حوارات

الدكتور "أمين حسن عمر" وزير الدولة برئاسة الجمهورية وحوار الصراحة مع (المجهر) 2 – 3

{ وقعت الحكومة مؤخراً مع حركة العدل والمساواة اتفاقاً في الدوحة.. هل هذا آخر اتفاق مع الحركة.. وما هي خطتكم مع الحركات التي لم توقع مثل حركتي (عبد الواحد) و(مني)؟
– أولاً الناس غير فاهمين الموضوع بطريقة دقيقة.. نحن لا نقول نوقع مع الحركات على اتفاقية، بل نوقع مع الحركات على اعتماد وثيقة الدوحة، وفي حالة الدوحة لا نتحدث عن اتفاقية بين الحكومة والحركات، وإنما نتحدث عن بروتوكول لاعتماد وثيقة الدوحة لأن النظام الذي اتبع في الدوحة لم يكن هو التفاوض فحسب، لأن في اللحظات الأولى كان هناك اتفاق، والاتفاق مع الحركات وحدها لن يحل المشكلة، فلا بد من إشراك مجتمع دارفور كله لتطوير رؤية الحل، وأن تعتمد من بعد ذلك من المجتمع ومن الحركات.. وهذا ما نفعله الآن.. الآن هناك وثيقة تسمى بـ(وثيقة الدوحة) وهي تمثل خارطة طريق لحل المشاكل الجذرية، سواء أكانت المشاكل سياسية أم إدارية أو اقتصادية أو تنموية في دارفور. فما وقعناه مع حركة العدل والمساواة هو بروتوكول اعتماد (وثيقة الدوحة)، وأية حركة مؤثرة في الساحة، إذا جاءت وقالت تريد أن توقع معنا بروتوكولاً لاعتماد (وثيقة الدوحة) فمرحباً بها، فنحن لن نغلق الباب في وجه أية جهة ترغب في ذلك.
{ إلى أي شيء تشير هذه الوثيقة؟
– الوثيقة وسيلة لتحييد حركات التمرد وردها إلى السلام، وأهم من كل ذلك فهي وثيقة للتعامل مع المشكلات الجذرية التي أنشأت الصراع في دارفور، سواء أكانت متعلقة بالتمرد، أو بالنزاع القبلي، أو بالصراع على الموارد، أو المتعلقة بتدهور البيئة، أو بضعف التنمية، أو بالصلح الاجتماعي عامة، والسلام الاجتماعي بدارفور، فهي وثيقة شاملة لكل هذا، وهي حل شامل للمشكلات.
{ من الذي أعد تلك الوثيقة؟
– الوثيقة شاركت فيها منظمات المجتمع المدني في أكثر من لقاء عقد بالدوحة، وشارك فيها النازحون واللاجئون وأهالي المصلحة، واعتمدوها جميعاً بمن فيهم الحركات التي وقعت الاتفاقات الإطارية واعتمدتها حركة العدل والمساواة التي كان يرأسها “خليل إبراهيم”، والحركة لم تعترض على الوثيقة لكن لم توقع معنا اتفاق بروتوكول استيعاب السلطة واستيعاب قواتها، وهذه هي نقطة الخلاف التي كانت بيننا حينما كان يقود حركة العدل والمساواة “خليل إبراهيم”، وعندما توفي انقسمت الحركة إلى مجموعتين، مجموعة ميدانية مشكّلة من القادة الميدانيين والعسكريين وهي التي جاءت إلى السلام، ومجموعة سياسية يقودها “جبريل” وآخرون معهم من القيادات السياسية بالخارج وقلة من العسكريين بالداخل.
{ من الذي يقود القوة الرئيسية بالميدان؟
– القوة الرئيسية داخل الميدان يقودها القائد العام “بخيت كريم”، وهذه هي القوة التي وقعت معنا الاتفاق.. وهي مجموعة عسكرية متبقية من حركة العدل والمساواة تعمل في شكل تحالف عسكري مع حركة (مني) تتحرك داخل الميدان، فإذا رغبوا وأتوا كما أتى إخوانهم ليعتمدوا (وثيقة الدوحة) كخارطة طريق لحل المشكلات من أجل الاستقرار في دارفور فمرحباً بهم، أما إذا عاندوا فالدولة كفيلة بحفظ الأمن والاستقرار بالوسائل المختلفة.
{ الحركة التي اعتمدت وثيقة دارفور هل سيتم استيعاب قواتها التي كانت في الميدان؟
– نعم، وذلك وفقاً للترتيبات الأمنية التي بموجبها سيتم استيعابهم،  وهذا مذكور في الاتفاقية نفسها، وكذلك مذكور في البروتوكول الذي أعتُمد من قبل الطرفين.
{ بعد أن تم الاتفاق مع حركة العدل والمساواة هل هناك تحرك مع حركتي (عبد الواحد) و(مني)؟
– الأوضاع داخل تلك الحركات في حالة تشرذم، وما تسمى الآن بـحركة عبد الواحد) ليست لها علاقة بـ”عبد الواحد”، فالحركة انقسمت إلى فصيلين، فصيل يقوده القائد العام الذي سماه “عبد الواحد” قائداً عاماً وهو “قدورة”، الذي قال إنه لم يعد مع “عبد الواحد”، وقد جرت بينه وبين الأخوة القطريين اتصالات ليقول إنه سيلحق بركب السلام، بينما الفصيل الآخر الذي يقوده قائد ثانٍ يطلق عليه أسم “طرادة” فقد أعلن ومعه قادة عسكريون أنه  لم تعد لهم صلة بـ”عبد الواحد” وأنهم سيبحثون عن قيادة بديلة عنه، وما تسمى بـ(حركة تحرير السودان) التي كان يقودها “عبد الواحد” عند تأسيسها أصبحت تسمى مرة بـ(حركة مني)، ومرة بـ(حركة قدورة)، ومرة (طرادة)، ومرة (عبد الله يحيى) وهكذا حتى تشرذمت.
{ ألا يوجد أمل للوصول معها إلى اتفاق؟
– هذه الحركة أجندتها ليست متعلقة بدارفور، بل مرتبطة بالصراع على السلطة في المركز، فإذا أحسوا أنهم سيحققون أجندتهم فلن يأتوا إلى السلام، لأن مسألة دارفور ليست هي القضية الجوهرية في أجندتها.. وما أعلنه رئيس الجمهورية في البرلمان مؤخراً كان واضحاً، فمن أتى إلى السلام فمرحباً به، ومن أتى لغير السلام فالدولة مسؤولة عن حماية مواطنيها من التمرد، ومن الفوضى، ومن السلب والنهب.
{ إلى أين وصلت المساعي التي يقودها “صديق ودعة” مع تلك الحركات؟
– “صديق ودعة” لم ألتقه، ولكن سيكون لي معه اجتماع، فالفكرة هي أن أهل دارفور حينما اجتمعوا قالوا سيرسلون وفداً من تلك الحركات ليتأكدوا من موقفها إذا كانت راغبة في عملية السلام، وهناك وسطاء بينهم، فإذا كانت غير راغبة فسيلعنون عزلها نهائياً، وأنها ليست خارجة عن الحكم فقط بل خارجة عن المجتمع.
{ هل ما تم من اتفاق يجعل المناخ بمنطقة دارفور صحياً للعيش بدون أي اضطرابات؟
– ربما يكون هناك تسلل للحركات من الجنوب، وهذا التسلل قد يفاجئ بعض النقاط الضعيفة بغرض الحصول على التمويل، وهذا ربما من الصعب إيقافه تماماً، ولكن هذا الأمر موقوت، وإذا انقطعت خطوط إمدادها تماماً فلن تستطيع الصمود في أية معركة يخطط لها بشكل جيد مع القوات المسلحة، لذلك نلاحظ أنها طوال تلك الفترة تبتعد عن مناطق القوات المسلحة، وتختار المناطق الضعيفة للهجوم عليها بغرض الحصول على الوقود والطعام.
{ يتخوف المانحون من عدم وصول الدعم المقدم لأهل دارفور خاصة من قبل الحكومة؟
– لم نسمع من المانحين أي كلام مثل هذا.. هذا ما تردده المعارضة.. لأن المانحين أنفسهم يعلمون أن في (وثيقة الدوحة) خياراً لكل المانحين أن يستخدموا ما شاءوا من وسائل لتوصيل هذا الدعم، فمن أراد توصيله عبر منظمات الأمم المتحدة فمرحباً، ومن أراد توصيله مباشرة مع سلطة دارفور أو الولايات هذا ممكن، وإذا أراد توصيله عبر الجمعيات الطوعية فممكن أيضاً.. فالذي يدفع المال هو الذي يحدد طريقة توصيله، لأن تلك الأموال لن تأتي لتدخل خزينة الحكومة حتى يقال إنه سيذهب به إلى أوجه أخرى.
{ وكيف سيتم تقديم هذا الدعم؟
– الدعم سيُقدم عن طريق مشروعات، والمانح الأكبر في ذلك حتى الآن الدوحة.. والدوحة هي الوحيدة التي قدمت بياناً بالعمل، فقد أنفقت مبلغ (31) مليون دولار على مشروعات تتمثل في قرى نموذجية في دارفور لاستقبال العائدين، وإنشاء مدارس ومستشفيات ومستوصفات ومنازل للإداريين، حتى يكون هناك كيان صالح لاستقبال العائدين، ونُفذ هذا على شكل نموذجي بعدد من القرى بكل الولايات، ففي كل ولاية نُفذت قريتان، وسيتم التنفيذ على مستوى أوسع في المرحلة المقبلة.
{ هل هناك فترة زمنية لتقديم الدعم لدارفور؟
– وثيقة الدوحة حددت كل المشروعات ووقت الدفع بطريقة دقيقة، لذلك لدينا إستراتيجية للتنمية بصورة واضحة، وما أعلن عنه من مساهمات ومنح خلال المؤتمر ليس كل الأموال التي ستُنفق في دارفور.. هناك أموال أخرى ستأتي في شكل قروض.
{ ما هي تلك الجهات التي ستقدم قروضها؟
– أعلن بنك التنمية الإسلامي أنه سيقدم قروضاً، وكذلك صندوق التنمية الكويتي، وبنك التنمية الأفريقي، وصندوق النقد العربي، وحتى البنك الدولي أعلن أنه سينشئ صندوقاً للشركاء لتنمية دارفور، وهذا كله لم يحسب له حساب.. هي قروض وليست منحاً.. هذا كله سيُنفق في تنمية دارفور.
{ إلى أي مدى التزم أولئك في الدفع؟
– الاكتتاب من جانب الدول العربية، ربما بسبب ظروف اقتصادية أو ظرف لمواقف سياسية كان محدوداً، ولكن تجاربنا مع المانحين من العالم العربي والإسلامي قد تختلف عن أوروبا.. التزام المانحين في مؤتمر القاهرة، الاكتتاب كان بـ(800) مليون دولار والتنفيذ بلغ (74%)، وهذه نسبة تنفيذ عالية.
{ دكتور “أمين”.. إذا أعدناك إلى الاتفاق الذي تم في أديس أبابا بين الحكومة في الشمال وحكومة الجنوب.. ما مدى الالتزام بتلك المصفوفة؟
– ما وقع عليه بأديس أبابا في المصفوفة هو اتفاقيات تعاون قُصد منها رسم خارطة لكيفية تصعيد التعاون بين البلدين في مجالات التجارة والاقتصاد ومجالات متنوعة.. صحيح كان التركيز على أمور محددة مثل مسألة التعاون الأمني، ومسألة النفط باعتبار أن لهما انعكاسات سريعة ومباشرة، ففي مجال التعاون الأمني إنشاء منطقة عازلة وفك الارتباط مع حركات التمرد ستكون له آثار أسرع في التجارة، أو في قضايا الحدود، وكذلك النفط الذي ستكون له آثار سريعة على جنوب السودان أو تخفيف المسألة الاقتصادية بالشمال.
{ في وقت مضى رفضت الحكومة الحوار مع قطاع الشمال والآن بدأت المفاوضات.. ما الجديد مع القطاع؟
– الحكومة لم ترفض الحوار مع قطاع الشمال من حيث المبدأ، فأي تمرد يحمل السلاح الحكومة من حيث المبدأ لم ترفض الحوار معه.. رفضت الحوار معه حينما كان جزءاً لا يتجزأ من الجيش الشعبي والحركة الشعبية، والآن عندما أعلن فك الارتباط وعندما نستكمل المسألة فلن تكون لدينا مشكلة معهم، فهم سودانيون.. تفاوضنا مع ناس في دارفور، وسنتفاوض مع متمردين حملوا السلاح سواء أكانوا في النيل الأزرق أو جنوب كردفان، وفي هذه الحالة نحن لا نتحدث عن قطاع الشمال كحزب كما نتحدث عن حركة مقاتلة في مناطق محددة في النيل الأزرق وجنوب كردفان، والنقاش سيدور في إطار الدستور وما وقع من اتفاقية السلام، والدستور الآن هو تجسيد لاتفاقية السلام، واتفاقية السلام لم تخرج عن الدستور ولا عن البروتوكول المنظم للعلاقة مع جنوب كردفان والنيل الأزرق، أما من يأتي ومن يذهب فهذا موضوع إثارة في الصحف ليست له قيمة، ونحن لا نتحدث عن أشخاص إنما نتحدث عن مواقف لمجموعة مقاتلة، وأما أن نحب هذا ونبغض ذاك فالسياسة لا تقوم على العواطف.. السياسة تقوم على التمسك بالمصالح وعلى درء المفاسد، وإذا لم يمكن تحصيل المصلحة فلندرأ المفسدة، وأحياناً ندرأ المفسدة الأكبر بمفسدة أقل منها.
{ بعض السياسيين يتخوفون من تولي “ياسر عرمان” رئاسة وفد قطاع الشمال؟
– إذا لم تكن هناك إرادة للسلام بين الطرفين فلن تحقق مبتغاها إن كان على رأسها “ياسر عرمان” أو غيره، وأنا لا أرى تفضيلاً بينهم، ولا أعتقد أن “ياسر عرمان” يملك هذا النفوذ على ما تبقى من الحركة، ولا أعتقد أن له إرادة أو قدرة تعلو على قدرة الحركة، فالقضية توفير الرغبة لتحقيق السلام، فإذا توفرت سيتحقق السلام.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية