شهادتي لله

آخر سنوات “البشير” (24)

خلافاً لفترتي الفريق “صلاح قوش” الأولى والثانية في إدارة جهاز الأمن والمخابرات ، فإن حقبة الفريق “محمد عطا المولى” شهدت توترات أمنية متفرقة في علاقات السودان بجارته الشمالية “مصر” .
ومع أن النظام السابق ظل يعزو توالي الأزمات بين البلدين إلى مؤامرات ظل يحيكها جهاز المخابرات العامة المصرية ، إلاّ أن الفريق “عطا” لم يكن لديه استعداد نفسي للتعاون مع الجانب المصري ، بينما كان منفتحاً في التعامل مع المخابرات الإثيوبية وعموم المخابرات الأفريقية، ونشط في استضافة اجتماعات مديري أجهزة المخابرات الأفريقية (سيسا) بالخرطوم، ومهتماً بملف العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وكان له دور مهم بالتشارك مع وزير الخارجية الأسبق بروفيسور “غندور” في إقناع الإدارة الأمريكية بإصدار قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان قبل أسبوع واحد من مغادرة الرئيس “أوباما” البيت الأبيض في يناير 2017م .
ويتميز “محمد عطا” عن زميله في نهاية سبعينيات القرن الماضي بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم “صلاح قوش”، بأنه أكثر مهنيةً والتزاماً بمحددات الوظيفة (الأمنية)، لا تتنازعه طموحات سياسية ، ولا يميل إلى النشاط الإعلامي والاستعراضي ، يحب العمل في صمت ، يتحدث بهدوء ، يتحرك دون أن تسمع وقع أقدامه على الأرض ، حاد الذكاء ، لا يبدو عليه الانفعال والتوتر .
خلال سنواته الأولى في قيادة الجهاز بعد أن ترقى من منصب نائب المدير إلى المدير العام في العام 2009م ، طغت شخصية مدير مكتب الرئيس الفريق “طه عثمان” على شخصية مدير الجهاز ، مع أن مدير المكتب الرئاسي هو أحد ضباط الجهاز !
كان “طه” يباشر الاتصالات في ما يتعلق بملفات الرئيس السياسية والأمنية مع صديقه مدير دائرة الأمن السياسي اللواء “عبدالغفار الشريف” ، لكن “محمد عطا” لم يُبد تبرماً من تشكل دائرة أمنية تعمل من ورائه ، بعلمه أو دون علمه ، ما دام الرئيس يعلم . وربما ساعدت سياسة النفس الطويل التي انتهجها “عطا” في أن يبقى مديراً للجهاز لفترة طويلة امتدت لـ(9) سنوات ، شهدت الكثير من التحولات على الصُعد السياسية ، العسكرية والأمنية ، ولم تشهد البلاد في عهده اختراقات أمنية تذكر ، بل تعاظم دور جهاز الأمن عبر (هيئة العمليات) في العمل العسكري بالجبهات بأطراف دارفور وجنوب كردفان ، ثم نشأت قوات الدعم السريع تحت مظلة جهاز الأمن في العام 2013م ، بعد أن كانت قوةً مسلحةً تتبع لحرس الحدود تساند الجيش في مواجهة التمرد بولايات دارفور .
بالمقابل ، فإن شخصية الفريق “قوش” تبدو صدامية ومتمددة ، ويغلب عليها طموحه السياسي الزائد ، ورغبته التي لا تفتر في الوصول إلى كرسي رئيس الجمهورية .
ويتمتع الفريق “قوش” بطاقة هائلة وقدرة على العمل لساعات طويلة، وعُرف عنه بقاؤه في مكتبه برئاسة الجهاز جنوب القيادة العامة للجيش إلى وقت الفجر ، خاصةً بعد عودته الأخيرة ، محاولاً بكل جهده الإمساك بما تفلت من خيوط السياسة والاقتصاد .
أعاد “قوش” المياه إلى مجاريها مع المصريين ، وبينما لم يكن “محمد عطا” عضواً بوفد الرئيس في عدد من زياراته إلى “القاهرة” ، كان “صلاح قوش” ضمن الوفد الرئاسي إلى مصر بعد أقل من شهر على تعيينه الثاني مديراً للجهاز .
كنتُ ضمن وفد الرئيس مع عدد من الزملاء رؤساء التحرير في تلك الرحلة في مارس 2018م . احتفى الرئيس “عبدالفتاح السيسي” بضيفه الرئيس”البشير” احتفاءً فوق العادة ، وجرت محادثات مغلقة بين الرئيسين بقصر الاتحادية ، خرجا منها وقد علت الابتسامات وجهيهما ، تحدثا للصحفيين عن أهمية تطوير العلاقات الأزلية بين البلدين، وأكد “البشير” دعمه لـ”السيسي” في الانتخابات التي كانت تدق الأبواب بعد انتهاء الدورة الأولى للرئيس المصري ، ثم حضر الرئيسان احتفالاً فنياً باهراً أقامته جمعية الأسرة المصرية في صالة ملحقة باستاد “القاهرة”، ونقلته على الهواء عدد من الفضائيات المصرية والسودانية.
كانت معنويات “البشير” عالية جداً عقب تلك الرحلة .

نواصل غداً .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية