المؤتمر الوطني .. تلمُّس طريق العودة وسط ركام أزمات الحكومة المتلاحقة
لم يمضِ شهر على قرار تفكيكه
الخرطوم الطيب محمد خير
عاود حزب المؤتمر الوطني الممنوع من مزاولة أي نشاط سياسي الظهور إلى الواجهة السياسية متحدياً قرار حله الصادر من لجنة إزالة التمكين، وفاجأ الساحة السياسية والإعلامية بعقد لقاء حاشد لعدد من قياداته وكوادره الوسيطة بمحلية شرق النيل.
وناقش اللقاء، الذي رُددت فيه شعارات الإسلاميين المعهودة، وخاطبه رئيس الحزب بولاية الخرطوم “أنس عمر” ــ حسب الفيديو الذي نُشر في صفحة طلاب المؤتمر الوطني على (الإنترنت) ــ كيفية تفعيل وتنظيم هياكل الحزب لتستمر في أداء مهمتها استعداداً لمرحلة الانتخابات التي تعقب الفترة الانتقالية، مما يعني عودته للمشاركة في الحياة السياسية والبرلمانية القادمة، رغم قرار حظره من ممارسة نشاطه السياسي رسمياً بقرار من لجنة إزالة التمكين، مما أثار جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولم يكن لقاء شرق النيل هو الأول من نوعه الذي يتحدى فيه المؤتمر الوطني قانون تفكيك نظام الإنقاذ الذي قضى بحله ومصادرة أمواله وتعليق النشاط السياسي، بجانب قرار حظره السياسي الصادر منذ (12) أبريل في البيان الثاني الذي تلاه وقتها رئيس المجلس العسكري الفريق أول “عبد الفتاح البرهان”، إذ اعتبر الوطني حسب بياناته الصادرة هذه القرارات حبراً على ورق، ولوح بأنه سيواجه أي خطوة لحله، تمنعه من حقه المشروع في الممارسة السياسية بوابل من الغضب الذي لن يسلم منه أحد، مما جعل البعض يتخوف من حدوث أجندة تخريبية ربما قادتها فصائل من حزب المؤتمر الوطني. وأوضح أن الوطني تحدى هذه القرارات، واستأنف نشاطه كالمعتاد منذ ديسمبر بخروج مناصروه في مليونية (الزحف الاخضر) التي تزامنت مع جلسة النطق بالحكم على رئيسه المخلوع في قضية حيازة النقد الأجنبي، بجانب ما رشح من حديث لا زال متداولاً عن فتح خطوط اتصال وحوار بين قيادات في المؤتمر الوطني وبعض مكونات قوى الحرية والتغيير، بل من قبل مسؤولين كبار في الجهاز التنفيذي للاستعانة بمقدرات رموز الوطني المالية، للمساهمة في إيجاد حلول ومخارج من الأزمة الاقتصادية التي تحاصر الحكومة الانتقالية، في المقابل وجود مؤشرات اعتراف رئيس المؤتمر الوطني المكلف د.”إبراهيم غندور” بالثورة بأنها شعبية مكتملة الأركان بانحياز الجيش، بل “ذهب غندور” في تغريداته المتواصلة على حسابه الشخصي على تطبيق (فيس بوك) إلى أبعد من ذلك، وقطع بمساهمة المؤتمر الوطني في نجاحها بعدم مصادمته للتغيير، وآثر الانسحاب. ويوحي حديث “غندور” بإن الغالبية من طلقاء المؤتمر الوطني ليست لديهم رغبة في إزالة الواقع الجديد؛ لجهة أنهم لم يكونوا راضين عن الأوضاع الداخلية للحزب.
لكن تشكل عودة المؤتمر الوطني لممارسة نشاطه السياسي بصورة علنية صارخة باسمه (المؤتمر الوطني)، ولم يكتمل العام من الإطاحة به، بل بعد شهور من صدور قانون تفكيكه، مفاجأة من العيار الثقيل للساحة السياسية التي تعددت فيها التوقعات لسناريوهات نهاية (الوطني) بداية من سناريو مصير الاتحاد الاشتراكي الذي تبخر بعد الإطاحة به في أبريل 1985م، وهو ما استبعده “إبراهيم غندور”، وهناك من توقع عودة (الوطني) للعلن عبر أبواب ومنافذ أخرى منها الذوبان في أحزاب تتفق معه في الأيديولوجية والطرح السياسيي مثل حزب المؤتمر الشعبي، بعد أن أثار تغيير اسمه جدلاً بين الطلقاء من قياداته، وأصبح موضع خلاف باعتباره يشكل إدانة لتاريخه، ويعتبر د. “قطبي المهدي” من أبرز المعارضين لتغيير الاسم الذين يرون ضرورة تغيير القيادات والوجوه باعتباره مطلباً للرأي العام السوداني وحتى لعضوية الحزب وقواعده التي لن ترضى بالوجوه القديمة على خلفية أزمة الثقة التي سبقت السقوط.
لكن يبقى السؤال قائماً هل ينجح المؤتمر الوطني في رفع الحظر المفروض على نشاطه السياسي، وهل ستتحرك لجنة تفيكيك النظام في الاتجاه المضاد لتحركه وممارسة نشاطه ذي الصبغة السياسية الذي حسب إقراراتها يعد خرقاً للقانون يستوجب العقوبة؟. ويرهن مراقبون عودة حزب المؤتمر الوطني للعمل ضمن المنظومة السياسية السودانية بمقدرة رموزه الطلقاء على غربلة الجوانب القانونية والسياسية لفك التشابك بين الحزب وقياداته المتهمة بالفساد والتدهور الاقتصادي طوال الثلاين عاماً الماضية، فضلاً عن اتهامها بقتل المتظاهرين، هذا ما ستوضحه الأيام المقبلة في المشهد السياسي السوداني.
وقال القيادي بالمؤتمر الشعبي “أبوبكر عبد الرازق” لـ(المجهر) إن ظهور المؤتمر الوطني للعلن لا يشكل لهم أي مفاجأة، لجهة أن المؤتمر الوطني لا يزال الحزب الحاكم الذي أنجز الانقلاب على “البشير”، وهم الذين اعتقلوا قادتهم الكبار في الصف الأول، واستمر مسيطراً على المشهد، ويدير المسرح السياسي من وراء ستار في هذه المسرحية، والآن يتحكمون في الردم السياسي، وهم الذين رتبوا لقاء كمبالا الذي جمع “البرهان” بالرئيس الإسرائيلي “نتياهو” .
ويرى “عبد الرازق” أن توقيت الظهور يعني أنهم رتبوا أوضاعهم بعد إنجاز المرحلة الأولى من الإطاحة بـ”البشير” وقادتهم الكبار عبر اللجنة الأمنية، وأكملوا سيطرتهم على الساحة بسيطرة المكون العسكري، وأن الوضع النفسي لدى الجماهير أصبح مهيئاً لعودتهم ولاسيما بعد الأداء السيئ والمتدني، والفشل الذي لازم حكومة (قحت) التي دفع بها للواجهة لحرقها بفشلها في التصدي للأزمات المعيشية التي تواجه المواطن، ويريدون الدخول بعد أن لعبت (قحت) دور (الكومبارس) بامتياز، وهم يشكلون حكومة الظل غير المرئية في إدارة البلاد ويتحكمون في الأزمات وانفراجها وتصاعدها .