الأستاذ “الهندي عز الدين” حاز على القلادة الذهبية في رسم الأحداث الصادقة والصحيحة عن آخر سنوات “البشير” التي تمثل حقبة سياسية ليس لها مثيل في تاريخ السودان المعاصر من حيث النكهة والتحولات والإيقاعات والتغيرات والعواصف والآثار، فقد كانت الإنقاذ أطول نظام يحكم البلاد بعد الاستقلال وأول نظام أصولي إسلامي يحكم المنطقة العربية بعد أن رفض الجيش الجزائري استلام جبهة الإنقاذ للسلطة هنالك إثر فوزها في الانتخابات، علاوة على ذلك فإن نظام “البشير” هو الذي استقطع ثلث مساحة السودان بعد فصل الجنوب في خطوة ملحمية مازالت تؤرق معظم السودانيين، ثم ذهب النظام على خلفية ثورة شعبية كاسحة شاركت فيها أقاليم ومدن البلاد بشكل مختلف عن اقتلاع نظامي “النميري” و”عبود”.
لم يفت على ذكاء “الهندي” وهمته العالية حاجة المكتبة السودانية للتنقيب والتوثيق لفترة حكم “البشير” الطويلة وما تحمله من معطيات وضرورة مثل حاجة النبات للماء وتلهف الرسام للريشة، وراح “الهندي” يحاول رتق النسيج والتدقيق في التفاصيل في انكباب شاق وذاكرة فوتوغرافية حيث لم يترك الرجل شاردة وواردة في قطار الإنقاذ تستحق التوقف والإشارة دون أن تأخذ النصيب في التسجيل والتدوين، فالواضح أن حلقات “الهندي” في استهلالها قد صورت كيف تحرك نظام 30 يونيو 1989م، ضد حكومة الإمام “الصادق” على خلفية قرارات مذكرة الجيش في الديمقراطية الثالثة من خلال تحالف العسكر والمدنيين الإسلاميين، ثم تناول الصراع الدامي القاتل بين القصر والمنشية الذي كسر عافية المنظومة الإنقاذية حتى الزوال، وكيف كان المنهج الاستعلائي الذي يدير به المؤتمر الوطني تحالفاته في السلطة مع أحزاب المشاركة في ذلك الظرف علاوة على ذلك فقد تناولت الحلقات سنوات اليسر في الإنقاذ خلال زمن البترول وكيف لمس السودانيون نفحات واضحة من الرفاهية والكفاية حتى صارت الخرطوم غابة واسعة من الأسمنت تزامنت مع ظهور سيارات الدفع الأمامي الفارهة، ثم ما لبثت أن زالت تلك الظواهر المفرحة إلى عوالم الضيق المعيشي.. وكيف هاجم “الهندي” السياسات التي لم تستثمر أموال البترول إلى اليوم الأسود حتى لاحت احتجاجات أحداث سبتمبر 2013م.. التآكل الذاتي والحرب الضروس بين دوائر الوطني كان لها إيقاعات ملتهبة وملفتة في ذاكرة “الهندي”.. فقد تناول كيف أصبح “البشير” يدير ظهره لتنظيمه الحاكم، وبذات القدر صار كثير من هؤلاء لا يرغبون في استمرار قيادته للدولة حيث ظهرت لعبة الأحجار على رقعة الشطرنج بين “نافع” ومجموعته و”علي عثمان” ومجموعته، ثم تجاذبات الدكتور “غندور في المنطقة الوسطى حتى جاءت لحظة تسيد “طه عثمان” في صنع القرار السياسي حتى خرج من المشهد بضربة خاطفة أبطالها “محمد عطا” و”بكري حسن صالح” اللذان ضاقا ذرعاً بهذا الرجل الذي لمع في غفلة من الزمن.. ثم يعود “البشير” مرة أخرى لمحاربة خصومه في الوطني باستخدام جسارة “صلاح قوش” الذي عاد مرة أخرى مديراً لجهاز الأمن والمخابرات حتى انتهى به الموقف ليكون رأس الرمح في الانقلاب على “البشير” نفسه صبيحة 11/أبريل/2019م، فالشاهد أن محطات الإنقاذ في هذه الحلقات كثيرة أبرزها لعبة الجمباز في العلاقات الخارجية ما بين السعودية والإمارات وإيران وأمريكا ومصر، فضلاً عن توالي الحكومات المتعاقبة من “بكري” إلى “معتز” إلى “أيلا” علاوة على مسرح القطط السمان وقضايا الفساد الكثيفة.. توثيق “الهندي” نال إعجاب الكثيرين من شخصيات سياسية وإعلامية وقيادة أحزاب، فقد اتصل هؤلاء بي وهم يشيدون بهذا المجهود الضخم حتى الذين لا يعجبهم جمال وبهاء الطاؤوس، فـ”الهندي” بحث عن المعلومة الصحيحة والدقيقة من تحت الأنقاض حتى تكون حلقاته بكامل رونقها وحياديتها ثم عطر ما تبقى.. من تجربته الشخصية في الأحداث حتى يخرج للملأ هذا التألق الباذخ في التوثيق.