حوارات

وزير الثقافة السابق الأستاذ "السموأل خلف الله" لـ (المجهر):

يعتبر مصطلح الثقافة بحسب تعريف (يكيبيديا)، من المصطلحات متعددة الاستخدام في الحياة العربية المعاصرة، ففي حين يشار في المعاجم العربية إلى حالة الفرد العلمية رفيعة المستوى، فإن اللغات الأوروبية تجعله يقابل الحالة الاجتماعية الشعبية للمجتمع بعيداً عن كونها حالة فردية، وفق المعنى الغربي للثقافة أكثر من معناه العربي، رغم كثرة استخدامها لدى الأخير.
من هذا المنطلق كان حوارنا مع وزير الثقافة السابق الأستاذ “السمو أل خلف الله القريش”، الذي جزم بعدم الحديث في السياسة، متمسكاً بشعاره الذي رفعه قبل عامين تقريباً: (الثقافة تقود الحياة).. مما جعل (المجهر) تناقش معه كافة قضايا (السودان) من منظور ثقافي، فإلى ما قال:

} باعتبارك وزيراً سابقاً للثقافة، ماذا تفعل الوزارة في بلد لا ينفق كما يجب على الثقافة؟

– في اعتقادي أن وزير الثقافة من الوزراء الأكثر إحراجاً في السودان، لأن وزارته تتعامل مع مبدعين ومثقفين وأدباء، وهؤلاء لهم احتياجات شخصية تساعدهم على الإبداع، وكذلك احتياجات فنية لترى برامجهم النور، فوزير الثقافة كما ذكرت دائماً يكون في مأزق.

} ما الحل إذن؟

– الحل في استقطاب الجهد غير الرسمي، خاصة في هذه الفترة، وقد نجحنا كثيراً في السابق، والآن أكثر الأعمال الثقافية تقوم علي رعايتها مؤسسات تؤمن بأهمية العمل الثقافي، ولكن لا تخلو رعايتها من غرض خاص يتمثل في الإعلان عن برامجها ومؤسساتها، والهدف الآخر هو دعم العمل الثقافي.

} تؤيد الرأي القائل أن السودان يفتقر للسياسي المثقف؟

– كثير من السياسيين في السودان أهل ثقافة، وإذا تحدثنا عن رواد الاستقلال كـ “إسماعيل الأزهري”، “خضر حمد”، “محمد احمد المحجوب”،” مبارك زورق” وأولاد الفضل، فهولاء جميعاً أهل ثقافة، واستقلال السودان نفسه قام به المثقفون من خلال المجلات والمنتديات، فكانت جماعة (أبو روف)، وجماعة الفجر، ونادي الخريجين، ولهذا جاء الاستقلال دون إراقة دماء.

} هل الثقافة هي فقط المجلات والكتب؟

– للثقافة معنى شامل يحمل كل العادات والتقاليد والسلوك اليومي للمجتمع، فمثلاً الشخص الذي يعمل في (السعف)، يضفره ويلونه ويصنع منه برش، و(مصلاية) و(مندورة)، يمكن أن نقول هذه ثقافة حقيقية، وصناعة العناقريب و(دق البرام).. كل هذه ثقافة يجب أن تنتبه لها الدولة وتنميها وتقيم لها المعارض في الداخل والخارج، وبهذا تكون ساعدت في نشر الثقافة، لأن الثقافة ليس قراءة الكتب فقط.

} سؤالي عن أن السودان يفتقر للسياسي المثقف، أقصد المثقف الواعي بقضايا وهموم المواطن؟

– والله يا أخي نوعاً ما، وأنا أقصد المثقف الحقيقي الذي تنعكس ثقافته علي هموم مجتمعه، ولهذا اتفق معك. إن المثقف لدينا اليوم ذلك الذي يمتلك كتباً ومكتباً ويذهب للمنتديات ويعود لمنزله، لكن المثقف الذي يؤثر على المجتمع فإني اتفق معك في أننا نفتقر إليه.

} فترة حكم (الإنقاذ )كانت أسوأ فترة للثقافة السودانية؟

– لا.. أبداً، والدليل على ذلك قيام عدد من المهرجانات الثقافية وإنشاء عدد من المراكز تجاوزعددها (75) مركزاً ثقافياً، بجانب القوافل الثقافية التي زارت الكثير من الولايات، كما ازداد عدد الصحف وانتشرت طباعة ونشر الكتب.

} المنتديات التي تتحدث عنها لم تضف جديد فكل عملها محصور في التأبين والتخليد؟

– أتفق معك في أن المنتديات تكرر أعمالها في مجال معين، ولكن إذا نظرنا لدور النشر فمثلاً (دار عزة) تجد بها أكثر من (540) عنواناً، وبأروقة أكثر من (100) عنوان، وبدار الخرطوم للنشر أكثر من (40) أو (50) عنواناً، بالإضافة لمجلة للأطفال. وهناك مركز “عبد الكريم ميرغني” الذي يقدم دراسات ومنتديات جادة، بل طبع كل الوثائق البريطانية، وكذلك لدية جائزة باسم “الطيب صالح” في الرواية.. و(أروقة) لديها مهرجان ميلاد الأغنيات ومهرجان سحر القوافي الذي خرج العديد من المبدعين.

} تتحدث عن الكتب والإصدارات في الوقت الذي تصادر فيه الكتب والمطبوعات وتمزق صفحات المجلات في المطار قبل وصولها للمكتبات؟

– عندما كنا في المصنفات الأدبية والفنية التابعة لوزارة الثقافة، كانت مهمتنا الكتب فقط، وليس المجلات، والكتب التي تمت مصادرتها أو عدم طباعتها أعلم أن بها مشاكل، كالأسلوب أو الألفاظ، حتى لا يتأثر بها المجتمع والشباب، وتوصي المصنفات بعدم جواز نشر الكتاب الذي يخالف سلوك وعادات المجتمع، وكل الذي رفض به قضايا أخلاق عامة، وبعض الذي يرد في هذه الكتب لا يصلح أن نقوله لك في هذا الحوار.

} سبق أن قلت إذا أشهر المسلح السلاح في وجه أخيه فهذه قضية ثقافية، واليوم آلاف الأسلحة تتعارك بين أبناء الوطن؟

– إذا لم يزال هنالك مسلم يشهر سلاحه في وجه أخيه المسلم، فهذه مضلة ثقافية، لأن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر، ولو تثقنا بثقافة هذا الحديث لما كان هنالك قتال، وعدم الحفاظ على الأمة وعلى دمائها يعتبر مشكلة ثقافية.

} إذن هنالك مشكلة؟

– هنالك مشاكل كثيرة وليس مشكلة واحدة، وكلها ثقافية في المقام الأول، وما ننفقه علي الحرب إذا كان أنفقنا نصفه علي الثقافة ما كان اليوم لدينا حروب ولا مشاكل، مثلاً مشكلة دارفور مشكلة ثقافية وإذا نظرت لتاريخها نجد أن القبائل عاشت مع بعضها البعض عشرات السنين دون أن يحدث بينهم قتال، ولكن أثيرت هذه النعرات لضعف دعم الثقافة وبالتالي إستشرت القبلية وأصبح الذي ينفق علي الحرب يمكن أن يبني آلاف المدارس والكثير من الجامعات.
} توافقني بأن هنالك تجاهلاً للعديد من الثقافات المحلية نتجت عنها الصراعات الدائرة الآن؟
– أنا في السابق طرحت شعار (الثقافة تقود الحياة)، وعملت جاداً علي تطبيقه، والدليل علي ذالك فكرة العواصم الثقافية، التي كانت أولها مدينة الجنينة التي شهدت عدداً من المناشط لم تشهدها ولاية غرب دارفور لسنوات طويلة، وذهب الفنان “محمد الأمين” والأكروبات والفنون الشعبية و”النور الجيلانى” وكثير من الفنانين الشباب، وبشهادة الوالي قلت الحوادث الأمنية في ذلك العام، وأصبحت الجنينة علي كل لسان، وكتب الكتاب عن هذا المشروع. والأمر الثاني كانت ليالي السودان التي منحت فرصة لكل الولايات لتقدم شعراءها وفنانيها وموسيقيها ومبدعيها، وجميعهم قدموا نشاطهم في ذلك المهرجان. وكذلك أقمنا المكتبات في القضارف والأبيض وبورتسودان وعشرات المكتبات الأخرى، وهذه كانت بداية صحيحة لإدارة التنوع الثقافي في السودان، لكن الذي بدأته لم يكتمل بسبب مغادرتي للوزارة.
} مهرجان الثقافة الذي تحدثت عنه لم يحرك بركة السكون الولائي؟
– أولاً المهرجان قام بعد حراك ثقافي شامل في كل الولايات، وعدد الذين شاركوا في هذا المهرجان (1200) مبدع من الولايات، إضافة للمبدعين من داخل العاصمة. أما اثر هذه المشاركات فأعتقد أن وقت تقييمها لم يحن بعد، لأن المهرجان كان قبل ستة أشهر فقط، ولكن حتما سيكون له أثر إيجابي.
} علاقة الثقافة بالهوية؟
– ظهرت حديثاً موضة جديدة في السودان اسمها مشكلة الهوية.. والسودان هويته معروفة فهو عربي أفريقي مسلم بجانب بعض الأشياء.
} ألا تتفق معي أن السودان مجرد قبائل لم تتوحد بعد تحت مظلة واحدة؟
– لا أتفق معك.. هويتنا هي (التوب السوداني) و(العمة).. وسحنتنا تميزنا.
} لكن (التوب) و(العمة) ليس في كل السودان؟
– جميل أن يوجد في السودان العمة والثوب والسروال والسديري و(اللاوي).. هذا كله يوضح أن السودان متعدد الثقافات، ولكن في النهاية تجد أن الثقافة السودانية مرتبطة ببعضها البعض، وقبل الانفصال حدثني أحد ولاة الولايات الجنوبية فقال لي: يمكن أن تجد شخصاً في منطقة جنوبية لم يرَ أم درمان في حياته ولم يقابل “صلاح ابن البادية” ولا “محمد يوسف موسي” مثلاً، ولكنه يطلق على محله التجاري اسم محلات (حسنك أمر)!!
} لكن لم نحتفِ بالأدب الجنوبي حتى انفصل؟
– لا يوجد شاعر شمالي لم يكتب لمدن جنوبية.. فدونك مريدي واليابيو وتوريت وجوبا. الشماليون غنوا للجنوب أكثر من غناء الجنوبيين للشمال.. أما الأدب الجنوبي لم يظهر لنا أديب جنوبي كتب بلغة قبيلته، فكل الذين كتبوا فعلوا باللغة الانجليزية.
} ماذا تريد من الدولة أن تقدم للثقافة؟
– إذا نظرنا للدول الكبرى مثلا نجدها لا تنفق علي الثقافة.. فأمريكا مثلا لا تنفق على الثقافة، وكل المؤسسات التي تحرك الثقافة فيها مؤسسات أهلية، ونحن لا نريد من الدولة أن تنفق على الثقافة.. كل الذي نريده أن تلغي الضرائب عن المسرح وتسهل الإعلام وتمنحنا الحرية في تقديم الأعمال وتفتح لنا المنافذ.
} حزين على مغادرتك لوزارة الثقافة؟
– حزين لمغادرتي للوزارة لأن مشروعاتي التي بدأتها لم تكتمل بعد، ومنها المكتبة الوطنية، واستطعت أن أتحصل لها على أرض بمساحة (11) ألف متر في موقع لا يحلم أحد بإيجاده اليوم، لأنه في مقرن النيلين مقابلاً للنيل وللمتحف القومي.. كما استطعت أن أجعل السيد رئيس الجمهورية ونائبه الأول “علي عثمان” ومحافظ بنك السودان ووزير المالية جميعهم يجلسون وينفقون على تمويل المكتبة الوطنية، وعملنا الخرط وجهزناها وحددنا المبلغ (40) مليون دولار، و(طلعنا) تصديق بنك السودان.. وهنا وقف العمل.
} صف لي إحساسك عندما تمر قبالة وزارة الثقافة؟
– وزارة الثقافة كانت برنامجاً انتخابياً للسيد الرئيس، وعندما التقى رئيس الجمهورية بالمبدعين في 30 يناير عام 2010م وعدهم بهذه الوزارة، واليوم الكثيرون منهم غير راضين عن دمج الوزارة، وإذا جاء وزير آخر فليكن، ولكن أن تدمج فهذا غير مقبول للكثيرين في الوسط الثقافي خاصة بعد أن بدأت وزارة الثقافة ولأول مرة تقدم الأعمال الكبيرة.
} هذه وجهة نظر المثقفين، ولكن ما هي وجهة نظرك انت؟
– يجب أن تستمر وزارة الثقافة حتى نهاية دورة الرئيس الحالية، لأنها كما ذكرت واحدة من برنامجه الانتخابي.
} أيهما أهم حسب تقديرك.. وزارة للثقافة أم للإعلام؟
– الأمثل أن تكون هنالك وزارة للثقافة والإعلام ولكن إذا خيرت بينهما وزارة الثقافة أهم من الإعلام.
} إلى ماذا تعزي الصراع بين الصوفية والسلفيين؟
– لقلة العلم.. كل الذين يقيمون هذه الأعاصير بين الصوفية ومن يسمون بالسلفيين يمكن أن نسميهم أشباه علماء.
} الاستبداد السياسي يخلق مثل هذه التشوهات نتيجة للعقم الثقافي؟
– الاستبداد أصلاً مرفوض حتى ولو لم يكن سياسياً، فهنالك استبداد اجتماعي وغيره، ونعلم أن الاستبداد غير موجود في الإسلام وغير مطلوب في الثقافة.
} أنت مهموم بالثقافة؟
– لست مهموماً فقط.. بل الثقافة (فيروس) يجري في دمي، وعندما تخرجت من جامعة الأزهر اغترب زملائي ولكنني عدت للسودان لأعمل في مجال الثقافة في السودان.
} ماذا كنت ستفعل لو فوضت رئيساً؟
– سأجعل وزارتي الثقافة والتربية من الوزارات السيادية، لأن الثقافة والتربية والتعليم تحافظ على الكثير من الموروثات الثقافية والاجتماعية، والآن لماذا حدثت نهضة في ماليزيا لأن وزارة التربية والتعليم هنالك متقدمة.
} بماذا تحلم ثقافياً؟
– أحلم بمكتبة عامة في كل محلية على الأقل، وبمكتبة في كل مدرسة، وبناد في كل حي.. والفتنة السياسية لا تلفتنا عن شخصياتنا.. فمثلاً شخص مثل الدكتور”الفاتح قريب الله” لدية (120) كتاباً مطبوعاً خلاف التي لم تصدر، ولم يجد تكريماً في السودان.. والإمام “الصادق المهدي” لديه أكثر من (100) كتاب.. و”مصطفى عثمان إسماعيل” لدية العديد من الكتب، ولكنهم لم يكرموا ككتاب، وأنا أتمنى أن نلتفت جميعاً لموضوع الثقافة لأنها تحتاج لأناس من هذه المجتمع يقودننا للأمام.
} تتحدث عن مكتبة في مدارس تلاميذ الصف الثامن فيما كثير منهم لا يقرأون دروسهم اليومية؟
– سبق أن طرحت اقتراحاً في مجلس الوزراء وأجيز، وهو أن تقوم كل مدرسة بإنشاء مكتبة وتضع في الجدول حصة للمكتبة وحصة للفنون، وتعاد الجمعية الأدبية، وأقول بصدق إذا لم يتم تنفيذ هذا سيكون الحال أسوأ مما ذكرته.. وسوف أعطيك مثالاً: اليوم الأستاذ لا يستطيع تصحيح ورقة طالب اللغة العربية ناهيك عن الكيمياء والفيزياء من سوء الكتابة والخط!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية