التربية قبل التعليم….تقليم أظافر الاعتداء بالمدارس..!!
تقديم التربية قبل التعليم في مسمى الوزارة التي تختصّ بتربية ومراقبة وتعليم النشء أسباب الحياة ومتقاطعاتها، فرض عليها أن تكون محاطة بالكثير من الأعين التي تحدق بقوة في أدائها وأداء منتسبيها من المعلمين والتربويين على السواء.
تعلم الأخلاق أساس صلد لما يجب أن تكون عليه تربية الأجيال القادمة.. ولكن الإرباك الذي أحدثته الهجمة العنيفة للعولمة والتي لم تستثنِ بيتاً أو طفلاً أو جيلاً، منذ ما يقرب من العشر سنوات أحدث تحولات خطيرة مرئية وغير ذلك في إجمالي منظومة القيم الاجتماعية والسلوكية فرضت عليه أن يتعاطى بشكل مغاير مع تلك المستجدات.. فرضت على الآباء والأمهات أن يضعن أيديهن على صدورهن وهن يخشين على هذا الهجوم الناعم على أبنائهن كل ساعة وبما ان المدرسة تعتبر حائط الصدّ الأول لإزالة تلك القشور التي قد تعلق بعقول وقلوب الأجيال القادمة.. وبالمقابل فإنها تعتبر بمثابة المنهل الذي سوف يغذي أوردة تفكيرهم بما يجب أن تمضي عليه الحياة بعيداً عن أخطار الاغتصاب والاستلاب فإن الحاجة إلى منظومة تعليمية متكاملة أظهر الحاجة الملحة إليها في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى..
تململ التربية..
وزارة التربية والتعليم استشعرت خطر تسلل عناصر مريضة إلى سلك المهنة التعليمية التي هي في عرف الناس أنبل المهنة.. وكشفت أمس الأول عن عدة محاذير وتوجيهات أجملتها في تشكيل لجنة لمراجعة ملفات 20 ألف معلم بالمدارس الخاصة للتأكد من سلوكهم الشخصي والحالة النفسية والسيرة الذاتية والجانب الأكاديمي للحد من ظاهرة الاغتصاب وقالت الوزارة: إن اللجنة بدأت أعمالها توطئة لرفع تقريرها بداية العام الدراسي الجديد ولاتخاذ الضوابط اللازمة، انتهى حديث الوزارة وهو حديث يحمل في طياته تململاً ظاهراً مما تواتر من أنباء عن وجود حالات اغتصاب متفرقة وصفها الأستاذ “نصر الدين أحمد إدريس” الدومة بجامعة أفريقيا العالمية كلية الآداب إلى أنها يجب أن توضع فى إطار السلوك الشخصي، مشيراً إلى أن تناولها في الوسائط الإعلامية يلقي بظلاله السالبة على المهنة، وتابع الدومة في حديثه لـ(المجهر): إن السلوكيات السالبة التي تحدث في وسطٍ لا ينبغي النظر إليها على أساس السلوك المعمم لتشمل المهنة بشكل عام، وأردف: من حقّ وزارة التربية والتعليم، بل إنه من مهامها الطبيعية والبديهية ومن الخطوات الأساسية أن يكون هناك ملف شخصي مهني لمنتسبيها، بل ولأي مهنة أخرى، وأن يتم التركيز على ذلك في المهن ذات الطابع التربوي، وبالتالي فإن اعلان مثل هذه القرارات بالشكل الإعلامي هذا يحتاج إلى مسألة تسبقه من خلال وجود مختصين يقدمون رؤيتهم الواضحة.
وأضاف الدومة قدمت ورقة فى مؤتمر التعليم الأخير وأنا من الذين ساهموا في إعدادها تتحدث عن ضرورة وجود مختص ومرشد نفسي في مؤسساتنا التعليمة لأن وجود هذا المختصّ من مهامّه ملاحظة كافة السلوكيات التي يمكن أن تكون سالبة أو خلال البيئة بشكل عام ففي حال وجود هذا المختص فإن كل تلك الجرائم لن يكون لها وجود، لأنه يستطيع ملاحظة التغيرات التي تحدث وسط التلاميذ والتلميذات.
عقوبات مغلظة…!!
قبل نحو ثلاثة أشهر أصدرت محكمة الطفل بامتداد الدرجة الثالثة بالخرطوم حكماً قضى بإعدام معلم بمرحلة الأساس أدانته المحكمة باغتصاب تلميذته داخل أحد مكاتب المدرسة في يوم الجمعة، وقالت المحكمة في المذكرة التي صاغتها حول العقوبة: إنها شددت الحكم على المعلم لأنه لم يراعِ قدسية المكان وهي المدرسة، وكذلك قدسية اليوم الذي تمت فيه الجريمة وهو الجمعة، كما أشارت في المذكرة لأن المعلم المدان كان من المفترض أن يكون أميناً على سر تلميذاته وحمايتهن، خاصة وأنه مربّ، وليس العكس، ربما كانت تحديثات الخبر أثارت وقتها دهشة المراقبين والمتابعين لأن العقوبة كانت مغلظة للحد البعيد، وقد تلغي أسباب الاعتداء على التلاميذ، وهو الأمر الذي جعل الدومة يمضي في حديثه، قائلاً: إن الحديث عن الأسباب هو حديث عن التغيرات الاجتماعية والتحولات الكبيرة التي طرقت قيم المجتمع السوداني، ولذلك فإن مثل هذه الظواهر التي تحدث وسط بعض المدارس أو الاعتداءات التي تحدث في الأحياء تجاه الأطفال هي فقط مشهد من مشاهد التحولات السالبة، فهناك تآكل لكثير من القيم السمحة في جوانب أخرى ولكنها ظلماء لا ترى.
جوانب مظلمة
ظاهرة الاغتصاب في المدارس ربما يعتقد أنه (سبة) وعلامة سوداء فى جبين المجتمع السوداني..هذه العلامة السوداء تشكلت فى بياض القيم رويدا رويدا وبدأت تخنق فيه كثير من الجوانب المضيئة..وثمة ما يشى بان كثير من الجوانب المضيئة في الحياة السودانية ككل بدأت في التقهقر بفعل ما يمكن اعتباره أشياء غير منظورة ومرئية في المجتمع، وهو ما دعا الدومة إلى المضيّ بقوله: يحتاج المجتمع السودانى إلى مراجعات لبناء القيم، فإذا نظرنا إلى المشهد السياسي مثلاً نلاحظ: هناك قيم سالبة سياسية منتشرة بشدة خاصة فى مسألة المسئولية الأخلاقية ومثله المشهد الاقتصادي وارتفاع الأسعار غير المنطقي والجشع الذي يقوم به التجار هو تحول في منظومة القيم، ولكن فقط لخصوصية المشهد التربوي استبان الأمر بهذا الشكل.
ثم ماذا…؟؟
وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم تصدت للأمر بصورة ربما يتعبرها عدد من المعلمين مثلما اتصل أحد المعلمين أمس بالمجهر، واحتجّ بقوة على خطوة وزارة التربية والتعليم، واعتبرها بمثابة إساءة كبيرة للمعلمين الذين قال: إنهم ظلوا طوال عمرهم منارة للأجيال…ولكن بعرف آخرين فإن الخطورة الآن وما لم يتم تلافيها سريعاً فإنها قد تفضي قريباً إلى سحل ما تبقى من قيم، كون الأجيال الحالية تعتبر نصف الحاضر، وكل المستقبل…ترتيبات قد تقود وزارة التربية والتعليم مستقبلاً إلى وضع قوانين صارمة لحماية المستقبل، وعلق على هذا الدومة خاتماً حديثه قائلاً:
المشهد التربوى يرتبط بمسألة التربية ومستقبل الأجيال، ومن هذا الجانب أوصى أن تكون هناك هيئة قومية تضم مختصين تعمل على قيادة التغيير الاجتماعي في المجتمع السوداني بصورة إيجابية.
حديث “الدومة” ربما يفضي عاجلاً أو آجلا إلى تقليم تلك الظواهر الشاذة التي أطلّت بوجهها خلال السنوات القادمة وتناسلت إلى حد اقلق المتابعين والمربين على السواء.