شكوى التعاونيين على منضدة «بنك النيل»
كان يوماً مشهوداً ومأساوياً وعجيباً في مزرعة رجل الأعمال “عبد الباسط حمزة”، مليئاً بالحرقة والتراجيديا والدموع والسحب الداكنة على بساط التعاونيين، فقد كانت اللوحة السيريالية تعكس الشعور بالذهول والدهشة واللوعة عندما تقرر إبدال الثوب التاريخي لبنك التنمية التعاوني الإسلامي بالثوب الجديد الذي حمل اسم بنك النيل، بعد معركة حامية الوطيس بين أنصار سياسات الأرباح السريعة ورجال الحركة التعاونية الذين يمثلون أصحاب الناقة في البنك الذي انزلق من أيديهم!!
الحدث كان فريداً ومجلجلاً في مزرعة “عبد الباسط حمزة”، فقد اكتملت عناصر السيناريو من جميع الوجوه والصور، حيث نجح المهندس “الحاج عطا المنان” رئيس مجلس إدارة بنك النيل في تحقيق الغايات المقصودة بعد أن أخفق قبل عام في تغيير الاسم والأهداف خلال اجتماعه مع عدد من التعاونيين في فندق السلام روتانا.
كانت الضربة قاصمة الظهر للتعاونيين، حملت الكثير من الدلالات عن الصعيد المعنوي والوجداني، فالشاهد أن حذف اسم التعاون وشعاره من البنك الذي يترجم الأحلام والآمال لمنسوبي الحركة التعاونية، يعدّ بكل المقاييس اعتداءً كبيراً على هوية البنك، وانقلاباً واضحاً على مشروعية ميلاد البنك التعاوني وأهدافه الإستراتيجية، فالصورة كانت مشدودة وقاتمة، وكان من الطبيعي غياب رموز التعاون من المؤتمر الصحفي الذي نظمه “الحاج عطا المنان” حول إبدال اسم البنك التعاوني وثيابه.. إذ كيف يحضر المرء احتفائية تكسير عظامه؟!
من الناحية الوجدانية والحسية لم يعد للتعاونيين بعد الآن أوضاع مهمة ومركز مرموق ببنك النيل من ناحية أولويات التمويل والاستثمار، سيما وأن نسبتهم من الأسهم في حدود الـ(10%)، حيث دخلوا في بوتقة واحدة مع الأفراد، ولهم ممثل واحد في مجلس الإدارة هو شيخ “الدرديري عمر المنصور” رئيس الاتحاد التعاوني القومي.
في اللوحة المقطعية تحول مسار البنك التعاوني من قانون خاص إلى قانون الشركات، ليكون الطريق سالكاً بدخول مساهمين من فئة رجال الأعمال والشركات التجارية وبيوت الاستثمار والبيزنس. ومن هنا ذهبت خصوصية ومزايا النكهة التعاونية، ولم يعد الحال كما كان، عندما كان الأستاذ “حسين محمد عمر المفتي” في قيادة البنك.
الصورة البليغة تؤكد أن إدارة “الحاج عطا المنان” لم تتوغل في اكتشاف سحر التعاون كنظام اقتصادي واجتماعي هائل مشحون بمضامين كثيرة تخدم المجتمع وتعالج مشاكله المستفحلة، دون أن تؤثر على سياسة الاهتمام بالأرباح، فالواضح أن منهج “الحاج عطا المنان” ارتكز على مسايرة الإهمال الحكومي للحركة التعاونية، وفي الذهن أن التعاون يمكن أن ينطلق إلى الأمام ويملأ الأرض بالنماء والخير والاكتفاء والوفرة النقدية والسلعية، إذا وجد الرافعة التمويلية التي حجبت عنه في مصرفه!!
كان يمكن لإدارة البنك التنسيق مع رموز التعاونيين، والذهاب معهم لأصحاب التدابير لمعالجة إشكالية السقف المالي للتعاون في البنك أسوة بما فعلت شرائح العمال حول هذا الخصوص.
المحصلة، أن هنالك ملايين المغبونين والحزانى من منسوبي الحركة التعاونية ضاق صدرهم جراء سياسات إدارة بنك النيل حيال التعاون، فهؤلاء حين سمع الواحد منهم ما حدث لبنك التنمية التعاوني من تغييرات وإجراءات طفرت من عيونهم الدموع وخرجت من أفئدتهم المشاعر الجياشة.. فهل “الحاج عطا المنان” هو خصم الحركة التعاونية في بنك النيل كما يقول معظم التعاونيين؟!
الباب ما زال مفتوحاً، والأمل مازال أخضر حول قضية التعاون في بنك النيل.. فهل يتحرك رموز الحركة التعاونية لإصلاح الأمر ابتداءً من وزير التجارة الأستاذ “عثمان عمر الشريف” وشيخ “الدرديري عمر المنصور” والأستاذ “محجوب محمد محجوب” الخبير التعاوني الانيق والأستاذ “عثمان أبو القاسم” والقائمة تطول حتى تصل إلى قيادات التعاون في جميع المؤسسات على صعيد ولاية الخرطوم والأقاليم، مروراً بمنتدى النقابي التعاوني العريق “قاسم الحاج” بأم درمان، حتى قواعد الحركة التعاونية المنتشرين في أنحاء القطر.
مشهد التعاون على منضدة بنك النيل جدير بالاهتمام والتدقيق في إطار مذاق فريد على مؤثرات الإيقاعات اللامعة.