تتعدد تعريفات التضخم ولكنها تتلخص في أنه ارتفاع متواصل في الأسعار والسعر بشكل عام، يتوسط بين الطلب والعرض على السلعة أو الخدمة. وهنالك سعر سلعة أو خدمة منفردة، كما أن هناك السعر العام في الاقتصاد ككل، ولكلٍّ محدداته. فالسلعة يحدد سعرها تكلفتها وأحوال ندرتها أو الطلب عليها أو سعر سلعة أخرى منافسة لها أو التوقعات في بيئة تضخمية، كما تتفاوت في درجة الاستجابة للتغير في الأسعار والدخول. أما السعر العام الذي يرتبط به التضخم فتعرفه مؤشرات، لها محددات خاصة، فهنالك مؤشر لأسعار الواردات، ومؤشر لأسعار المنتجات في باب المصنع أو المزرعة، وأسعار بيع الجملة، وأسعار بيع القطاعي التي تعرف أيضاً بأسعار المستهلك.
ومؤشر أسعار المستهلك هو المؤشر المتوفر في السودان، ويتم تقديره استناداً على دراسة أجريت في عام 2007 التي اعتبرت سنة الأساس، شملت (3036) أسرة في كل ولايات السودان، استخلص منها سلة معيارية تحتوي على (633) سلعة وخدمة تستهلكها الأسرة، وتشتمل السلة على (12) مجموعة من السلع والخدمات، لكل منها وزن حسب أهميتها في استهلاك الأسرة، ولمجموعات الأغذية وزن (52%)، وللخدمات وبقية السلع نسبة (48%)، استحوذت مجوعة اللحوم على الوزن الأكبر في السلة (12%)، يليها مجموعة الخبز والحبوب (11%)، ثم البقوليات (9%)، ثم مجموعة اللبن والجبن والبيض (5%). أما السلع والخدمات فأهمها مجموعة السكن والمياه والكهرباء والوقود (14%)، يليها النقل (8%)، ثم التجهيزات والمعدات المنزلية، وأعمال الصيانة (7%)، ثم الملابس والأحذية (5%).
وتُقيم السلة شهرياً في كل ولاية منسوبة إلى قيمتها في سنة الأساس للحصول على السعر العام للولاية، أما مؤشر الأسعار القومي فيحسب كمتوسط مؤشرات الأسعار لكل الولايات؛ مما يعني أن هذه المؤشرات قد تكون أحياناً دون المؤشر القومي في بعض الولايات، وفي بعضها الآخر أعلى منه. أما التضخم في السودان فيحسب كنسبة التغيير في مؤشر الأسعار القومي.
والتضخم الذي قد يرفع جميع أسعار مكونات السلة، بجانب سعر الصرف، تتسبب فيه عوامل الطلب والعرض الكليين للسلع والخدمات، وتناظر تحركات الفجوة بينهما التغير في الكتلة النقدية المكونة من النقود لدى الجمهور والودائع لدى الجهاز المصرفي. ويعرف التضخم أيضاً بأنه نقود كثيرة تطارد سلعاً وخدمات قليلة. ويستنتج من هذا أن التغيير في كتلة النقود الذي قد يكون بحجم كبير يتم بقرار سيادي يؤثر في التضخم بأكثر من تأثير زيادة الإنتاج التي يصعب تحقيقها. ولقد بينت التجربة في التسعينيات أن التحكم في هذا التغيير هو العامل الأهم في خفض معدلات التضخم، أما العوامل الأخرى الداخلية والخارجية المتمثلة في تدهور شروط التبادل التجاري وأسعار السلع المستوردة فأهميتها تبرز أحياناً. كما وضحت البيانات أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي يمثل العرض الكلي لم يواكب نمو الكتلة النقدية منذ سبعينيات القرن الماضي.
عوامل عديدة خلقت بيئة لانفلات الطلب الكلي، ففي سبعينيات القرن الماضي طفرت أسعار النفط ونشأت سوق عالمية لفوائض عائداته سهلت اقتراض السودان من الخارج؛ مما ترتب علية زيادة كبيرة في الكتلة النقدية. أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة فكت ارتباط الدولار بالذهب؛ مما تسبب في تعويم العملات الذي نجم عنه ترتيب خاص لسعر صرف الجنية السوداني، وإصداره دون غطاء من العملات القابلة للتحويل. حفزت هذه التطورات بعض الاقتصاديين الذين يرون أن الاستدانة من الجهاز المصرفي ونمو الكتلة النقدية لا يسبب تضخماً طالما تخصص للتنمية وزيادة الإنتاج الزراعي الذي يثبط نمو الأسعار. ولقد دحضت بيانات التضخم منذ السبعينيات هذه الرؤية، إذ بلغ ذروته (132%) في عام 1996م، ثم انحسر بسبب ضبط نمو الكتلة النقدية، وفي العقد المنتهي في 2020 عاود التضخم ارتفاعه لا سيما في مجموعة الأغذية.
أصبح التضخم ضريبة غير مباشرة لحشد الموارد يقع عبئها على الفقراء بغرض تمويل عجز موازنة، ولقد صار هذا النمط من التمويل غير مقبول لتسببه في غلاء المعيشة، وتمهيد التنمية تخلق وظائف، وتخفف من الفقر، لابد من إيقاف التضخم بضبط عجز الموازنة وتمويله من مدخرات الجمهور بدلاً من البنك المركزي، والحرص على نمو الكتلة النقدية بما يتناسب مع نمو الاقتصاد، بجانب توفير احتياجات المستهلك من اللحوم والحبوب والبقوليات.