.. وبالتالي لا يتم معرفة أين تتمركز، وهذا ما حدث عقب انتفاضة أبريل، فالأجهزة الأجنبية بعد أن وجدت الفراغ جاءت وتمركزت، وما زال مكان تمركزها غير معروف، ويمكن للموساد أن يكون لديه تمركز هنا (والناس ما جايبا خبرو).. الحل في التسليم والتسلم والإحلال وفقاً للكفاءة، هذا هو الطريق الأمثل.
وهناك في الوثيقة بند (الوحدة الطوعية)، هل معنى ذلك أن يصبح الانفصال طوعياً؟ الوثيقة بها هذه الأخطاء، وهذه البنود الثلاثة لابد أن تلغى من وثيقة (الفجر الجديد) لأنها (بتودي في ستين داهية)، نحن ضد هذه البنود الثلاثة، وبالطبع المفروض طرح الآراء ومناقشتها وبالتالي احترامها ودراستها، ولكن حل الجيش وحل الأمن والوحدة الطوعية، بحيث يقول كل إقليم نحن ما دايرين وحدة مع السودان، فهذا لا يجوز. لقد حكم الأتراك والمصريون والإنجليز السودان، إلا أنهم (ما فرتقوه)، بل قاموا بتسليمه ككتلة واحدة، فلماذا السوداني (يفرتق)؟ كما أن هذا الحق هو حق للأجيال القادمة، فلماذا يصادر حقها في بلادها، ماذنب الأجيال القادمة، ولماذا تورث المشاكل، هذه البلاد غنية، ويمكن أن تصبح من أغنى البلدان في العالم.
{ هناك تبرير دائم لدى بعض المسؤولين بأن الدول الأجنبية لا تتركنا في حالنا؟
– الحل في الدخول معها في شراكة، على أن تعلو لغة المصالح المشتركة، أليس ذلك مبدأً واضحاً في السياسة الخارجية، فبدلاً عن خلق المشاكل (تعال وشاركني)، لماذا لا توجد مثل هذه المشاكل بالنسبة للمملكة العربية السعودية أو الكويت أو الإمارات؟ على الشريك الأجنبي أن يأخذ ما يريده على أن يبني البنى التحتية ويترك بلادنا موحدة ويترك لها الفرصة للنهوض.
{ نعود إلى ما بدأناه حول تقييمك لدخول قوات الجبهة الثورية (أبوكرشولا) وما تلتها؟
– من الواضح أن الحالة برمتها مرتبكة، وهذه سمة مميزة في هذه الحكومة، فحينما ضرب مصنع (اليرموك) كانت التصريحات متضاربة، والناس مرتبكة، والمواطنون يروعون في أماكنهم، ولا أحد يشرح لهم ما يحدث، وهم يربكون المواطن نفسه، حتى بتنا ندخل من حالة لنخرج الى الأخرى.
وأنا أستغرب كيف وصلت قوات (الجبهة الثورية) إلى (أم روابة)، وهي تحركت بعدد كبير جداً من العربات ووصلوا حتى (أم روابة)، قطعاً لم يحدث ذلك بدون هدف، ففصل الخريف قادم، وهذا مخطط واضح ومعالمه واضحة للغاية، ففي الوقت الذي يفاوض فيه “ياسر عرمان” الحكومة في أديس أبابا، قام بغزو (أم روابة) و(أبو كرشولة) اللتين تعتبران أسواقاً لهذه القوات. انظر للأجندة في مفاوضات “أديس أبابا” فالمفروض بحث القضايا الأمنية في المنطقتين، إلا أن ناس قطاع الشمال رفضوا وقالوا نتحدث عن القضايا الإنسانية، (بالواضح كدة حا يقولو ليك لا، عشان يضعوا الحكومة أمام الأمر الواقع مع المجتمع الأوروبي)، وهي أن الحكومة ترفض إعانة الناس في هذا الوقت.. تركوا الحكومة تركز على هذه المسألة، وجاءوا الى مناطق الإنتاج وتشوين الغلة ومولوا قواتهم لكامل مؤونة الخريف المقبل.
{ هل لدى (الجبهة الثورية) هدف آخر من هذا الهجوم بخلاف ما ذكرت؟
– البحث عن التمركز، لقد تمركزت قوات الجبهة الثورية في (أبو كرشولة)، وجعلوا من المواطن درعاً لهم، وربما تكون بحوزتهم أجهزة مضادة للطائرات.
{ ما هي الخيارات المتاحة أمام الحكومة هناك ؟
– لحل هذا الوضع ربما تفكر الحكومة في حصار (أبو كرشولا)، ولكن ربما لدى قوات (الجبهة الثورية) ما يكفيها ضد الحصار، كما أن لهذه القوات من الطرق ما يمكنها من التسلل والخروج.
{ ما هي انعكاسات هذا الوضع على الحكومة؟
– الإحباط أفضى إلى تعدد التصريحات الحكومية، وسمعنا تصريحات لمسؤولين حكوميين، هناك قالوا إنهم يعلمون بهجوم قوات (الجبهة الثورية) قبل ثلاثة أو أربعة أيام من وقوعه، وتصريح آخر منسوب لبعض الأجهزة بهذا الخصوص.. (طيب) إذا هم يعلمون بهذا الهجوم لماذا لم يحركون ساكناً؟.
{ ماهو المبدأ الأمني الذي يفترض تطبيقه في مثل هذه الحالات؟
– هنالك مبدأ أمني يفترض تطبيقه في حال الحصول على معلومة مثل هذه وهو مبدأ (الإفراط في الإجراءات الوقائية دون التفريط في الأمن)، والإجراءات الوقائية أقل تكلفة من التفريط في الأمن، ويتم من خلالها تأمين المنشآت الحساسة، وفي حال عدم وجود قوات يتم الاستعانة بأخرى من أقرب منطقة.. والحكومة لم تستفد من التجارب، وذات الارتباك الذي حدث عقب ضربة (اليرموك) ودخول قوات “خليل إبراهيم” الى أم درمان، حدث مرة ومرات، وأخشى أن يتكرر مرة أخرى.. وعلى المسؤول سواء كان عسكرياً أو مدنياً تطبيق هذا المبدأ في مثل هذه الحالات. أنظر لحجم الضحايا والدمار الذي نتج عن عدم تطبيق هذا المبدأ الأمني. الأمر الآخر كيف سارت هذه القوات كل هذه المسافات ولم (يبلغ) أي أحد عن تحركاتها؟ كيف لم ير أحد هذه القوات، مع توفر تقنيات الاتصال للإبلاغ، هل جاءت عبر (طاقية الإخفاء)؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية