(المجهر) في أول حوار مع عضو المحكمة الدستورية بروفيسور «حاج آدم حسن الطاهر»
يعد مولانا البروفسور “حاج آدم حسن الطاهر” من الأفذاذ في مجال القانون، برع في (الجنائي) وبرز فيه وقدم كثيراً من القضايا إلى المحاكم التي فصلت فيها وبرع في قانون الإثبات وأصبح من المتخصصين فيه مما ساعد كثيراً من طلبة القانون وطلاب المعادلة على الاستفادة منه واجتياز الامتحانات.. كما برز كأستاذ مميز في مجال القانون بالجامعات السودانية المختلفة.
اختير بروف «حاج آدم» مؤخراً عضواً بالمحكمة الدستورية وعضواً باللجنة الخاصة بفحص إبراءات الذمة للمسؤولين.. التقيناه في أول حوار بعد توليه مهمة العمل بالمحكمة الدستورية، تناول الحوار جوانب مختلفة عن علاقة المحكمة الدستورية بالأجهزة العدلية المختلفة، وكيف تقدم العرائض للمحكمة ومن هم المحامون المسموح لهم بتقديم تلك العرائض، وكم الرسوم المفروضة عليها، وهل ثمة علاقة ما بين المحكمة الدستورية والنائب العام، وهل للنائب العام سلطات استثنائية تخول له وقف الإجراءات والسير في القضية، وما دور هيئة المظالم والحسبة في القضايا التي فصلت المحاكم فيها، ومن ثم تقدم المتضرر إليها وهل يحق لها إعادة القضية، هذا بجانب العديد من الأسئلة فنترك القارئ مع إجابات مولانا “حاج آدم” حول ما طرحنا عليه من أسئلة:
} ما هو دور المحكمة الدستورية في قرارات المحاكم السابقة وما هي علاقتكم بالأجهزة القضائية المختلفة؟
– العلاقة تبدأ من الشرطة والنيابة التي تشارك الشرطة في التحريات والإشراف عليها وتولي الاتهام في القضايا الكبرى أمام المحاكم، فهذا الجانب الجنائي ثم تقدم القضايا إلى المحاكم حسب درجاتها وحسب أوصافها واختصاصاتها حسب قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991، والقاضي أحياناً يتولى مهام النيابة إذا لم تكن بالمنطقة نيابة أو وكيل نيابة، فيتولى القاضي المهام حتى لا يكون هناك فراغ أمني ومن ثم ترفع القضايا إلى المحاكم والمحكمة تصدر قراراتها، إما إدانة أو براءة، وللشخص الحق في الاستئناف لمحكمة الاستئناف ومن محكمة الاستئناف ترفع الأحكام إلى المحكمة العليا طلب النقض من ثلاثة قضاة أو طلب المراجعة من خمسة قضاة.
أما دور المحكمة الدستورية فإذا لم يرضَ بقرار المحكمة العليا وهي أعلى سلطة في سلسلة المحاكم فإذا لم يرضَ بقرارها ورأى أنه له حق دستوري قد انتهك فمن حق الشخص أن يلجأ إلى المحكمة الدستورية مطالباً بصون حقه في الحياة باعتبار أن حق الحياة من الحقوق الدستورية الواردة في وثيقة الحريات والحقوق المكفولة لكل فرد في المجتمع، وربما يرى الشخص أنه لم ينل محاكمة عادلة وليس شرطاً أن تكون جنائية وقد تكون مدنية أو معاملات حسب تفسيرها في قانون الإثبات، وتشمل المعاملات المالية والأحوال الشخصية من الخطبة والزواج والطلاق إلى البنوة والميراث وإلى الوصية والهبة فكلها تدخل في باب المعاملات.. فإذا أحس الشخص بعدم العدالة لجأ إلى المحكمة الدستورية.. فالقانون والإجراءات فصلت كيفية اللجوء إلى المحكمة الدستورية وكيف ترفع الدعوى وكيف تقدم العريضة.. والدعوى لا بد أن يقوم بها أحد كبار المحامين الذي أمضى عشر سنوات في المهنة.. فالعريضة تقدم إلى رئيس المحكمة الدستورية الذي يحيلها إلى دائرة مكونة من ثلاث قضاة للنظر في القضية فهل استوفت جوانبها الشكلية ومتطلباتها وهل تنم على حق دستوري منتهك، فإذا توصلت إلى ذلك فإنها ترفع الرأي إلى رئيس المحكمة للبدء في نظر العريضة.. والمحكمة الدستورية شأنها شأن المحاكم الأعلى في عدم الخوض في تقييم البينات، وهناك وقائع ينظرها القاضي الذي ينظر إلى الدعوى من البداية، والقاضي هو الذي يقيم قبول أقوال هذا الشاهد وترك أقوال هذا لما لاحظه من سلوك يكون أمامه، وبالتالي يستصعب على المحاكم الأعلى أن تنظر وتقيم لماذا لم تقبل شهادة هذا ولماذا لم تقبل شهادة هؤلاء.. وهذه كلها متروكة إلى سلطات القاضي وتقديراته، وقاضي الموضوع من مهمته أن ينظر إلى سلوك الشاهد الذي أمامه هل مُمَلّى، هل خائف، هل مريض، هل ذاكرته قوية؟ فهذه مسائل مختص بها قاضي الموضوع أكثر من المحكمة الدستورية والمحكمة الدستورية تنظر في الوسائل الموضوعية والقانونية المتعلقة بالحقوق الدستورية.
أما إذا المسألة قانونية بحتة فهناك فرق كبير ما بين المخالفات القانونية والمخالفات الدستورية، فالمخالفات القانونية ينظرها القضاء العادي حتى المحكمة العليا، أما المخالفات الدستورية تنظرها المحكمة الدستورية.. فكل ما ذكرته متعلق بالمسائل الجنائية التي تمس الشخص في حريته أو في حياته أو في ماله.
} هل تعتبر المحكمة الدستورية هي الجهة النهائية في فصل القضايا؟
– نعم فالمحكمة الدستورية هي المختصة بالجانب القضائي، إما أن تؤيد الحكم أو تلغي حكماً.. وهناك هيئة المظالم والحسبة العامة فلها فلسفة عميقة وهي صمام الأمان للجانب العدلي ولكنها لا تلغي الحكم الصادر وإن رأته صادقاً وهي ليست جهة استئنافية ولا تتدخل في الأحكام لكنها تنظر من وراء الحكم تعويضاً للشخص الذي أتاها متضرراً بل إذا رأت أن الضرر قد أصابه فالشخص المحكوم له يبقى حكمه كما هو.
} ألا تُعيد الحكم الصادر ضد الشخص المتضرر الذي لجأ إلى هيئة المظالم والحسبة؟
– لا تعيده ولكنها تنظر ما وراءه ومن خلف الأحكام فإن كان هناك اعوجاج لا تلغي الحكم ولا تمسه.
} لماذا تفصل إذاً؟
– تبدي المعالجات وجبر الضرر مع الإبقاء على الحكم.
} وماذا يعني جبر الضرر؟
– جبر الضرر غالباً ما يكون تعويضاً فإذا رأت تعويضاً مالياً لأخطاء قضائية أو أي ملابسات أخرى أو جانب عدالة، تعمل بمبدأ العدالة، وجبر الضرر إما مالياً أو تعويضاً اسمياً وله طريقتان إما رفع توصية لرئاسة الجمهورية، وفي الحالات العادية يمكن أن تصدر قرارات مباشرة للجهات الحكومية، وهيئة المظالم والحسبة الجانب الإداري فيها كبير فالتفتيش والرقابة الإدارية للنظر فيما يتعلق بأداء الأجهزة الحكومية من حيث هياكلها وبيئة العمل فيها، وسبق لي أن عملت بها فترة من الزمن، ولكن جانب المظالم طغى على الجانب الإداري لانشغال الناس بتظلمات لا حصر لها، فالمواطنون حينما يعلمون أن هناك جهات تنظر في ما بعد الأحكام فطبيعة السودانيين أن يلجأوا إلى آخر المطاف.. لذا عندما بدأنا وجدنا هنالك مظالم كثيرة مكدسة، فكانت ترفع لرئاسة الجمهورية فأحيلت إلينا.
} ذكرت أن القضايا التي ترفع إلى المحكمة الدستورية لا بد أن يرفعها محامٍ له خبرة أقلها عشر سنوات ما السر في ذلك؟
– لأن هذا هو النظام المتبع في كثير من الدول التي تسير على نظام (الأنجلوسكسوني) فيوزع المحامون إلى (السالستر) وهو من يقدم النصح ولا يظهر أمام المحاكم العليا، أما (البالستر) فهو الذي يظهر أمام المحاكم العليا، وهنا لابد أن يستوفي المحامي الشروط المجردة بالفترة الزمنية المحددة حتى يستطيع الظهور ومخاطبة المحكمة الدستورية، وهناك بعض القضايا الاستثنائية يمكن للشخص المتضرر أن يأتي إلى المحكمة رافعاً قضيته.
}كم الرسوم المفروضة؟
– الرسوم عالية ولكن يجوز الإعفاء إذا أثبت الشخص إعساره أو فقره كما تفعل المحاكم المدنية، فهي تنظر في الدعوى للفقراء بدون رسوم فإما إعفاء كلي أو تأجيل.
} ما هي العلاقة بينكم والنائب العام؟
– عندما يكون هناك طعن في قانون لعدم الدستورية تخطر وزارة العدل، وعندما يقال قانون حسب نصوص القوانين العامة تشمل القانون نفسه واللوائح والقواعد والأوامر الصادرة بموجب قانون، وإذا طعن في لائحة دستورية تظهر وزارة العدل لتبدي رأيها في ما يتعلق بهذه الطعون وعندما يكون الطعن متعلقاً بذات الدستور فمن يدافع فهي وزارة العدل باعتبارها نائبة عن الأمة.
} هل للمدعي العام الحق في التدخل في بعض القضايا؟
– المدعي العام له سلطتان استثنائيتان (58 و59) من قانون الإجراءات الجنائية، وهذه تتطلب نوعاً من الموازنة والتريث، والنائب العام يمكن أن يقرر عدم السير في القضية إذا كانت تمس بسمعة البلاد أو تضر باقتصادها، فمن حقه أن يطلب إيقاف السير في الدعوى لكن لابد أن يبين السبب كطلب الوقف لصالح عام؛ وبالتالي المحاكم لا تنظر هذه الدعوى حسب تقديره.
وإذا كانت هذه المادة فيها غرابة لعدم المساواة بين الناس لكن الحقيقة هي صمام أمان لكثير من تدارك الأمور خاصة إذا كان السير في الدعوى يجلب ضرراً للبلاد، والنائب العام له سلطة استثنائية تقديرية.
} هل إذا كانت هناك قضية فساد هل يحق للنائب العام التدخل؟
– إذا كانت قضية فساد مالي أو إداري يمكن أن تُعالج القضية في إطار ضيق إذا كان إشهار المحاكم وعلنيتها قد تأتي بردود أفعال كبيرة، فمثلاً إذا كان المسؤول كبيراً ويناقش ديون السودان وهو بالخارج، ونسبت إليه قضية داخلية فالنائب العام له السلطة في اتخاذ الإجراءات الأخرى غير العلنية وغير التشهيرية، فيمكن استرداد المال من ذلك الشخص دونما يكون هناك ضرر بسمعة السودان.
والنائب العام له سلطة العفو العام فيمكن أن يعرض العفو على المتهم مع آخرين في جريمة غامضة وخطيرة ويكون الغرض جمع البينات ويشترط أن يفشي بدوره وبدور الآخرين الذين معه ولكن من الأفضل ألا يكون دوره أساسياً فإذا اتضحت لوكيل النيابة الرؤية وعرف الأدوار فلا داعٍ لعرض العفو على الشخص أو عرض وقف الإجراءات ولكن الوعد هو الحقيقة، فإذا أوفى الشخص بالشرط يحاكم محاكمة منفصلة ويُعفى عن العقوبة.
} هل المحكمة الدستورية تنظر في قضايا الدستوريين إذا أحيل لها موضوع دستوري تضرر منه شخص ما؟
– المحكمة الدستورية تنظر في محاكمات أشخاص محددين لكن بعد أن يقول المجلس الوطني ومجلس الولايات كلمته ويحاول الموضوع بعد ذلك لها.
} مولانا أنت عضو في اللجنة التي شكلت للنظر في إبراءات الذمة للدستوريين، أين وصل العمل فيها وهل هناك مسؤولون تقدموا بإقرارات الذمة؟
– اللجنة التي شكلت للنظر في إبراءات الذمة للدستوريين اجتمعت من قبل ووضعت خطتها كما صرح بذلك من قبل وزير العدل الذي يعتبر الناطق الرسمي باسمها، واللجنة مهمتها فحص إبراءات الذمة فالافتراض والقواعد الفقهية السلامة إلى حين ظهور الشكوى ومن ثم يسأل الشخص من أين لك هذا.
} وإذا رفض الشخص الإدلاء بالمعلومات ما موقف اللجنة؟
– المسألة ترجع لإدارة مكافحة الثراء الحرام والمشبوه فهو قانون قوي وبالإمكان اتخاذ الإجراءات الجنائية والإدارية ضد أولئك الأشخاص.
} وإذا اتضح ثراء المسؤول ما هو الإجراء الذي يتخذ ضده؟
– القانون رسم كل شيء والسلطة هنا لإدارة مكافحة الثراء الحرام فإما أن يتحلل ويستر نفسه ويرد المال العام وإلا فهناك الإجراءات القضائية والنيابية التي تتخذ ضده.
} كم عدد الأشخاص الذين تقدموا بإبراءات ذمتهم؟
– لا أدري ولم أعرف التفاصيل فأنا مجرد عضو لم تكن لدي التفاصيل كافة.
} هل تم فحص إبراء ذمة لمسئول؟
– لم نفحص أي إبراء ولكن كان من المفترض أن نبدأ بوزير العدل ولكن الجلسات لم تنتظم.
} هل من حق عضو المحكمة الدستورية ممارسة أي نشاط آخر وهو في هذه الوظيفة؟
– يحظر على القاضي ممارسة أي عمل أو نشاط لا يتفق مع واجبات الوظيفة القضائية واستقلال المحكمة، وذلك حسبما تفصله اللوائح بما يضمن كفاءة ونزاهة وتجرد ومصداقية القضاة.
} وهل يتمتع بنفس حصانات القضاة؟
– نعم ولا يجوز القبض عليه أو اتخاذ أي من إجراءات التحقيق معه أو رفع دعوى جنائية ضده إلا بإذن من رئيس الجمهورية ما عدا حالات التلبس.
} ما هي اختصاصات المحكمة الدستورية؟
– المحكمة الدستورية لها عدة اختصاصات منها الفصل في النزاعات الدستورية فيما يتعلق بين مستويات الحكم وأجهزته بشأن الاختصاصات الحصرية أو المشتركة أو المتبقية.
الفصل في دستورية القوانين والنصوص وفقاً للدستور الانتقالي تفسير النصوص الدستورية بناء على طلب من رئيس الجمهورية، حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ومن سلطات المحكمة الدستورية وفقاً للمادة (15) النظر والحم وإلغاء أي قانون أو أي عمل مخالف للدستور ورد الحق والحرية للمتظلم وتعويضه عن الضرر.
إصدار أي أمر إلى أي جهة في أي مسألة أمامها، أو شخص لإحضار الشخص المعتقل أو المحبوس أمام المحكمة بغرض النظر في دستورية الحبس أو الاعتقال.