الخرطوم ـ رقية أبو شوك
قبيل أن ينقضي الربع الأول لموازنة 2020م، أكدت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي أنها شرعت في إعداد موازنة جديدة سيتم تمريرها على مجلس الوزراء الأسبوع القادم لإجازتها، وعزت أسباب إعداد الموازنة الجديدة إلى جائحة كورونا وتأثيرها على الصادرات بسبب إغلاق المطارات والمعابر ومن ثم أثرت الصادرات على توفير السلع ذات الارتباط المباشر بالاستيراد كالوقود، خاصة وان مجلس الوزراء كان قد وجه بتخصيص موارد الميزانية للصحة وإعطائها أولوية، الأمر الذي اضطرهم للشروع في إعداد موازنة جديدة لمعرفة حجم الموارد المتاحة ومعالجة أزمة الوقود.
السؤال الذي يفرض نفسه.. هل ستحل الموازنة الجديدة أزمة الإيرادات ومشكلة الوقود والسلع الإستراتيجية الأخرى، وما هي الأسباب والدواعي.. وهل الموازنة الجديدة ستجد موارد كافية لمقابلة متطلبات المرحلة؟
} لماذا موازنة جديدة؟
جائحة كورونا بالفعل تسببت في الكثير من المشاكل الاقتصادية وأوقفت دولاب العمل، مما اضطر الكثير من الدول لتوفير موارد وإيرادات لمقابلة المستجدات التي أظهرتها الكورونا، والسودان ليس بمعزل عن هذه الدول، إلا أننا في السودان كنا قد بنينا موازنتنا على إيرادات من دعم الأصدقاء، الأمر الذي أخر إجازة الميزانية بعض الوقت وإخضاعها لمزيد من النقاش من قبل الأطراف ذات الصلة.
كان من المفترض وكعرف سائد دولياً ومعروف، مناقشة أداء الربع الأول الذي لم ينقضِ بعد ومعرفة أداء الموازنة ومعرفة الإيرادات الحقيقية والمنصرفات وعرضها للرأي العام، ومن ثم وضع كل هذه الأشياء في الاعتبار قبيل الإعداد والشروع في الميزانية الجديدة، فالإيرادات التي أجيزت كانت (568.3) مليار جنيه، والمنصرفات (584.4) مليار، وبلغ العجز (16.1) مليار جنيه، وكانت الموازنة قد حددت مبلغ (4.14) مليار دولار العائد الكلي للصادرات، إلا أن وقف الصادر بسبب الكورونا أدى إلى إعاقة الصادر، وربما يحول دون تحقيق هذا الرقم، وبالتالي سيظهر العجز في الميزان التجاري بسبب صعود قائمة الاستيراد وهبوط الصادرات.
وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، د.”إبراهيم البدوي” كان قد أكد بعد إجازة الموازنة وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده بـ”وكالة السودان للأنباء”، أن الموازنة الحالية هي موازنة منظومة إصلاحات ومعالجة للاختلالات والقضاء على الفقر والتركيز على الصحة والتعليم وزيادة اعتمادات الصحة من (16) مليار جنيه إلى (51) ملياراً، مع الالتزام بمجانية التعليم وتوسيع مظلة التأمين الصحي ومعالجة الأجور والمرتبات، وقال إن تمويل الموازنة يعتمد على ثلاثة أنواع من الإيرادات، (158) مليار جنيه منها “ضرائب وجمارك”، بما يعادل (8%) من الناتج المحلي الإجمالي، وتشكل الإيرادات الأخرى (253) مليار جنيه، والمنح والقروض (158) ملياراً من مؤسسات التمويل الدولية، إلا أنه أكد أن الصناديق الممولة لديها متأخرات على السودان، وأن النظام البائد فشل في دفع المتأخرات.
هذه هي الإيرادات التي بنيت عليها الموازنة، ولكن إجازة ميزانية جديدة بسبب كورونا وتأثيرها على الصادرات وضعت علامات استفهام وتساؤلات كثيرة من شاكلة هل أن صادر الذهب والذي تأثر بجائحة كورونا، كان من ضمن الإيرادات الحقيقية لدعم موازنة الدولة؟
(المجهر) وضعت أمام الخبراء السؤال.. لماذا موازنة جديدة.. وهل من الطبيعي أن نعد موازنة جديدة لمقابلة المتطلبات التي أحدثها فيروس كورونا المستجد وغيرها من الأسئلة.
} إعادة النظر في الميزانية
رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان الأسبق، والاقتصادي المعروف د.”بابكر محمد توم” أكد أن جائحة الكورونا تعتبر حدثاً كبيراً يستدعي إعادة النظر في الموازنات (اقتصاد قبل وبعد وأثناء الكورونا))، وقال لكل مرحلة مكونات ونتائج مختلفة، وأضاف (شاهدنا العالم كله أصبح يوجه موارده لمحاربة الفيروس المستجد، وشاهدنا أيضاً دولاً بدأت تحسب الأثر الانكماشي في قطاعات الإنتاج والتوزيع وتوجيه أو نقل الموارد أو تحويلها من الاستخدامات العادية اليومية إلى الطوارئ، ولاحظنا خلال الكورونا أيضاً قلة الإيرادات وزيادة النفقات، مما يستدعي معالجة الأمر.
وقال إن الكثير من الدول مثل فرنسا وأمريكا وإيطاليا وغيرها، أصبحت تضخ موارد إضافية لكي تواجه زيادة النفقات، وبالتالي منطقي جداً أن نعد موازنات إضافية لمواجهة المرحلة الآنية.
وحسب “التوم” فلا بد من استشراف واستطلاع المرحلة ما (بعد الكورونا) وأن نواجه المرحلة بواقع جديد للإعداد للموسم الزراعي الصيفي، ودعا في حديثه لـ(المجهر) أن لا تكون الموازنة الجديدة للكورونا فقط، وإنما لمرحلة ما بعد الكورونا، وذلك حتى لا يكون النمو سالباً، وعلى وزارة المالية وضع سياسات جديدة لتلافي هذه المرحلة الصعبة.
د.”عز الدين إبراهيم” وزير الدولة بالمالية الأسبق أكد في حديثه لـ(المجهر) أن موازنة 2020م بنيت على افتراضات متفائلة، وقال إن أهم شيء افتراضي فيها وكان غير واقعي، هو أن السودان سيستلم منحاً بما يعادل نسبة (64%) من الإيرادات، مشيراً إلى أن الدول المانحة تأثرت أوضاعها الاقتصادية بكورونا وهبوط أسعار النفط عالمياً، وأضاف “ومن هنا جاء الافتراض غير الواقعي”، وقال موازنة المالية لا بد أن يدخل فيها ما تملكه الحكومة، فالذهب ليس ملكاً للحكومة وإنما ملك للأهالي، وزاد: (أكبر خطأ وقعنا فيه هو افتراضنا على المنح).
وحسب “عزالدين” فإن انقطاع التيار الكهربائي أثر تأثيراً كبيراً على الإنتاج والمصانع ومن ثم انعكس ذلك على رسوم الإنتاج والقيمة المضافة، وتابع بالقول: (المنصرفات أيضاً كان لها تأثير خاصة ما تم إعلانه من خلال الموازنة كمجانية التعليم و500 جنيه دعم للأسرة الواحدة والوجبات المجانية للمدارس)، مؤكداً أن الميزانية بها خلل في الإيرادات والمنصرفات، لذا لا بد من إعادة النظر فيها وإرجاعها لتكون أكثر واقعية، ولا بد من التمسك بالمثل الشعبي (مد رجلينك على قدر لحافك).
ووفقاً للوزير الأسبق فإن هدف الميزانية بعد إعادة النظر فيها، لا بد أن يكون هدفاً واحداً هو التوجه نحو توازن الميزانية بغرض مكافحة التضخم والتدهور في سعر الصرف والإقلال من الاستدانة من الجهاز المصرفي، وعلى وزارة المالية التنسيق مع ديوان الزكاة من أجل دعم الفقراء، وذلك حتى يتم تخفيف الضغط على الميزانية والإيرادات، ولا بد أيضاً من التركيز على موارد الميزانية الحقيقية دون الاستدانة من البنك المركزي، وقال (هذا من أكبر المشاكل لكوننا نلجأ للاستدانة من البنك المركزي)، وقال إن ظهور الوسطاء والسماسرة جاء نتيجة لهذه المشاكل.. ظهروا ليستفيدوا من هذا الجو، فلا بد من علاج الاختلالات خلال المرحلة القادمة.