تقرير ــ هبة محمود سعيد
للوهلة الأولى، ومنذ الإفصاح عن تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير كقائد فعلي للثورة، وحامل للراية عقب إسقاط النظام في أبريل العام الماضي، تبادر إلى الأذهان تساؤل عريض حول قدرة هذا المكوِّن على قيادة مرحلة انتقالية بالغة التعقيدات، تحتاج إلى تضافر الجهود وتكاتف السواعد، سيما أنه ــ أي التحالف ــ يختلف في مرجعياته الفكرية، وفلسفته العقائدية باختلاف أحزابه المكونة له من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.
تساؤل بدا بحاجة إلى إجابة وقتها وإيضاحات، فليس القادم سهلاً يسيراً، ولا التحدي يستهان به، لكن تعالي الأصوات القاطعة بأن سنوات النضال لثلاث عقود كفيلة بإدراك واستشعار قيمة المرحلة وتوحد الجميع، حُسم الأمر يومها، ليبقى ما تبقى، وهو إنزال الشعارات إلى أرض الواقع، والبدء في العمل لحين إجراء انتخابات يقول الشعب السوداني كلمته عبرها، غير أنه ومع أول اختبار فعلي لقوى الحرية والتغيير خرجت على إثره الجبهة الثورية مغاضبة، بدت تلوح في الأفق السياسي علامات أن التحالف العريض لم يكن يمتلك برنامجاً موحداً متفقاً عليه سوى إسقاط النظام.
صفقات مشبوهة
يبدو أن الهوة داخل الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية تتسع كل يوم عن الذي يليه، رغم محاولات يائسة من بعض قادتها بالتكتم وإلباس الأمر ثوب (العادية) بإرجاعه لتنوع التحالف العريض، قبل أن تفضحهم انتقادات هنا وأخرى هناك، تتشكل تارة في بيانات منددة، وأخرى في تغريدات على منصات التواصل الاجتماعي، أو تصريحات على صفحات الصحف المختلفة، كان آخرها الخلافات داخل لجنة إزالة التمكين، وما رشح عن إقالة الناطق باسمها “صلاح مناع” عقب اتهامه عبر تغريده له على (توتير)، المجلس السيادي بالتعامل مع أعضاء النظام السابق على تفكيك اللجنة.
تصريحات “مناع” سبقها بيان صادر عن التجمع الاتحادي (الجمعة) الماضية، اتهم عبره دوائر داخل السلطة التنفيذية والمكون العسكري بالعمل على مساومة مزعومة مع مختلف القوى الإسلامية ومكونات النظام السابق لتعطيل عملية التفكيك. وبحسب القيادي بقوى الحرية والتغيير “محمد عصمت” الذي تحدث لـ(المجهر) فإن هناك صفقات مشبوهة بين بعض مكونات قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري، داعيا إلى ضرورة إعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير، قائلاً: (لقد ظللنا ننادي بإعادة الهيكلة وتصحيح المسار، ولكننا اتهمنا بشق الصف).
الخطة (جوطة)
بالأمس بعض الإرهصات حملت أنباء عن خروج تحالف (نداء السودان) عن قوى الحرية والتغيير، إلا أنه وبحسب الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني “خالد عمر سلك” على حسابه في (تويتر) فإن الأمر لا يعدو كونه شائعة، مؤكداً أن المرحلة الانتقالية تواجه صعاباً وتحديات عديدة، لا معبر منها إلا بالوحدة حول أهداف الثورة وغاياتها، وهو ما سيظلون متمسكين به وداعين له.
فضلاً عن تلك الإرهصات فقد أعلنت أمس الأول “مريم الصادق المهدي” استقالتها عن الآلية الاقتصادية بسبب عدم توصل اللجنة ــ عقب تكوينها لأكثر من عشرة أيام ــ لحلول تقدمها للشعب السوداني؛ مما ينم عن عدم خطة موضوعة، مما يوضح حجم الهوة وعدم الموضوعية، والتهاون في قضايا المواطن. ويرى مراقبون في صراعات الحاضنة السياسية عدم وجود برنامج موحد ومشروع متفق عليه وفق رؤية ومنهج يسيرون عليه؛ ولذلك تكمن هذه الصراعات، ويعتبر الحزب الشيوعي السوداني أكثر الأحزاب المنددة لتلك السياسات داخل قوى التغيير، وكان أبرزها رفضه التام لتولي نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول “محمد حمدان دقلو” “حميدتي” رئاسة آلية الاقتصاد لإدارة الأزمة التي تم تشكيلها الأسبوعين الماضيين؛ الأمر الذي دفعه للتخلي عن رئاستها، لكن الحزب العجوز ظل يواجه سيلاً من الاتهامات حتى من قبل رفاقه داخل التحالف بأنه يعارض لأجل المعارضة ليس إلا.
تدليس وشائعات
الخلافات والصراعات داخل الحاضنة السياسية ظل ينفيها مقرر المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير” كمال بولاد” في حديثه لـ(المجهر)، مؤكداً أن الأوضاع تمضي بشكل طبيعي ومنسجم داخل المكون. ووصف الأمر بالطبيعي لكيان عريض مثل قوى الحرية التغيير، لافتاً إلى أنه في ظل هذا الإطار الواسع لابد من وجود تباينات في وجهات النظر والتقدير، وهو أمر طبيعي لاختلاف المرجعيات الفكرية والفلسفة العقائدية لاختلاف هذا الطيف السياسي الواسع. وقال: (الآن العمل يمضي أفضل ما يكون وفقاً لهذا التنوع واستناداً على التحالفات السياسية كافة في السودان، وبناء على إعلان قوى الحرية والتغيير فإن الوضع طبيعي، والكل يدرك خطورة وصعوبة وتعقيدات المرحلة في تاريخ السودان). وأضاف: (لذلك أعتقد أن ما يحدث في هذا التباين هو أمر جوهري، ولا يدعو لانقسامات). وزاد: (لدينا برنامج وكل ما يقال تدليس وشائعات من قوى الثورة المضادة التي تهدف إلى خلق بلبلة لإنهاء المرحلة الانتقالية).
أصل التجمع
وفي ديسمبر ٢٠١٨م تم التوقيع بين عدد من التحالفات والأحزاب على وثيقة عرفت بقوى إعلان الحرية والتغيير، إلا أن هذه التحالفات لم تظهر إلى العلن، إلا عقب سقوط النظام في أبريل العام الماضي، وكان يتصدر المشهد وقتها تجمع المهنيين، وهو بحسب ما هو معلن عنه، فقد تأسس في العام ٢٠١٣م في أعقاب احتجاجات سبتمبر، إلا أن الإعلان عنه رسمياً لم يتم إلا في أغسطس ٢٠١٨م لدواعٍ أمنية.
ويضم تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير بداخله سبعة مكونات تتمثل في (تحالف قوى نداء السودان، قوى الإجماع الوطني، التجمع الاتحادي، تجمع المهنيين، القوى المدنية، قوى الوسط، والحزب الجمهوري)
محصلة صفرية
وفي غرار ذلك وغيره من خلافات قوى الحرية والتغيير نجد أن محصلة الأداء رغم مرور عام على سقوط نظام “البشير” (صفرية)، فالاقتصاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، والأزمات تتلاحق، مع ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام الدولة العميقة للعودة من شتى الطرق، وسط مخاوف من قوى الحرية نفسها من حالة التململ التي بدأت تصيب الشارع السوداني في أعقاب السياسات الخاطئة وبطء الحكومة الانتقالية في توفير أبسط أساسيات الحياة.