حوارات

مسؤول لجنة الفكر والحوار بـ(سائحون) دكتور "محمد المجذوب" لـ(المجهر)

دخلت (السائحون) ساحة العمل القومي عبر تدشينها مبادرة نداء الإصلاح والنهضة، ووفقاً لأبرز قيادات المجموعة “محمد المجذوب” فإن المبادرة معنية بالتواصل مع قطاعات الشعب السوداني ككل، والرسالة التي يحملونها للآخرين هي أن يسمعوا منهم لا من غيرهم فيما يتعلق بتحديد مواقفهم إزاءها.. هذه المبادرة تأتي بعد تغيير كبير طال هذه المجموعة على المستوى السياسي والثقافي، لا سيما أنها تضم مجموعات عرفت في أوقات سابقة بالتشدد حيال كثير من الملفات القومية.. (المجهر) جلست مع دكتور “محمد المجذوب” في حوار تناول النقلة التي طرأت على المجموعة ومستقبل ما تسعى إليه في قادم الأيام.. فإلى تفاصيله..

} دعنا نبدأ بسؤال محوري.. هل اللجوء إلى وثيقة (نداء الإصلاح) اعتراف من المجاهدين بعدم نجاعة الجهاد في حل مشاكل السودان؟
– نحن نفهم أن للجهاد معنى عاماً وشاملاً، قد يكون بالقتال وقد يكون بالكلمة، كما أمر الله المؤمنين بالقتال جهاداً في سبيله، وأيضاً أمرهم بالجهاد (وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)، نحن نتعامل مع الجهاد بمفهومه الواسع المدني والعسكري والإصلاحي، وحتى الثوري والقتالي، وعلى هذا الأساس نرجو أن لا ينظر إلينا الآخرون بوصفنا مجموعة من المقاتلين.. نحن لسنا كذلك، وإنما أصحاب فكرة ومشروع إصلاح في جوانب تستحق الانتباه والمناقشة مع الآخرين.
} على المستوى القتالي.. هل اقتنعتم بعدم جدواه في حل أزمات السودان؟
– ما بدا لنا من التجربة أن الحلول السلمية مقدمة على الحلول العسكرية، وبالإمكان تحقيق كثير من المنجزات الضخمة في سياق سلمي، ومجتمع يقوم على القيم السلمية واحترام الآخر، والتداول السلمي للسلطة ودولة القانون، وأن نحترم جميعاً الإرادة الشعبية، وأن لا يفرض أحد خياراته عن طريق القوة والبندقية.
} ماذا أردتم من وثيقة (نداء الإصلاح)؟
– جوهر ما ترمي إليه المجموعة هو لفت الانتباه إلى مشروع الإصلاح بوصفه مشروعاً حيوياً وضرورياً للحياة السودانية التي تعاني من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن هنا تصبح الدعوة إلى الإصلاح ضرورية وحيوية لبقاء الوطن وتماسك المجتمع، لأن هذه الأزمات إذا لم تجد المعالجات الضرورية على المدى القريب والمتوسط ستستفحل وتؤدي إلى تفكك الدولة وانهيار المجتمع، وهذه نتيجة غير مرجوة، لذلك كان التداعي لفكرة (نداء الإصلاح والنهضة) بمثابة دعوة للإصلاح ومن ثم للنهضة نفسها.
} تحدثتم عن الإصلاح الفكري من وجهة نظركم وهناك مدارس فكرية تعبر عن قناعات مختلفة في السودان.. فكيف يمكن تحقيقه؟
– هذا أمر متوقع لأن المجموعة من حيث هي دائماً تستند إلى المرجعيات الإسلامية، وتنادي بفكرة الهوية الإسلامية كمدخل لمواجهة وحل المشكلات الاجتماعية والثقافية، وهي ليست مجموعة منغلقة.
}بمعنى؟
– بمعنى أنها تؤمن بإمكانية التواصل والحوار كأساس لبناء المفاهيم المشتركة في الحياة، وأنا لست منزعجاً إذا نادى طرف من الأطراف بفكرة العلمانية مثلاً في الحياة السودانية شريطة أن تقوم هذه الدعوة على أسس سلمية وبإقناع واحترام الآخر، وأية دعوة تقوم على أساس من الحجة والبرهان مرحب بها، بل تعد دليل عافية، ووجود التنوع على المستوى الفكري والإيديولوجي والثقافي في السودان مهم لأنه يعصم البلد من القبلية والتحزب والجهوية والتشتت الشعوبي والتباين على المستوى الاجتماعي، فإذا عبر عن نفسه من خلال تباين ثقافي سيكون هذا أدعى إلى الحوار العاقل الذي يمكن الوصول به إلى نهايات، طالما أن أي طرف قادر على عرض ما يؤمن به على أساس من الحجة والعقلانية والمقبولية بعيداً عن قوة السلاح.

} أفهم أن المجموعة مستعدة لتقديم تنازلات في هذا الجانب؟

– تنازلات بأي معنى؟!

} بمعنى أنها ستتفق مع الأطراف حال الاتفاق على حكم غير إسلامي؟

– بالنسبة لنا، من المهم أن يمر الدستور عبر الإرادة الشعبية ولا يفرض من قبل نخبة سواء كانت حاكمة أو محكومة، ومن هذا المنطلق مجموعة (السائحون) تقدم رؤى أكثر مقبولية للمجتمع السوداني من حيث إنها تنادي بضرورة أن تتم (شرعنة) الدستور من خلال جمعية تأسيسية منتخبة مهمتها تبدأ وتنتهي بصياغة الدستور والقوانين الملازمة له، ولا تحتكر هذا العمل نخبة من خلال لجنة قومية تفرضها الدولة أو من خلال مؤتمر دستوري، كما تنادي أطراف المعارضة. وحال تحقيق ذلك، فإن (السائحون) سيرتضون هذا لأنهم يثقون في ثقافة هذا الشعب، من ناحية انتمائه للثقافة الإسلامية، ومن ناحية إيمانهم بإمكانية الحوار والتدافع مع القوى الأخرى، طالما أن هذه القوى تنتهج سبيل الحوار والسلم.

} ما طبيعة العلاقة بين (السائحون) والحركة الإسلامية؟

– من الناحية التاريخية، هذه المجموعة في قطاعها العريض تنتمي إلى المجاهدين، والرصيد الأساسي لهذه المجموعة من هذا القطاع الحيوي وهو قطاع ينتمي للحركة الإسلامية، ومن ثم هم من داخل بيت الحركة الإسلامية، وميزة هذه المجموعة أنها ليست قاصرة على حزب معين. هم لا ينتمون فقط للمؤتمر الوطني كما لا ينتمون فقط للمؤتمر الشعبي، ولا ينتمون إلى ما يسمون بـ(المعتزلة) (سكان الرصيف).. هم خليط من هذا كله.

} هل هناك حلول تنوون طرحها لترميم الحركة الإسلامية؟

– المبادرة تطرقت إلى حلول فيما يتعلق بالموقف حيال الحركة الإسلامية، إذا ما كان الخيار هو الوحدة والإصلاح أو بقاء الأوضاع على ما هي عليه أو الدعوة إلى إنشاء تيار ثالث غير التيارات الموجودة في الحركة الإسلامية.

} ما هو الخيار الذي يحظى بقبول وسط (سائحون)؟

– هذا الموضوع إلى الآن يتبلور، ولم يتفاعل بعد أو ينته إلى نتيجة، لكن غالب المناقشات التي تتم تشير إلى أنهم ميالون إلى خيار الإصلاح الذي يقف معه السواد الأعظم من المجاهدين، وثمة صوت آخر يريد إبقاء الأوضاع على ما هي عليه، وصوت ثالث وهو أقل من حيث العدد ينادي بتكوين تنظيم إسلامي جديد. والراجح من هذه الخيارات هو الخيار الذي ينادي بالإصلاح والوحدة، وبناءً على هذا هناك مجموعة تعمل لهذا الخيار.

} ما تقييمكم لمستوى الأداء في هذا الجانب؟

– هذا موضوع شائك ومعقد وفيه التباسات سياسية وتنظيمية وفكرية، وربما حتى شخصية، والمجموعة تريد الدخول في غمار هذه المسألة ولا تستعجل النتائج بمعنى أنها ليست بيدها سلطة تفرضها على أحد الأطراف لا الطرف الآخر، لكنها تحاول أن تحدث اختراقاً في هذه الأوساط خاصة وسط قواعد الحركة الإسلامية التي هي صمام أمان بقائها في السودان.

} مع من تحاورت (السائحون) حتى الآن؟

– المجموعة تحاورت مع أطراف لها مكانة في المؤتمرين الوطني والشعبي.

} مثل من؟

– السائحون التقت بالأمين العام للحركة الإسلامية “الزبير أحمد الحسن”، ودكتور “غازي صلاح الدين” رئيس كتلة المؤتمر الوطني في البرلمان، وشيخ “الترابي”، والدكتور “بشير آدم رحمة”، ودكتور “الأمين”، و”سليمان حامد” وغيرهم.

} ما هي ردة فعلهم؟

– المبادرة قوبلت بترحاب كبير من الطرفين، وكلاهما أمن على فكرة الإصلاح باعتبارها مخرجاً لأزمات البلد بشكل عام والحركة الإسلامية على وجه الخصوص، إلا أن كلاً منهما يطلب المزيد من المناقشات حول هذه الموضوعات، لأنها كما ذكرت ليست من شاكلة التي تُحل بين يوم وليلة.
} متى ستلتقون بهذه الأطراف؟
– في المنظور القريب، هناك إعداد للقاءات مكثفة مع هذين الطرفين، وهذا الملف في المجموعة نفسها يدار بواسطة مجموعة خيرة من الإخوان، تعكف عليه، وتحاول تقريب وجهات النظر وطرح المراجعات الفكرية والتنظيمية والسياسية وما يمكن أن يشكل بيئة لمثل هذا النوع من العمل الإصلاحي.
} هل ستلتقون بالرئيس “البشير”؟
– نعم، هناك إعداد لهذا المسعى لكنه لم يتم بعد.
} لماذا؟
– لترتيبات داخلية خاصة بالمجموعة نفسها.
} مع مَن مِن القيادات المسؤولة ستلتقي المجموعة؟
– هناك رغبة في الالتقاء بالدكتور “نافع” و”علي عثمان” وغيرهما من قيادات الحركة السياسية والتنظيمية في المؤتمر الوطني.. كل ذلك قيد الإعداد والترتيب.
} ما طبيعة العلاقة بينكم والحكومة؟
– على وجهه العموم، أي طرف جلسنا معه وطرحنا عليه فكرة الإصلاح وعرضنا عليه المبادرة، كانت ردة فعله الابتدائية هو القبول غير المشروط لهذه الدعوة، لأنها تخاطب مشكلات السودان والحركة، وهناك اتفاق من الجميع أنها تقدم نوعاً من الخطاب المتقدم بالنظر إلى ما سواه من خطاب تم خلال الفترات السابقة.

} هناك من يعتقد بوجود علاقة تربطكم بالحكومة على خلفية عدم تعرضها إلى ما يصدر من قبلكم؟

– هذا يعود إلى ما طرحته المجموعة، فإذ كانت طرحت خيار العنف لا شك سيتم التصدي لها بالعنف من قبل السلطة السياسية، لكن المساحة التي أشرت إليها من قبل السلطة السياسية، تعود إلى طبيعة المشروع الإصلاحي المطروح من المجموعة، وبأي حال لا يمكن مقاومة مشروع الإصلاح لأن الكل يؤمن بحيويته وأهميته، هذا على الأقل ما ذكرته رموز مهمة داخل الحكومة، خاصة “الزبير محمد الحسن” الأمين العام للحركة الإسلامية الذي قال إنه ينوي القيام بفعل إصلاحي داخل الحركة الإسلامية في المؤتمر الوطني، لذلك فكرة الإصلاح لا يمكن مقاومتها بواسطة أي إنسان، سواء كان داخل السلطة أو خارجها، وأعتقد أن هذا سر قوة المجموعة.. من ناحية أخرى هي تمثل طيفاً واسعاً من المجاهدين، وهذا مجموع واسع من الناس، لكن المجموعة تدرك أن ملف الحركة الإسلامية ليس سوى ملف واحد من ملفات البلد المعقدة والمركبة، لذلك هم ميالون إلى الانفتاح نحو مشاكل البلد ككل.

} أما كان الأجدى ترميم العلاقة مع الحركة الإسلامية أولاً؟

– المتأمل لطبيعة المشكلات في السودان يجد أنها لا يمكن عزلها بجدار عازل باعتبار أن هذه المشكلة تخص الحركة الإسلامية وتلك مشكلات تخص الوطن، لأنها متداخلة ومعقدة بحيث لا يمكن أن تمارس نوعاً من الإصلاح الجزئي في ملف من الملفات وتترك سائرها، حتى فيما يتعلق بإصلاح الأحوال داخل الحركة الإسلامية فإنك ستواجه بإشكال متعلق بالحرية والتداول السلمي، وهذه مشكلات ذات طبيعة عامة، هذا فضلاً عن أن المجموعة نفسها ترى أن موضوع الوطن من الأهمية بمكان، وإن كانت هناك أولويات بالضرورة فالأولوية للوطن، لأن بقاء الوطن يعني بقاء الحركة الإسلامية، وذهابه يعني ذهاب الجميع.

} المجموعة قريبة من الإسلاميين وطرحها قومي.. ألا تخشون أن تصاب التجربة بلعنة الإسلاميين في السلطة؟

– هذا شيء متوقع، حتى في طوافنا في بعض الولايات كان دائماً ما يتم تحميل المجموعة سوءة الإنقاذ وما جرى في التجربة الإسلامية، وكان الجميع يشير بصورة مباشرة، أنكم أنتم الذين ثبتم المشروع ودافعتم وقاتلتم عنه، وقُتل في سبيل ذلك كثير من أصحابكم.. كيف تأتون اليوم برؤى إصلاحية؟!

} بماذا أجبتم؟

– كانت الإجابة بسيطة، أن من قاتل في سبيل بقاء الإنقاذ كان يقاتل في سبيل بقاء الفكرة الإسلامية والمشروع الإسلامي في البلاد، وعندما يأتي نفس المقاتل ليطرح فكرة الإصلاح فإنه يتعامل مع نفس الفكرة، فليس هناك تناقض بين الموقفين، الموقف السابق المعني بالدفاع المباشر عن حياض الدين والوطن في جنوب السودان، وبين الدعوة إلى إصلاح المشروع نفسه.. فما هذه إلا امتداد لتلك بدون إحساس بالتناقض.
} متى نتوقع صدور مسودة الوثيقة النهائية؟
– من الصعب تحديد آجال للفعل السياسي، لكن هذه تعدّ رؤية مفتاحية قابلة للإضافة والحذف والتعديل، ومطروحة للمناقشة، والانفتاح والحوار مع القوى الحية في المجتمع، وإمكان إقامة شراكة معها، كما أن المبادرة ليست معنية فقط بالنخب السياسية، وإنما منفتحة على النخب السودانية في مجموعها سواءً كانت العشائر أو القبائل، ونوعاً ما الطرق الصوفية والمثقفين والفنانين والكتاب والرياضيين.. كل القوى الحية اللصيقة بمشروع الإصلاح، وهذه ميزة مهمة.
} ما موقفكم من الحركات المسلحة؟
– ليس ثمة موقف مسبق لرفض الحوار مع هذه الحركات، لكن إلى الآن لا أعلم أن حواراً مثل هذا قد تم. في وجه العموم نحن نتحاور مع كل السودانيين طالما هم مواطنون في هذه البلاد.
} يقال المجموعة نشطت بعد محاولة “ود إبراهيم” المحسوب على المجاهدين ككرت ضغط على الحكومة؟
– لا أظن ذلك، المبادرة طرحت قبل ما عرف بالمحاولة الانقلابية الأخيرة المسماة بـ”ود إبراهيم”، فهي تاريخياً ارتبطت بحراك اجتماعي وسط المجاهدين تم على مستويات مختلفة، ثم تبلور إلى أن وصل إلى هذه الوثيقة. أما هذا الحدث فقد جاء لاحقاً، وموقف المبادرة تجاهه كان واضحاً، هو أن الإصلاح لا يتأتى بانقلاب العسكري، وفي مقابل من تم اتهامه يجب أن يذهب إلى القضاء ليفصل في الأمر، فليس هناك ارتباط بين مشروع المبادرة وهذا الحدث.
} (السائحون) اسم يعبر عن قناعات مجموعة جهادية واليوم تطرحون طرحاً عاماً.. ألا تنوون تغيير الاسم؟
– ليس الغد، ولكن اليوم، المبادرة تخلت عن تسمية (السائحون) وتعرض نفسها بوصفها (نداء الإصلاح والنهضة)، وهو مفتوح لفترة من الزمن حتى يجد فيه الآخرون مجالاً للنظر. و(السائحون) لم تعد إلا مرحلة من مراحل تطوير المبادرة نفسها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية