تقارير

الطريق الثالث للحل الوطني.. أفق بعيد لواقع سوداني مأزوم

يبدو واضحاً أن البلاد دخلت نفقاً مظلماً ربما يفضي إلى انفجار كبير قادم ما لم تبرز حلول جدية في خاتمة المطاف، ولا يبدو حالياً أن ثمة أملاً كبيراً في إيجاد حل وطني يلبي تطلعات السودانيين بمختلف انتماءاتهم السياسية يُخرج الوطن من حالته الراهنة.. والسياسات لدى طرفي الصراع هي التي أفرزت هذا الواقع، فالسلطة من جانبها تمترست وراء حلول ليست جدية وعميقة، وبدا واضحاً انسداد الأفق لديها في قضايا مصيرية كبيرة، كما أن المعارضة من ناحيتها ما زالت تتخندق وراء مصالحها الحزبية الضيقة وصراعاتها القديمة المتجددة التي لا تقدم حلولاً وطنية حقيقية، وبالتالي باتت الحاجة إلى طريق ثالث لحل الأزمة السودانية أمراً لابد منه ومطلوباً.
 المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية الدكتور “صفوت فانوس” يرى أن الرؤية لطريق ثالث موجودة بالفعل، لكن الغائب وغير الموجود هو الإرادة السياسية للتغيير والوصول إلى الحلول السياسية لأزمات السودان. ويشير الدكتور “فانوس” بوضوح إلى الحكومة صاحبة السلطة التي يقول إنه يتوجب عليها تقديم المبادرة  وامتلاك الإرادة حتى يتسنى للوطن الخروج من هذا النفق، ويضيف: لدينا أزمة في النيل الأزرق، ولدينا أزمة اقتصادية بسبب عدم الاتفاق مع دولة الجنوب بإرادة سياسية تشبه ما حدث حينما حل النزاع من خلال اتفاقية (مشاكوس) وبعدها (نيفاشا)، وبالتأكيد أوقعت تلك الاتفاقيات التي حققتها إرادة سياسية استقراراً اقتصادياً بدأت بعده الاستثمارات الأجنبية في التدفق، وتساءل الدكتور “صفوت” عن أين ذهبت تلك الإرادة؟ ويضيف: يمكن للحكومة أولاً أن تفتح الباب للمشاركة السياسية الحقيقية. ويضرب مثلاً بوجود تململ داخل الحركة الإسلامية يطالب بالإصلاح، وثانياً– يواصل-تنفيذ الاتفاقيات مع جماعات دارفور ومع الحركة الشعبية– قطاع الشمال ولا بديل غير ذلك سوى الحرب، وهي ليست حلاً، فقد جربنا الحلول العسكرية، والوضع الاقتصادي مرتبط مع تطبيع علاقاتنا مع دولة الجنوب. ويذكر “فانوس” أن علاقات السودان بدول الجوار والإقليم والمجتمع الدولي مرتبطة بحلحلة مشاكلنا الداخلية، وبعكسها سينسى العالم السودان بأكمله بما فيها دول الصين وروسيا واندونيسيا، حيث إن هذه الدول تبحث عن مصالحها الاقتصادية في ظل سودان مستقر وآمن، كما أن رأس الوطني نفسه سيهرب في ظل هذه الأوضاع.
وفي ظل دولة النزاعات المسلحة دائماً ما يتم تفعيل قوانين الطوارئ، وبالتالي يتم استخدام القوة المسلحة. هذا ما يقول به أستاذ العلاقات الدولية البروفسير “صلاح الدين الدومة”، الذي يقول متابعاً إن وضعاً مثل ذلك سيقتل أية (ثورة) في مهدها، ويعدّ حدوث (ربيع عربي) في السودان أمراً غير وارد إلا عبر العمل المسلح أو عبر خيار آخر يأتي عبر (الإنقاذ) نفسها، أي أن يختلف (الأخوة) فيما بينهم، بحيث ينتصر جناح على الآخر في طرفي الحكم، وفي هذه الحالة تخرج قيادة جديدة للحكم.. أما السيناريو الثالث- والحديث مازال للبروفسير “الدومة”- عبر (الطريق الثالث)، فيمكن أن يحل المشكلة السودانية، وهو أن يتواصل التدهور الاقتصادي والأمني، ويقول “الدومة” إن ذلك قد بدأ بالفعل وبشراسة، وهو يؤكد أنه سيصل إلى مرحلة محددة بحيث يفضي إلى (خليط) من العمل المسلح و(الانتفاضة الشعبية) و(النزاع الإنقاذي الإنقاذي). ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن هذا أرجح السيناريوهات التي يمكن أن تحدث وتفضي إلى انهيار النظام في خاتمة المطاف، ويضيف: هذا ما نشاهده قد بدأ يحدث الآن. إلا أن البروفيسور “الدومة” يعود ويقول إن هذا السيناريو تحدده (الإنقاذ) نفسها في كيفية إدارتها  للأزمة، ويقول إنها نجحت في ذلك ظاهرياً، بعضها حقيقي، لكن في حقيقته هم فاشلون، فالمشاكل الاقتصادية وانهيار الجنيه السوداني أمام الدولار وتوقف الإنتاج والصادر، هي ما حدت بالحكومة إلى بيع المؤسسات الكبيرة، وبالطبع فإن ذلك سيمد من عمر النظام لكن على حساب الوطن، وهذه ظاهرة خطيرة للغاية، فبعد قليل سنكتشف أن الوطن بأكمله قد بِيع إلى جهات أخرى.
ويرى الدكتور “محمد حسين أبو صالح” خبير التخطيط الإستراتيجي أن نظرة عميقة للواقع السوداني توضح، بعد مرور (59) عاماً على استقلال السودان الذي يحوي موارد طبيعية هائلة، توضح كيف أن دولاً أخرى برزت في نصف هذه المدة وباتت دولاً عظمى، مع أنها لا تملك ما نملك من مزايا. لقد خرج المستعمر بجيشه وطاقمه الإداري ولم تخرج الفكرة البريطانية، مع أن المطلوب هو الفكرة الوطنية، فالسودانيون لم ينتجوا فكرة وطنية خاصة بهم، والدليل على ذلك أننا حتى الآن لم نحدد مصالحنا الإستراتيجية وهذا أهم محور لإدارة عملية التنمية ومواجهة التنافس الدولي، ومن ناحية أخرى فإن الموارد الطبيعية للسودان جزء كبير منها يضعنا في مسرح الصراع الإستراتيجي حول المصالح الكبرى. يوجد غياب للرؤية الإستراتيجية، ولابد من إدارة حوار قومي حول قضايا الدولة السودانية بحيث يشمل ذلك الحكومة والمعارضة، حتى يتم التوصل إلى رؤية للدولة السودانية وليس رؤية للحكم. ومن أهم القضايا التي تدعم هذه الرؤية، هي الاتفاق حول قضايا جوهرية مثل العدل وبناء الدولة على أساس الكفاءة بعيداً عن العرق أو أي شيء آخر بخلاف الكفاءة، ويدعو “أبو صالح” إلى دخول السودان في حوار مع القوى الكبرى بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى القوى الإقليمية التي من بينها دولة جنوب السودان، ويرى أن ربط المصالح الإستراتيجية إقليمياً ودولياً هو المدخل لتحقيق الأمن والاستقرار.
وفي السياق يقول مدير (مركز الخاتم عدلان للاستنارة) الدكتور “الباقر العفيف” إن الحكومة الحالية (أفلست) ولم يعد لديها أي حل، فالمتحكمون في أمر السياسة في السودان دخلوا إلى مرحلة (القدرية)، فهم يرون نهايتهم في شبكة أشبه بالعنكبوتية إلا أنهم لا يستطيعون تفاديها، والسبب كما يقول، نتيجة لأفعال وأقوال وسياسات وارتباطات ومصالح، وفي النهاية وجدوا أنفسهم أنهم لا يستطيعون إصلاح أنفسهم أو تغيير الخط الذي يسيرون فيه، وهذا يتطلب تغيير الشخوص، وذلك ما لم يحدث حتى اليوم.. المعارضة من جهتها لم تستطع إقناع الشارع وتحريكه ولم تتوحد، ومن جهة أخرى فإن أزمة الأحزاب السياسية الكبرى تتمثل في أن لديها أزمة رؤية في المقام الأول، فهي لا تمتلك رؤية لبناء الوطن ولقيام دولة حديثة تقوم على الحقوق والأسس الواقعية لبناء السودان، وذلك أمر مستمر منذ الاستقلال، ولم تأتِ حكومة معبرة منذ ذلك التاريخ عن تكوينات الشعب الثقافية أو العرقية، لأن أساس الأزمة يتلخص في (العجز عن إدارة التنوع)، ويضيف “العفيف”: الحكومة الحالية (متعصبة)، وبالمقارنة بينها والأحزاب التقليدية، تجد أن هؤلاء (السادة) لديهم (الكياسة)، أما المخرج أو الطريق الثالث الذي يقدمه دكتور “الباقر العفيف”، فهو يتأتى من امتلاك البلاد لأحزاب وقوى شبابية تحمل آمالاً (ولكنها لا تحمل مشروعاً)، بالإضافة إلى المجتمع المدني والقوى التي تحمل السلاح التي ترفض ما يجري، بجانب الإصلاحيين داخل حزب (المؤتمر الوطني الحاكم) نفسه، هؤلاء جميعهم يشكلون المادة الخام لـ(الطريق الثالث)، فالدعوة للإصلاح والديمقراطية موجودة حتى داخل الحزب الحاكم، وداخل (جماعة الترابي) التي قالت إنها تابت عن الانقلابات العسكرية.. كل هذه القوى لديها مصلحة وفقاً لـ”العفيف” في إيجاد (طريق ثالث)، ويقول إن هذا (الطريق) يتمثل في إيجاد نظام ديمقراطي وليس إصلاحاً، ونحن كما يقول نحتاج إلى الإصلاح وإلى الديمقراطية.. والطريق الثالث– يزيد- يتشكل من كل هؤلاء، القوى التقليدية والشبابية، فهذه هي الفكرة التي سيلتفون حولها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية