أخبار

رسالة أخيرة

} إلى من اختطفته يد المنون بغته.. مثله وكل الأشياء التي تسافر وتترك على المقل دمعة وفي الفؤاد حسرة وبالقلب عبرة..
كان أبو زيد عبد القادر حسن” الإنسان يمثل أمة .. اجتمعت عنده شمائل الرجال، وخصال أضحت في هذا الزمان قليلة جداً..
تفتحت عيناه على الدنيا في بادية الحوازمة بجنوب كردفان .. أخذ من والده شيئاً من خصال رجالات الإدارة الأهلية ومن أجداده تعلم أن الإنسان موقف وفكرة وأن الحياة رحلة عابرة..
كدّ وزرع، وحصد وشيد علاقات إنسانية تجسدت في مشهد وداعه الأخير.. من مقابر أحمد شرفي في البقعة حتى جنوب كردفان التي ذرفت الدموع لتغسل أحزانها على كثرتها وتمددها من الجبل إلى الرمل ومن الحجر إلى الشجر.
غاب “أبو زيد عبد القادر” عن الدنيا بجسده نهائياً، وبقيت أقواله وأفعاله ومواقفه وعلاقاته إرثاً يفيض على جيرانه وأصدقائه وأحبابه.
غاب “أبو زيد” (البلك) في لحظة تاريخية بعد ساعات من إجراء عملية جراحية خرج منها مبتسماً.. أنا بخير .. وما هي إلاّ ساعات وتوقف قلب حمل هموم الناس وقضاياهم.. وكان منافحاً عن المنطقة التي ينتمي إليها داره بمدينة الدبيبات مشرعة الأبواب.. كان متكأً للضعفاء وقبلة للفقراء.. حمل عن شقيقة الراحل “حسن عبد القادر” أمانه التكليف، وقيادة المجتمع.. حتى ذهب (البلك) إلى دنيا الخلود..
} في مقابر أحمد شرفي بأم درمان هرع الناس بعد النبأ الفاجع للوداع الأخير.. وكان مشهد مدينة الدبيبات أمس الخميس يجسد وفاء الرجال للرجال ..دموع بللت أرض الرمال ونفوس ملتاعة تغسل أكبدها بالبكاء المر وقد توالت على هؤلاء الفاجعة بعد الأخرى..
رحل “بلايل” وسافر “بلندية” إلى الأبد.. وغاب الأمير كمبال.. وتكاثر الموت الزؤام .. وما “أبو زيد عبد القادر” إلا فجيعة أخرى تضاف إلى فواجعنا التي لا تنقضي وجروحنا التي لا تشفى وقلوبنا التي اعتلاها الرهق..
} ما كان “أبوزيد” أباً لأحمد، وانتصار، وآمال، والزومة، وقدورة، فحسب، ولا شقيقاً لأحمد وإسماعيل ولا ابن عم لياسر، وعلي البدوي، وعلي الزين، ولا ابن خال للدخري، وعطا الشاعر، ومالك أبو القاسم، ولا صديقاً للعمدة حماد ومحمداني، ولا هو عضواً في المؤتمر الوطني، وناشطاً في صفوفه .. كان أبوزيد أكبر من عباءة الأحزاب الصغيرة، وأشمل من الأسرة وأبناء العمومة…
} حينما سرى نبأ رحيله في الأسافير جاء صوت سامي أكوج من عمق دولة جنوب السودان معزياً ومواسياً.. لم تقطعه الفواصل والحجب وجاء صوت متمردين من مالي الساحل معزّين.. وجاءت كادوقلي بكل مروءتها وشجاعتها وحزنها.. وآمالها .. وجاءت الفولة وبابنوسة.. وكانت مروي وتنقاسي والضعين وحتى أدروب في شرق السودان.
} أرسل تعازي اللوعة لرحيل رجل يبقي في المخيلة وفي النفوس وفي عيون (الحازميات) دمعة لا تجف، وآهة طويلة كليل رحيله الذي خيم على الدنيا..
} “أبوزيد عبد القادر” نسمة عابرة .. وفكرة باقية .. مروءه وشهامة .. لكن الموت (نقاد) اختار من الجياد الأصيلة (أبو زيد).
} وترك وطنه مجروح الفؤاد .. إخوانه .. تيبست الشفاه .. وتورمت المقل ومثل (البلك) تبكيه كردفان عرباً ونوبة، بديرية وكنانة، خزام وشنابلة، .. برقو وفلاتة، دينكا وفور، زغاوة وشايقية، جوامعة وجمع.. ولا إله إلا الله.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية