آخر سنوات “البشير” (25)
في رحلة العودة من القاهرة ، وكما جرت العادة ، طلب مدير مكتب الرئيس الأستاذ “حاتم حسن بخيت” من الرئيس السماح للوفد الصحفي المرافق ، بتحيته والجلوس إليه لإجراء حديث صحفي، أو تنوير عام عن الزيارة ، بعضه للنشر وبعضه للعلم فقط.
انتقلنا من مقاعدنا إلى مقصورة الرئيس في مقدمة الطائرة، وفيها أربعة مقاعد متقابلة ، وعلى الجهة الأخرى مقعدان جلس على أحدهما وزير رئاسة الجمهورية الدكتور “فضل عبدالله” وإلى جواره زير الخارجية بروفيسور”غندور” يقابلهما في مقعد ثالث مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق أول “صلاح قوش”.
ضم الوفد الصحفي الأساتذة “إبراهيم الصديق” رئيس تحرير (الصحافة)، “محمد الفاتح أحمد” رئيس تحرير (الأهرام اليوم) و”الطاهر ساتي” الكاتب بصحيفة (السوداني) وشخصي . وكانت السلطات المصرية في مطار القاهرة قد منعت “ساتي” كما منعت صحفيين سودانيين آخرين قبله، من دخول الدولة وأعادته إلى الخرطوم قبل أشهر سبقت رحلة الرئيس ، على خلفية مقالات معادية لمصر ، حسب تقييم الأجهزة المصرية. أضاف “حاتم حسن بخيت” اسم “ساتي” إلى قائمة وفد الرئيس “البشير”، فخرج من مطار القاهرة هذه المرة في سيارة رئاسية مرسيدس سوداء ، حملته في (كونفوي) إلى داخل قصر (الاتحادية) الكائن بمدينة مصر الجديدة في طريق المطار ، وكنتُ أشاركه ذات السيارة الفارهة.
بدا الرئيس مرتاح البال ، منشرحاً .. منبسط الأسارير ، فعرفنا أن الزيارة ناجحة ، على الأقل من الناحية المعنوية .
ابتدرتُ الحديث مع الرئيس “البشير” بقولي :(السيد الرئيس .. يبدو أنها زيارة ناجحة ؟) .. ابتسم وقال : ( “السيسي” على المستوى الشخصي ، عندو رغبة حقيقية في تطوير العلاقات مع السودان ،لكن المشكلة في جهاز المخابرات .. “خالد فوزي” هو سبب التوترات) ! قاطعته بسؤال جاد :(منو خالد فوزي؟) .. رد عليَّ : (مدير المخابرات السابق . هسه شالوه .. جاب مدير مكتبه “عباس كامل” ودا بدأ معانا كويس) . دار الحوار مع “البشير” حول قضايا السياسة والاقتصاد ، ثم انسحبنا إلى مقاعدنا والطائرة تقترب من الهبوط في مطار الخرطوم .
وكما ذكر الرئيس السابق، فقد بدا لنا جلياً من خلال الحركات والسكنات مستوى التناغم والتجانس السريع الذي بلغه في وقت وجيز كلٌ من “قوش” و”عباس كامل” ،رغم أن كليهما تسلم منصب مدير المخابرات في بلده قبل أسابيع قلائل من ميقات تلك الزيارة !! فقد انتحيا جانباً أكثر من مرة ، وتهامسا كثيراً ، وكأنهما صديقان حميمان منذ سنوات طويلة !!
ارتبط “قوش” في عُهدته الأولى بجهاز المخابرات التي امتدت من العام 2004 إلى العام 2009م ، بعلاقات جيدة مع مدير المخابرات المصرية الأشهر اللواء “عمر سليمان” في عهد الرئيس “حسني مبارك”، ما ساعده على العبور سريعاً إلى المدير الجديد “عباس كامل”، فالمصريون يعرفونه ويثقون فيه، وقد رحبوا بتعيينه ، وسعدوا لإقالة “محمد عطا” الذي لم يكن متعاوناً معهم .
وحكى لي “قوش” في وقت سابق أن اللواء “عمر سليمان” هو الذي تولى إقناع السعوديين بتأمين عبور طائرة “البشير” في الأجواء السعودية في أول رحلة إلى “الدوحة” بعد صدور مذكرة من المحكمة الجنائية الدولية بتوقيفه ، كما ساعد اللواء “سليمان” بطلب من “قوش”، في تأمين مرور الطائرة فوق المياه الدولية في البحر الأحمر.
ورغم النشاط الخارجي الكثيف لـ”قوش”،إلاّ أن الراجح عندي من جملة معلومات وتحليل، أن الرئيس السابق لم يأت بالفريق “قوش” مديراً للمخابرات للمرة الثانية ، في قرار زلزل أركاناً كثيرةً في الدولة والحزب، لتحقيق أهداف خارجية كترميم العلاقة مع “مصر” ، أو تعميقها مع “السعودية” و”الإمارات” ، ودليلي على ذلك أن خصم “قوش” العنيد الفريق “طه عثمان” كان يرابط على البوابتين السعودية والإماراتية، وبالتالي يتعذر دعم مقترح إعادة “قوش” للجهاز على تلك الرافعة الخارجية .
وكما أشِرتُ آنفاً ، قفز “قوش” على قطار حملة انتخابات (2020) في محطة “مروي”، عند افتتاح الرئيس لمهرجان “البركل” للسياحة نهاية العام 2017م .
أراد “البشير” مقارعة صقور المكتب القيادي للمؤتمر الوطني بقيادة “نافع” برجل من ذات العيار. كانت أكثرية قيادة الحزب ترى في منح الرئيس دورة إضافية عام 2020 كارثة محدقة تهدد مستقبل الدولة والحزب ، وكانوا محقين، لكنهم لم يطرحوا الأمر داخل اجتماعات المكتب القيادي بصورة واضحة خوفاً من تصدع الحزب ، فعبروا عن رفضهم بأشكال مختلفة .
في إحدى جلسات مؤتمر شورى الوطني ، قام عضو المجلس “الزبير أحمد الحسن” وكان يشغل منصب الأمين العام للحركة الإسلامية ، وتحدث غاضباً وساخراً من حملة التجديد للرئيس :(الناس البتكلموا عن ترشيح الرئيس زي ما عملوا أخوانا في ولاية الخرطوم وشباب حول الرئيس .. ديل عورا .. القرار دا بتتخذه مؤسسات الحزب .. ما بالطريقة دي) !!، ورفض المجلس المقترح الذي تقدم به المحامي “محمد الحسن الأمين” عن اللجنة السياسية المنبثقة عن الشورى، بتعديل النظام الأساسي وترشيح “البشير” لدورة جديدة . فقدم والي شمال كردفان وقتها “أحمد هارون” مقترحاً للحل الوسط يقول (إن مجلس الشورى أخذ علماً بتنادي أحزاب وقوى سياسية واجتماعية وطرق صوفية لإعادة ترشيح رئيس الحزب “البشير” ، والحزب يثمن مسعاهم، وسينظر في المقترح في أوانه) .
من الأصوات الرافضة للتجديد لـ”البشير” لدورة جديدة ، برز أمين الحركة الإسلامية “الزبير أحمد الحسن” ، ونائب رئيس الحزب الأسبق”إبراهيم محمود” ، والدكتور “عصام أحمد البشير” رغم أنه كان خطيب مسجد”النور” بكافوري الذي يصلي فيه الرئيس صلاة الجمعة، والدكتور “الأمين دفع الله” ، والدكتور “أمين حسن عمر” ، والأستاذة “سامية أحمد محمد” والدكتورة”إنتصار أبوناجمة”وهي حرم السفير “أحمد شاور” مدير مكتب الرئيس الأسبق.
نواصل غداً .