السودان.. شبح الحرب الأهلية وإحتمالات السلام
جرحى وقتلى ونهب للممتلكات إثر إقتتال عشائري غرب وشرق البلاد
تقرير: رشان أوشي
إتهامات حكومية لجهات لم تسمها ، بمحاولتها تأجيج النزاعات العشائرية في السودان ، مع إحتقان الأوضاع الأمنية في غرب-شرق البلاد ، وتصاعد حدة التوتر بين بعض المجموعات السكانية في مدينتي “كسلا” شرقا، و”تلس” جنوب/غرب ، إثر إقتتال عشائري خلف جرحى ،قتلى ،حرق للمساكن ونهب للمتلكات ، إتهم مجلس السيادة جهات بالسعي للفتنة، وسبقه في ذات المنحى قائد ثان ،قوات الدعم السريع”عبدالرحيم دقلو”.
جنوبا بإتجاه الغرب:
كانت الفرقان الصغيرة التي تتناثر هنا وهناك، والقرى الوادعة في ولاية جنوب دارفور، تمضي ليلة رمضانية هادئة ،خاصة مع إنتشار جائحة “كورونا” وإعلان الحكومة لإجراءات أمنية صحية ، أهمها حظر التجوال ، أسواق تلك البقاع الوادعة تعمل في هدوء، ومع حلول شهر مايو ، يدخل مناخ جنوب دارفور فصل الخريف الصاخب ، السماء تستدعي الغيمات المحملات بالمطر، شجار صغير بين شباب من المجموعات السكانية في احدى القرى تطور إلى صدام خلف جرحى وقتلى من الطرفين ، وأخذت الأوضاع منحا دمويا ونزاعا عشائريا ،نهبت على إثره ممتلكات للمنتمين لقبيلة “الفلاتة” ، إتهموا جيرانهم “الماهرية”، (إحدى بطون الرزيقات) بالعدوان ، وأحيل نهار المنطقة الى جحيم إقتتال عشائري دامي ، تدخلت على إثره القوات الحكومية .
وهرع قائد ثان قوات الدعم السريع الفريق/ “عبدالرحيم حمدان دقلو” الى مكان الحادث المأساوي ، وإنتشر القوات بحثا عن متفلتين.
إتهم “عبدالرحيم دقلو” جهات لم يسمها بالسعي لتلطيخ سمعة الدعم السريع ، وتوريطه في نزاعات اهلية لا علاقة له بها، وقال في تصريح خاص ل(المجهر) ان قواته تعمل الآن على بسط هيبة الدولة وسيادة حكم القانون اولا ، خاصة في منطقة تلس التي تشهد تواجدا أمنيا ضعيفا يشجع المتفلين على ارتكاب جرائم النهب ، مشيرا الى توجيهاته بالقبض على كل الجناة من الطرفين وتقديمهم للمحاكمة ،مؤكد على انهم بالفعل القوا القبض على عدد كبير من المتهمين في الاحداث الاخيرة ، واتهم “دقلو” جهات لم يسمعه وصفهم بأعداء الامن والاستقرار واعداء الدعم السريع بمحاولة توريطه في النزاع العشائري الأخير .
الضفة الأخرى:
بينما أنظار الإعلام الرسمي والبديل معلقة على أحداث جنوب دارفور ، وفواجعها التي كادت أن تنسف نسيجها الإجتماعي، وصلت غيمات النزاع الى شرق السودان ، إقتتل “النوبة” ، و جيرانهم “البني عامر” في أطراف مدينة “كسلا” ، (460) كيلو متر من العاصمة الخرطوم ، كما العادة شجار صغير بين شباب تطور الى إقتتال عشائري ، حرق للمساكن ، قتلى، وجرحى، ومعتقلين ، فضته القوات الحكومية ، صنعت جدارا بشريا عازلا بين الأهالي ، ساهم في تهدئة الإمور نسبيا.
وبحسب ناشطين وقيادات مجتمعية من أبناء المنطقة فالأمر لا يعدو كونه مجرد مشاجرة حدثت بسبب خلافٍ شخصي، بين أفراد من المكونين الاجتماعيين بالمدينة “النوبة” و”البني عامر” تم فيها استخدام السلاح الأبيض، نجم عنها إصابات وصفوها بالخفيفة بادئ الأمر. لكن فاقم الأمر، من وجهة نظرهم، بسبب تدخل أشخاص، ذوو أغراض سياسية، بالإضافة إلى اتهام الجهات الأمنية بالتقصير، ليشارك في الأحداث لاحقًا وبشكل جماعي عدد من الأفراد من الجانبين الذين قاموا بالتعدي على بعضهم البعض، وحرق عدد من المنازل السكنية التي تخص طرفي النزاع، بلغت عدد أكثر من أربعة منازل بحسب مصادر. ما ترتب عليه تزايد وتيرة العنف، التي توفي جراءها شخصُ واحد على الأقل بالإضافة إلى إصابة آخرين.
خرج مجلس السيادة، بييان تلي على التلفزيون الرسمي ،ممهور بتوقيع رئيسه الفريق اول/ركن”عبدالفتاح البرهان”، دعا فيه المواطنين لتفويت الفرصة على دعاة الفتنة الذين يسعون إلى هدم قيم مجتمعنا السوداني السمحة والنبيلة والوقوف إلى جانب صوت الثورة الرامي إلى بناء الوطن،،، وطن خالي من العنصرية والجهوية،،، وطن يسع الجميع بحسب ما ورد في البيان الذي تلقت (المجهر) نسخة منه، ووجه سيادته القوات النظامية جميعا بالتصدي لكل من يريد أن يعبث بأمن المواطن والمحافظة عليه بما كفل لها القانون من صلاحيات بلا تردد أو تهاون بل بالحزم والحسم المطلوبين بما يؤمن البلاد والانفس والأموال، وقال: “سنقف جميعاً مصطفين ضد المتأمرين أعداء الشعب ويداً واحدة في وجه أعداء ثورة الشعب المجيدة” .
تلك الأحداث اثارت إستفهامات كبيرة بين الاوساط السياسية في البلاد ،وإعتبرها بعض المراقبون بفعل فاعل ، وأن هناك من يسعى لتهيئة البلاد لحرب أهليه محتملة ، حال لم تتمكن الدولة من إحكام سيطرتها الأمنية على الاطراف ، وحسم بوادر النزاع.
وفي ذات السياق لم يستبعد المحلل السياسي والباحث الأكاديمي “النور آدم” في حديثه ل(المجهر) “نظرية المؤامرة” من الأحداث الدامية التي شهدها غرب ، وشرق السودان متزامنة ، مشيرا الى دولا تسعى لزعزعة الأمن بالبلاد بمعاونة بعض الفاعلين السياسيين داخليا، منبها الى الزخم الإعلامي والاتهامات المتبادلة والضجيج الذي يصاحب احداث العنف الأهلية بين العشائر في اقاليم السودان ، مشيرا الى تزامن احداث الجنينة واحداث بورتسودان قبل أشهر ، وغيرها من النزعات الأهلية التي تحدث بشكل متباعد، مطالبا بضرورة احكام السيطرة الأمنية على الأقاليم والإهتمام بقضايا بدلا من التركيز الكبير فقط على العاصمة الخرطوم .