مجموعة من الشباب يحاولون إعادة الخرطوم لمجد القراءة
احتشد أكثر من ألف شاب وشابة بالساحة الخضراء ليقرأوا وليعيدوا للخرطوم سيرتها الأولى (الخرطوم تقرأ)، تلك المقولة العربية الشهيرة، (تؤلف القاهرة لتطبع بيروت، فتقرأ الخرطوم)، هذه المقولة كانت متوهجة في زمانها.
لكنها وضمن مفقودات كثيرة، ضاعت وضاع (طقس القراءة) فيها، وتحولت إلى مدينة (لا تقرأ)، ونجد أن أسباب عزوفها عن القراءة كثيرة، فقد تحولت إلى مدينة مثقلة بهموم توجهت إلى (ثقافتها) وإلى قارئيها فعطلت الشغف بالكتاب، ومنها أن التعليم العام أصبح لا يشجع على (الاطلاع)، ارتفاع أسعار الكتاب وندرته، قصر ساعات اليوم أمام لهاث كسب العيش، انتزاع وسائل الاتصال والاطلاع الحديثة للقراء من كتبهم وسوقهم قسراً إلى حيث (المعلبات الثقافية).. خلاصة القول أن الخرطوم لم تعد تقرأ منذ زهاء العقدين، وإن قرأت فهي تقرأ الحواشي دون المتون.
بمناسبة يوم الكتاب العالمي، الذي يوافق 23 أبريل، نظمت حركة (تعليم بلا حدود) يوماً للقراءة في الخرطوم، لاستعادة طقس القراءة، وتحويلها إلى أسلوب حياة، أو هكذا قال شعار اليوم (فلنجعل من القراءة أسلوب حياة).
{ ضياع شغف القراءة
(الخرطوم لم تعد تقرأ، لذا نحاول إعادتها لتحتل موقعها بين المدن القارئة)، بهذا القول بدأ “عماد محمد عبد الدافع”، أحد منظمي (تجمع القراءة) حديثه، ويضيف: (كانت تصدق عليها أنها تقرأ ما تؤلفه القاهرة وتطبعه مطابع بيروت، لكنها للأسف فقدت شغفها بالقراءة.. وهذا التجمع يحاول انتزاع الناس من عاداتهم اليومية التي أفقدتهم الرغبة في القراءة للعودة إلى الكتاب، وإحياء الشغف السوداني القديم بالقراءة.
وتقوم الفكرة على جمع الناس ليقرأوا جماعياً، في يوم وزمن يخصص للقراءة، وهي محاولة لاستعادة بعض مفقودات الثقافة السودانية. ويضيف “عبد الدافع”: كونا (مجموعة تعليم بلا حدود) بمناسبة يوم القراءة العالمي عام 2012م، وكان العدد محدوداً في المرة الأولى، لكن الفكرة تطورت وزادت أعداد المشاركين باطراد.
والفكرة لا تقوم على جمع القارئين وحسب، بل على أن يأتي كل مشارك بكتاب، وأن تكون القراءة في شكل مجموعات أو ما يعرف بحلقات قراءة جماعية، وهذه الطريقة ترتكز على قراءة كتاب بعينه ثم يبدأ النقاش حوله بصورة مستفيضة، بجانب الوقوف عند القراءات السابقة، وعلى هامش التجمع الفائت نشأ (منتدى السقالة الشعري)، الذي يقدم فيه المشاركون مختاراتهم الشعرية بأسلوب الإلقاء الشعري. وحسب “عبد الدافع” فإن التجمع تضمن معرضاً للكتاب الورقي الذي يقدم كتباً بأسعار زهيدة، إضافة إلى تبادل الكتب بين القارئين والمشاركين، فضلاً عن مكتبة إلكترونية يتم تحميلها للراغبين.
ويقول “عبد الدافع” إنهم في المجموعة تفاجأوا بعدد المشاركين الذي فاق توقعاتهم، ليصل عددهم زهاء (1500) مشارك وكتاب، وهذا مؤشر يبشر بمستقبل القراءة في السودان، ويضيف بأن اختيارات القراءة عند المشاركين تراوحت بين (علم النفس، الرواية والكتب العلمية)، ولك كان من الواضح أن الرواية حظيت بالنصيب الأوفر من القراءة والتداول، وما يؤكد ذلك وجود روايات مثل (مائة عام من العزلة) و(الأسود يليق بك) قد حظيت بتداول واسع. وختم بأنهم يسعون لجعل التجمع نصف سنوي، كما أنهم سينشطون خلال الفترة القادمة لإعادة تأسيس المكتبات العامة التي افتقدتها الخرطوم.
{ المدن المستحيلة
ويقول المشارك “عبد الحفيظ يوسف عبد الحميد” إنه مهتم بقراءة الكتب العلمية والروايات، ويصف فكرة جمع الناس ليقرأوا مع بعضهم بأنها فكرة مشجعة تحرض الشخص وتدفعه إلى القراءة، والبحث عن كتب جديدة ثم الحصول عليها عن طريق التبادل، وذلك ما جعل الكثيرين يحرصون على المشاركة.
وبالنسبة لـ”سامية جلابي”، وهي ناشطة إعلامية ومدونة بالفلسفة والأدب، فقد ذكرت أنها أحضرت معها رواية (شيكاغو) للكاتب المصري “علاء الأسواني”، وتقول عنها: (تدور أحداث الرواية في مدينة شيكاغو، وهي رواية تناقش الصراع الثقافي بين الشرق والغرب، وتقترب في مناقشتها للعلاقة الثقافية الصراعية بين المجتمعين من رواية موسم الهجرة للشمال للطيب صالح، وإن اختلف الزمان والمكان والشخوص).
إلى جانب (شيكاغو)، قالت إنها تقرأ كتباً في الفلسفة تناقش حاجات البشر، من مال وشهرة، وإن مشاركتها في هذه التظاهرة أضافت لها الكثير، وأتاحت لها الفرصة للتعرف على قارئين ومهتمين بالمجالات المعرفية التي تقرأها. وتضيف إنهم حين فكروا في مهرجان القراءة الأول في 6/10/ 2012م، لم يكونوا يتوقعون أن يتفاعل الناس مع القراءة إلى هذه الدرجة، وفوجئوا أيضاً بقرابة ثلاثة آلاف قارئ وكتاب، وقالت إن الخرطوم ستعود للقراءة، وتستعيد صيتها المفقود، لو تم تنظيم مثل هذه الفعاليات الخاصة بالقراءة على فترات متقاربة بما يشجع الناس، ويجعل من القراءة عادة يومية، حتى في المواصلات العامة، حين يجلس أحدهم سيجد نفسه يفتح كتابه ليقرأ.
ولأنها ناشطة قالت إنها دائماً ما تحصل على كتبها من خلال علاقتها بناشرين وكتاب عرب، إما نسخاً ورقية أو نسخاً إلكترونية (PDF) وسودانياً هي تقرأ لـ”أبكر آدم إسماعيل”، “بركة ساكن”، “طارق الطيب”، إضافة لـ”الطيب صالح” بالطبع.
{ حواء القارئة
“ولاء عصام عبد الرحمن”، وصفت يوم القراءة بأنه (فرصة طيبة)، وأكدت أن تنظيم مثل هذه الأيام للقراءة وتبادل الأفكار سيعيد للناس بعض ما فقدوه، وذكرت أنها لم تقرأ كتاباً ولكنها شاركت في حلقة نقاش عن (الهوية السودانية).. وعن طريقة القراءة الجماعية قالت إنها فكرة رائعة ومفيدة، لأنها تجبرك على القراءة وتتيح لك فرصة الحصول على المعلومات خلال جلسات النقاش.
أما “علياء مبارك” فهي خلال هذا اليوم تمكنت من قراءة (ساحة نحس) لـ”دان براون”، ونبهت إلى أن كل من لا يرغبون في القراء فإنهم إذا وجدوا فقط حول تجمعات القراءة يمكنهم الاستفادة من أشياء كثيرة، أهمها تبادل الأفكار مع الآخرين، وهذا ما سيدفعهم لاحقاً إلى القراءة.
وآخر محطاتنا كانت مع “سناء”، التي أبدت ملاحظتها عن الوجود المكثف لـ(حواء) بين القارئين، وأرجعت ذلك إلى التناسب الطبيعي بين أعداد النساء والرجال في المجتمع، وقالت: كل من شارك أو حضر في هذا اليوم لاحظ أن النساء والفتيات كن أكثر عدداً من الشباب والرجال بشكل لافت، وهذا يدل على أن النساء السودانيات صرن قارئات مميزات.
وتمضي “سناء”، في القول إنها تريد قراءة الكثير من الكتب لكنها لا تحصل عليها بسهولة، ومنها كتب في الثقافة والعلم، وهذا ما شجعها على المشاركة في التجمع، لتحصل على ما لا تستطيع الحصول عليه بمفردها.
{ إحياء سنة القراءة
رغم ارتفاع أسعار الكتب، وبرغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة، ورغم الأوضاع الصعبة التي يعيشها الناس، تجمع الكثيرون ومن كل الفئات العمرية، والشرائح الاجتماعية، شباب وفتيات، نساء ورجال جاءوا جميعهم ليجددوا (عهد القراءة).. فهل تستجيب المدينة؟ هذا ما يؤكده حرصهم وحضورهم إلى (الساحة الخضراء) لإحياء سنة القراءة التي كادت أن تندثر