رأي

برفيسور "علي شمو" .. تكريم وتقدير مستحق

{ قامت صحيفة (المجهر) في احتفاليتها بمرور عام على تأسيسها قبل أيام، بتكريم البرفيسور “علي محمد شمو”، في لفتة رائعة وجدت استحساناً وتقديراً من الجميع، وحظيت المناسبة بمشاركة واسعة من السياسيين والإعلاميين، وفي اعتقادي إنه استغلال ذكي للمناسبة، وكان حدثاً ناجحاً بكل المقاييس. والبروف “شمو” شخصية تحظى بالاحترام في كل الأوساط الإعلامية السودانية والعربية والعالمية، نظير إسهاماته ومبادراته المعروفة في حقل الإعلام، خاصة على مستوى المنطقة العربية، وهو أمر لا خلاف عليه عندما كان وزيراً للإعلام في مايو أو الإنقاذ أو الآن رئيساً للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات، والمجلس هو الذي يتزين بالبروف داخلياً وخارجياً في واقع الأمر.
{ لقد عمل “شمو” في ظل حكومات وأنظمة سياسية متقلبة مرّت على السودان، ولم يكن له لون سياسي ظاهر للناس أو مؤثر علي أدائه المهني، سواء أكان ذلك في الفترات الديمقراطية أو الشمولية، وقد مارس الحرفية الإعلامية والبراعة المهنية بحكم الكاريزما التي يمتلكها ويصعب تجاهلها أو تخطيها من مختلف الحكومات، ولا يوجد شخص بدون إنتماء حزبي، ولكن يجب أن لا يؤثر ذلك علي أدائه المهني. وعلاقة البروف بـ (مايو) التي يحاكمه بها البعض، لم تكن نابعة من ارتباط (أيدلوجي) أو فكري، وهو ليس (شعب كل حكومة) كما تجاسر عليه أحد الكتاب، وكان ذلك تطاولاً في غير موضعه، ولكنه (تكنقراط كل حكومة)، في دولة تقل وتفتقد للخبرات النادرة التي تحظى بالتقدير الإقليمي والدولي.. وتلجأ إليه الحكومة ولا يسعى إليها.. سواء أكان ذلك في زمن الإنقاذ أو في زمن مايو أو في زمن حكومات ما بعد الاستقلال الديمقراطية، وفي عهد الإنقاذ كان هو أول من طلب إعفاءه من المنصب الوزاري.
{ والبعض يحاسب العديد من الخبراء الذين عملوا مع الأنظمة العسكرية والشمولية وكأنهم شياطين أتوا من عالم آخر، ولا أدري من الذي قال إن الوصفة الديمقراطية هي أفضل نظام حكم للسودان، إذ لا توجد فتوى قاطعة في هذا الأمر، وللديمقراطية فواتير مكلفة لا يقوى بلد مثل السودان على سدادها، و(العينة) ظاهرة في دول الربيع العربي، من اليمن وحتى تونس، وقبل ذلك في السودان، والعسكريون لا يقفزون إلى السلطة لأنهم يحبون التسلط، ولكن لأن هناك فراغاً تخلقه المزايدات والمكايدات السياسية التي تهدد الإستقرار.
{ والبروف “شمو” لا يعتبر ظاهرة سودانية، ولكنه ظاهرة عربية تتكرر أينما حل وذهب، وأذكر خلال سنوات عملي بالقاهرة كيف أن الإعلاميين المصريين كانوا يعتبرون فترة زيارته لمصر عيداً لهم، ويتسابقون في تكريمه ودعوته طيلة فترة وجوده بالقاهرة، وكانوا يحيطون به لدرجة الحصار، ويظهرون حبهم واحترامهم وتقديرهم له ولدوره العظيم في حقل الإعلام.
{ وفي حفل تكريم “شمو” بمناسبة مرور عام على صدور صحيفة (المجهر)، فات على مقدمة برنامج الحفل، ربّما بسبب ضيق الوقت، أن تذكر أنه من أوّل سوداني يتحصل على درجة عليا في الراديو والتلفزيون من جامعة أمريكية، ومن أوئل الذين طالبوا وزراء الاتصالات العرب بضرورة إطلاق قمر صناعي عربي (sat Arab)، وأول وكيل لوزارة الإعلام بدولة الإمارات العربية المتحدة عند نشأتها في بداية السبعينيات.
وعندما كان الشيخ “عبدالله بن زايد” (وزير الخارجية الآن) وزيراً للإعلام في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكنتُ وقتها أعمل هناك بإحدى جامعاتها، علمت أنه قد تم ترتيب زيارة للبروف “شمو” لمقابلة الشيخ “عبدالله” بمكتبه بوزارة الإعلام، ويبدو أن الشيخ “عبد الله” كان مهتماً بمقابلته، فقد ترك “شمو” العمل في الإمارات في نهاية السبعينيات والشيخ “عبدالله” ما زال صغيراً، وقد التقيت “شمو” بعد تلك المقابلة وسألته عن انطباعه، وكان معجباً بشخصية الشيخ “عبدالله بن زايد”، فهو شاب قوي الشخصية وشجاع وواضح في إبداء رأيه، وعلمت من “شمو” أن الشيخ قد استبقاه لبعض الوقت، وتسبب ذلك في تأخير مقابلة الشيخ لوفد عربي زائر، وبعد انتهاء المقابلة خرج الشيخ “عبدالله” مودعاً البروف ومعتذراً للوفد، موضحاً مكانة “شمو” وقدره ودوره في تأسيس وزارة الإعلام.
{ وموقف آخر أذكره للبروف “شمو” وحب الناس له مع الدكتور “سعيد عبدالله سلمان” مؤسس جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا التي تعتبر أكبر جامعة خاصة في منطقة الخليج.. وهو أول وزير للتعليم بدولة الإمارات، وتربطه بالبروف علاقات صداقة قوية ووطيدة، وكان “شمو” عندما يزور الإمارات بدعوة من جهة أو لزيارة كريمته المقيمة في مدينة العين، كان الدكتور “سعيد” يصر علي مقابلته ويرسل له سيارة خاصة لتقله من أبوظبي أو العين إلي إمارة عجمان أو إمارة الفجيرة أحياناً، حيث يوجد هناك  فرع للجامعة، ويحكي البروف “شمو” عن السنوات الأولى لنشأة الدولة وعن الجهود التي بذلها الشيخ “زايد” رحمه الله في تطوير الدولة، بتفاصيل تثير الإعجاب، ويحكي عن مرافقته للشيخ في ربوع الإمارات خلال فترة التأسيس، ومن نعم الله على البروف أن له ذاكرة تصويرية لا يغبشها الزمن.
{ وبحكم شهرة “شمو” الواسعة فإنه يتردد عليه بمنزله كل الناس، الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم، طلباً لنجدة أو مساعدة في عمل خير، وقد علم أفراد أسرته أن يفتحوا الباب لكل طارق إذا ما كان متواجداً بالمنزل، مهما كان مظهره، وزيراً أم خفيراً، وهو شخص مجامل لكل الناس، والكثير من أصدقائه يشفقون عليه من المشقة، ولكنه يأبى إلا أن يكون على سجيته وطبيعته.
{ تكريم (المجهر) هو تكريم مستحق يا “بروف”.. متعك الله بالصحة والعافية ودمت نجماً محلقاً في سماء الإعلام العربي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية