الخرطوم ـ سيف جامع
في تطور مفاجئ، تقدمت القيادية بإعلان الحرية والتغيير، نائب الأمين العام لحزب الأمة القومي “مريم الصادق المهدي” باستقالتها من الآلية الاقصادية، برئاسة رئيس الوزراء د. “عبد الله حمدوك”، رغم أنها كانت تتسنم فيها موقعاً قيادياً خلال تكوينها الأول الذي ترأسه نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول “محمد حمدان دقلو” (حميدتي)، إذ شغلت منصب المقرر للآلية التي كان من المفترض أن تضع حلولاً عاجلة لمعالجة الأزمة الاقتصادية.
مريم “المنصورة” دفعت باستقالتها، وبررتها بعدد من الأسباب أهمها أن الآلية فشلت حتى في عقد اجتماع واحد، بعد إعادة تكوينها، ومنح رئاستها لرئيس الوزراء د. “عبد الله حمدوك”، رغم مرور (10) أيام على ذلك، فكانت الاستقالة وما صاحبها من توضيح بمثابة المسمار الأخير في نعش الآلية الوليدة التي عُلقت عليها آمال عراض في حل الأزمة الاقتصادية بالبلاد، خاصة أن الاستقالة تزامنت مع تصاعد خلافات لجنة إزالة التمكين وخلافات مكونات قوى الحرية والتغيير.
رؤية قوى الحرية
“مريم المهدي” كشفت في رسالة الاستقالة التي تم تداولها بصورة واسعة أمس آخر التطورات داخل الآلية، حيث بينت أن قوى الحرية والتغيير قدمت رؤيتها في حل الأزمة المعيشية في اجتماع مع رئيس الوزراء تضمنت عدة مقترحات منها إنشاء غرفة أزمة ثلاثية من الأطراف الثلاثة (السيادي – الوزراء – الحرية)، وإنشاء صندوق تابع للمالية تؤول إليه الممتلكات المصادرة بواسطة لجنة التمكين لتخصص لتمويل توفير السلع الإستراتيجية، وتمليك (سين) للغلال لوزارة التجارة، ووضع اليد عليها بالكامل، وتوفير دعم عاجل لتمويل حصاد القمح في الجزيرة مراجعة سياسات الذهب وفك احتكاره، ووضع الدولة يدها على الشركات الأمنية والرمادية، فضلاً عن تصحيح الموقف السياسي تجاه السعودية والإمارات ومتابعة متبقي الدعم المرصود، ابتدار حملة شعبية لدعم الموازنة العامة، وإنشاء آلية من الشرطة لرقابة وصول السلع الإستراتيجية لمستحقيها مع عمل إصلاحات عاجلة في الشرطة تمكنها من هذا الدور، وفتح أسواق بيع مخفض ثابتة ومتنقلة تساعد في تخفيف الضائقة المعيشية، وتعيين محافظ جديد لبنك السودان ومديرين جدد للمصارف الحكومية، بالإضافة للبدء فوراً في إجراءات تبديل العملة والإسراع بإكمال هياكل السلطة المدنية، وحل مشكلة إجراءات ميناء بورسودان، مراجعة سياسات الصادر.
وقالت “مريم” إنه بعد نقاش مطول تكونت تلك الآلية برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة، وتحددت مهامها العاجلة لحين انعقاد المؤتمر الاقتصادي المقرر في 29 مارس 2020. وكشفت أنه منذ تكوين الآلية لم تصدر اللجنة أي بيان عنها أو تصريح رسمي باسمها، وتم تسريب لمحضر غير رسمي للاجتماع الثلاثي نشر على نطاق واسع، وما حدا بي للكتابة هو ردود الأفعال التي وجدها هذا التسريب، سواءً من الرأي العام السوداني أو من الآلية نفسها الحاضنة السياسية ممثلة في المجلس المركزي لـ(قحت) ثم يبدأ أفراد منها في الهجوم على القرار الجماعي الذي شاركوا هم أنفسهم أو ممثلو مكوناتهم فيه.
موت سريري
أشارت “مريم” إلى أن التردد بشأن الشراكة الثلاثية ودور المكون العسكري فيه، خاصة دور الدعم السريع ما زال الأساس الذي يحكم هذه الشراكة، لافتة لغياب منهجية واضحة للعمل في دولاب الدولة؛ وغياب روح الفريق، وضعف القدرة على الثبات على القرارات المتخذة كلها عوامل تغذي وتقوي بعضها البعض، وتجعل من الوضع الراهن المفهوم والممكن الحل؛ وضعاً كارثياً خطيراً. وقالت إنه الآن مستدلة على أن اللجنة، وبعد مضي عشرة أيام تعاني من حالة الموت السريري وسط صمت غريب من الأطراف الثلاثة؛ معلنة عن انسحابها من عضوية تلك اللجنة والتكليف بأن تكون مقررة لها؛ وقالت: (أنا لست ممن يتسمون بموقع لا عمل وطني فيه، ولا خدمة لأهلي أقدمها عبره، ولكي لا أكون شريكة في أي خداع أو تسويف للشعب السوداني الأبي).
عدم جدوى
وغير بعيد عن حديث “مريم” يرى القيادي بقوى الحرية والتغيير “عروة الصادق حمدون” أن الآلية لن تكون ذات جدوى، خصوصاً بعد البداية المتعثرة لها. وقال إن استقالة (حميدتي) مفهومة بأنه لا يريد الصدام مع الرأي العام، ولا إقحام الدعم السريع في معارك سياسية، وفي ظل جائحة (كورونا) التي اجتاحت العالم ألغت بظلال سالبة على عمل الآلية خاصة بتأجيل الحكومة للمؤتمر الاقتصادي المزمع قيامه نهاية الشهر الجاري.
لا تفاؤل
أبدى الخبير الاقتصادي “كمال كرار” عدم تفاؤله بنجاح الآلية في السيطرة على انفلات الوضع المعيشي في البلاد، مبينا أنها مضت في طريق الحلول الأمنية والإدارية للأزمة من خلال عملها، وهذه سياسة فاشلة من واقع التجربة السابقة.
ويرى “كرار” أن الآلية ومنذ تشكيلها لم تتخذ أي حلول اقتصادية خاصة حيال الارتفاع المضطرد في الأسعار ونقص الوقود وأزمة الخبز. ويقول “كرار” عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، إن أزمة الاقتصاد تُعالج بسياسات اقتصادية فاعلة، أساسها إيجاد موارد حقيقية للنقد الأجنبي، بما يقود إلى بناء احتياطيات ترفع قيمة العملة الوطنية، وتمكن البلاد من مواجهة متطلبات استيراد السلع الاستراتيجية ونصح كرار مسؤولي الآلية الاقتصادية بضرورة وضع سياسات بإحكام السيطرة على مورد الذهب، من خلال تعديل العقود مع شركات التعدين، بما يتيح حصول البنك المركزي على (1+50%) من الإنتاج، بجانب إنشاء بورصة محلية للذهب، كما طالبهم بإحكام سيطرة الحكومة التنفيذية على الاقتصاد الكلي، بما في ذلك إخضاع الشركات التابعة للمنظومة الأمنية القديمة لولاية وزارة المالية.
رؤية مغايرة
ويرى “كمال كرار” أن معالجة الأزمة الاقتصادية يجب أن تتم من خلال تفكيك ما وصفه بالاقتصاد الموازي لنظام الإخوان البائد، الذي يمضي بصورة بطيئة حتى الآن، ووقف إجراءات تعويم الجنيه السوداني، وعدم رفع الدعم الموجه للقمح والدواء والمحروقات لحين قيام المؤتمر الاقتصادي، مبيناً أن الآلية الاقتصادية إذا طبقت هذه النصائح يمكنها تحقيق قدر من الاستقرار لحين قيام المؤتمر الاقتصادي.
واعتبر أن التدابير التي اتخذتها وزارة المالية خلال الشهرين الماضيين بمعزل عن اتفاقها مع قوى الحرية والتغيير، أسهمت في تراجع قيمة الجنيه بصورة غير مسبوقة، ورفعت معدل التضخم لمستوى قياسي، مما أدى بدوره إلى نقص في المواد البترولية ودقيق الخبز.
حلول آنية
ويبدو أن أستاذ الاقتصاد المشارك في جامعة المغتربين الدكتور “محمد الناير” يرى أن الآلية لا يزال بإمكانها العمل وضرورة أن ينحصر واجبها في إيجاد حلول قصيرة للأزمات الآنية التي يعانيها السودان، على أن تترك المعالجات الكلية طويلة الأجل للمؤسسات المعنية في البلاد.
ودعا “الناير” المسؤولين، إلى تفعيل قانون الثراء الحرام “من أين لك هذا؟”، الذي سيمكن من استرداد الأموال من عناصر النظام السابق، كما طالب بإنشاء بورصة للذهب وجذب مدخرات المغتربين بحوافز تشجيعية، وإقرار مبدأ المحاسبة والمساءلة للمقصرين من أعضاء الجهاز التنفيذي. كما دعا إلى زيادة أوعية التخزين لتأمين احتياجات البلاد من السلع الإستراتيجية، مشدداً على أن هذه التدابير يمكن أن تحدث الاستقرار الاقتصادي خلال المدى القصير.
ويرى “الناير” أن الآلية يمكن أن تلجأ إلى استبدال العملة من أجل استعادة النقد إلى الجهاز المصرفي، حيث إن (96%) من الكتلة النقدية بأيدي المواطنين السودانيين، وهو الأمر الذي يدعم المضاربات في سوق النقد الأجنبي.