هاااي من لاهاي.. نحن السابقون.. وأنتم اللاحقون !!
سلم كوشيب نفسه أم سلموه.. مشي بنفسه طواعية وطيب خاطر أم خطفوه..؟
تبعث قصة وقوع كوشيب في قبضة الجنائية برسائل قاتمة في بريد الدولة والشعب.. أولاها أننا دولة كما تمناها وسعى لها حمدوك، دولة بلا سيادة.. وثانيها أننا أمة كما تريد حكومتنا بلا كرامة..
كيف لدولة تنام أجهزتها نوم قرير العين وهي تفرط في صيد ثمين.. ومتهم خطير.. مثل السيد علي كوشيب..؟
إن مثال كوشيب وهو طليق.. بلا حسيب ولا رقيب وحال بلادنا مثل حالة ثور هائج في مستودع من كبابي البايركس.. أو لمبات النيون.. لقد كان السودان مضرب مثل في القدرة وارتياد المستحيل، فالبلد الذي كان يقال عنه إنه يجلب الأسد من الغابة ويدخله في قفص بحديقة الحيوانات يتفرج عليه أولاد العمارات والمصارين البيض، صار للأسف بلدا مبهدلا مهلهلا بلا إرادة لمحاكمة كوشيب ولا قدرة على حمايته من نفسه الأمارة ومن عواصم متآمرة غدارة..
إن كوشيب بالغ ما بلغ من السوء وحتى لو كان هو- والجن الأحمر سواء- فلا يجوز لأي جهة أن تصطاده كرهاً أو أن تقتاده طوعاً إلا من يد العدالة السودانية.. إذا رأت أنها غير مؤهلة لمحاكمته لا سمح الله.. إن كل الشواهد والمشاهد تشي بأن ثمة خيانة بدأت من الداخل.. وأكملت جميلها مع سيناريو مؤامرة من الخارج.. إنها بروفة لوضع السودان القادم القاتم تحت سلطة الانتداب الأجنبي.. كما سعى لها بجد وإخلاص الدكتور حمدوك..
إنهم يريدون لكوشيب أن يكون الطعم الذي يسوق كثيرين للفخ.. والذين يظنون بأن البشير وصاحبي سجنه بكوبر سيكونون هم آخر القائمة محتاجون لزيارة مصحة كوبر.. إنني أخشى أن تتحول معتقلات لاهاي إلى نسخة هولندية من النادي الكاثوليكي قبل ١١ ابريل ٢٠١٩م..
في حواره مع زينب البدوي في بي بي سي العام الماضي قال البرهان: إن (تسليم البشير للجنائية من عدمه مهمة الحكومة المنتخبة) والتي لو رأت (أن تسلمني أنا شخصياً فهذا من حقها) ..
إن البرهان رجل شجاع وطيب إذا ظن أن تسليمه للجنائية سيكون على يد حكومة منتخبة .. إذ سيكون تسليمه المؤكد المحسوم لفاتو بنسودا بيد الحاكم العام الجديد.. قبل مطلع العام الجديد.. ذلك أن حكومة منتخبة لن تسلم سودانياً للجنائية.. ولذلك فالحكومة المنتخبة ستكون حلماً بعيد المنال.. ولا توجد إلا في خيال الإمام الصادق..
وأن من ينتظرون انتخابات حرة وحكومة منتخبة وديمقراطية مستدامة.. في بلد ذي سيادة عليهم أن يحرروا أنفسهم مبكراً من حلم الحمار الذي ينتظر على جوع أحر من الجمر وعداً كذوباً بقرب ازدهار النجيلة..
وكأني بكوشيب يهتف بقميصه الأحمر من وراء القضبان منادياً ما بقي من اللجنة الأمنية.. (نحن السابقون وأنتم اللاحقون).