وزير الدفاع الفريق أول “جمال عمر” .. ملابسات الوفاة
تناول وجبة العشاء الأخيرة مع وفد التفاوض قبل أن توافيه المنية
في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان مساء أمس الأول (الثلاثاء)، وبعد أن أنهى وفد التفاوض الحكومي جلسته التفاوضية مع الحركة الشعبية جناح “مالك عقار” حول الترتيبات الأمنية، كان وزير الفريق أول ركن “جمال الدين عمر” ومن معه يتناولون وجبة العشاء بعد يوم مرهق.. بحسب ما قال الناطق الرسمي باسم وفد التفاوض “محمد الحسن التعايشي” .. عندها حسَّ وزير الدفاع بآلام في المعدة، واستأذن ليخلد الى الراحة، وابتعث بعضاً من الحراس لجلب دواء له، غير أن حالته تدهورت سريعاً، فعندما أحضر له الدواء كان قد دخل في غيبوبة تم نقله على إثرها سريعاً للمستشفى، بيد أنه فارق الحياة قبل الوصول إليها… عندها كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة والنصف من صباح (الأربعاء)…
الوفاة السريعة لوزير الدفاع التي شخصت على أنها ذبحة صدرية، وضعت العديد من الاستفهامات حولها، سيما وأن وزير الدفاع بدا متفائلاً حتى آخر لحظة بإنجاز ملف الترتيبات الأمنية بحلول (السبت) المقبل.
تشكيك
لم يشفع التقرير الطبي للوفاة الصادر من عاصمة جنوب السودان جوبا لدى أسرة الراحل الفريق أول “جمال” وأهل منطقته “حجر العسل” بولاية نهر النيل شيئاً، فقد طالب ذووه بضرورة إخضاع الجثمان للتشريح؛ منعاً للشائعات ــ بحسب بيان صادر باسم (هيئة تطوير حجر العسل والبسابير)، تلقت (المجهر) نسخة منه ــ ودرءاً للفتن بالتنسيق مع كل المؤسسات الحكومية. البيان جاء عقب الكثير من التشكيكات التي أطلقت حول ملابسات الوفاة التي ربما قد تكون بفعل فاعل، وقد خضعت الحكومة لمطالب الأسرة، وتم إرسال الجثمان لمشرحة السلاح الطبي بأم درمان للتأكد من أسباب الوفاة، رغم استبعاد الكثيرين أن تكون الوفاة بفعل فاعل، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية وفقاً لتصريحات للمتحدث الرسمي باسمها العميد ركن “عامر محمد الحسن” الذي نعاه إثر تعرضه لذبحة صدرية مفاجئة بجوبا.
وبحسب مصدر من جوبا تحدث لـ(المجهر) فإن تصريحات وزير الدفاع وتشديده على وجود جيش موحد يضم جيوش الحركات، هي التي رسمت علامات استفهام واسعة حول وفاته، سيما أنه وعقب يومين فقط من تصريحات “عمر” أعلنت الحركات المسلحة رغبتها في الاحتفاظ بقواتها حتى نهاية الفترة الانتقالية. ويرى المصدر أن جوبا مخترقة من قبل عدد من عناصر مخابرات الدول المختلفة، خاصة التي لها مصالح في عدم توحد الجيش السوداني؛ لأن التوحد يلغي فرضية قوة مسلحة ضد الحكومة القائمة، فضلاً عن أن بعضاً من سياسيي الدول الغربية يريدون للحركات أن تحتفظ بجيشها حتى لو كان هناك اتفاق، وأن التشديد على توحد الجيش يأتي على عكس ما يشتهي الغرب. ويقول المصدر إن كل الاتفاقيات التي تمت بشأن الترتيبات الأمنية كانت تنص على إدماج القوات، ولكن في واقع الحال تحتفظ تلك الحركات التي وقعت على اتفاق بقواتها، والمصدر في حديثه يستبعد تماماً أن تكون لجوبا يدٌ في ذلك.
آخر الجلسات
وكان آخر تصريح لوزير الدفاع هوالدعوة لجيش موحد من خلال الترتيبات الأمنية التي بدأت المناقشات حولها في عاصمة جنوب السودان جوبا التي توجه إليها الراحل الفريق أول “جمال عمر” قبل أيام لتسلم زمام مبادرة المفاوضات، بوصفه وزير الدفاع والمسؤول عن الترتيبات الأمنية في التفاوض، وقد كانت كل المؤشرات تشير لحدوث تقدم في الملف، وظل الجميع في انتظاره للعودة بالخبر اليقين إلا المنية وافته، ووفقاً لرئيس الجبهة الثورية الدكتور “الهادي إدريس” لـ(المجهر) فإن الراحل كان حريصاً جداً على سير المفاوضات، وإكمال عملية السلام. وقال “إدريس”: (جمعتنا به الكثير من جلسات التفاوض، فهو رجل هادئ ومهذب، ولديه خبرة ومعرفة جيدة بالملفات العسكرية، وإسهاماته واضحة وكبيرة في السلام ويعتبر فقداً كبيراً للعملية التفاوضية).
وتضمنت آخر جلسات التفاوض ــ بحسب ما أعلن الدكتور “ضيو مطوك” نائب رئيس فريق الوساطة الجنوبية في تصريحات صحفية، عقب الاجتماع الذي عقده وفدا الحكومة والحركة الشعبية ـ الجبهة الثورية بفندق (بريميد) بجوبا (أمس) ــ أن لجنة الترتيبات الأمنية استطاعت أن تنجز معظم مهامها، وأنها اتفقت على ضرورة إنشاء جيش قومي وطني غير مسيس، مضيفاً أن الطرفين شرعا في مناقشة وقف إطلاق النار الشامل. وأعلن “مطوك” أن الطرفين سيناقشان في جلسة الغد ــ التي كان من المفترض أنها أمس ـ غير أن القدر رسم أن لا تقوم وضعية الجيوش خلال الفترة الانتقالية والمدة الزمنية. وقطع بطي ملف الترتيبات الأمنية للمنطقتين بنهاية يوم أمس، ليبدأ النقاش بعدها في ملف الترتيبات الأمنية الخاصة بمسار دارفور ـ الجبهة الثورية.
مسيرة حافلة
لم يكن الفريق أول ركن “جمال عمر” يعلم وقتها وهو يلتحق بالكلية الحربية الدفعة “31”، أنه سيكون ذا شأن يوماً، ويكون أحد أهم منظومة التغيير في البلاد، عقب إسقاط نظام “البشير” في أبريل الماضي، لكن الرجل وبصمته وهدوئه المعروف عنه مضى في مشواره إلى أن عُين رئيساً لهيئة الاستخبارات العسكرية، ثم أعفي عنها، وتم تكليف الفريق أول “مصطفى محمد مصطفى” بدلاً عنه، وتمت إحالته للمعاش برتبة اللواء ولكن لعلاقته المتميزة التي تربطه مع وزير الدفاع السابق الفريق أول ركن “عوض ابنعوف” حيث عملا معاً في هيئة الاستخبارات، تمت إعادته للخدمة بقرار من “عوض ابنعوف”، وفي أبريل 2019م تم ترقيته لرتبة الفريق أول ركن وتعيينه رئيساً للجنة الأمن والدفاع بالمجلس العسكري خلفاً للفريق أول “مصطفى محمد مصطفى” عقب استقالته الشهيرة منها من عضوية المجلس العسكري. وعمل “جمال” ضمن هيئة قيادة المجلس العسكري المكون من سبعة أشخاص إلى أن حلت ساعة تشكيل الحكومة المدنية، وكان لزاماً أن يدخل خمسة فقط من أعضاء المجلس السبعة إلى السيادي، فكان هو ورفيقه الفريق أول طيار “صلاح عبد الخالق” الذي اعتذر لأسباب مرضية خارج المنظومة، ليعين “جمال” بعدها وزيراً للدفاع، ووجوده في المجلس العسكري كانت أهميته في أنه رجل مخابرات يدير العملية العسكرية بذكاء، وكان لذلك الأثر البالغ في عبور فترة الـ(4) شهور التي تولى فيها المجلس العسكري مهام تشكيل البلاد، إلى أن تم إعلانه من قبل المكون العسكري بالمجلس السيادي وزيراً للدفاع في سبتمبر 2019.