ما الذي يمكن أن يكون قد خرج به اللقاء الذي تم أمس، في القاهرة، بين نائب رئيس المجلس السيادي السوداني الفريق أول “محمد حمدان دقلو” (حميدتي) والرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”؟.. سؤال خطير و إجابته تحمل من الخطورة ما يفوق خطورة السؤال.. عدة موضوعات ملازمة لأوضاع البلدين كلاً على حدة بالإضافة لموضوعات أخرى تقاطع بعضها البعض في علاقة البلدان لا شك تجعل للخيال مساحات واسعة وغير محدودة الأفق، إلا أن طبيعة الرجلين وتاريخهما القريب والبعيد يجعل من بعض ذلك الخيال نسيجاً متماسكاً يمكن أن يصنع حقيقة قد ترى النور قريباً بتفاعلات أحداثها وآثارها.. القاهرة تواجه الآن في داخلها حالة من الاستقرار الاقتصادي والأمني المشوبين بحذر خفي قد لا تومض ناره الآن تحت الرماد، إلا أن من يلامس من ذلك ما هو تحت سطح الأشياء وأسفلت شوارع القاهرة التي يعاد تعبيد بعضها الآن مع مسارات جديدة للمترو، ومخططات أخرى للأنفاق والكباري والمدن قد يشعر بلسع ما على أنامل يده، إلا أن المشهد العام لا يعطي لهذا أهمية ذات أثر عاجل في معطيات الواقع السياسي المصري الراهن الموسوم بذلك الاستقرار المتقدم على الأقل أمنياً واقتصادياً، وهو مشهد يناقض وبالتأكيد المشهد الداخلي السوداني بكل ما عليه من أوجاع اقتصادية تزداد إلى حد سماع صراخ أصوات غرفة الولادة مع اضطراب سياسي غريب، لم يكن يتوقعه العالم المتابع ليوميات الخرطوم الثورية بالرغم من تحذيرات الأذكياء، ومنذ وقت مبكّر من إنشاء جسم حكومي انتقالي تتنازعه روح الطموح السياسي لشريكين متضادين في كل شيء حتى في لغتهما السياسية ورؤيتهما لمشروع الدولة في صلبه ومتنه وحتى أطرافه.. وعلى وجه التقاطع ذاك بين خارج الخرطوم ورصيفتها القاهرة تتزاحم تناقضات الموقفين على وجه لم يصل يوماً إلى ما عليه الآن من قلق وخطورة طوال علاقة البلدين بعد استقلالهما في منتصف خمسينيات القرن الماضي، وهو الأمر الذي سلب ما تبقى من ثقة متبادلة حتى على أدق ملفات الطرفين خطورة وإستراتيجية.. وليس سد النهضة وحده ما يعبر عن ذلك بالرغم من حجمه وخطورته الشديدة وما اعترى الجانبين من خلاف أخير بتحفظ المفاوض السوداني على ما يؤيد الموقف المصري ويدعمه عربياً، فهنالك ملفات أخرى تزيد من توسيع شرخ الخلاف وليس سراً إن عرف العامة هنا وهناك عن رأي القاهرة وموقفها الحقيقي من واقع ومستقبل الحراك السياسي الداخلي للخرطوم، كما أن توترات الخرطوم من تحركات القاهرة الدولية والإقليمية المكبلة لحراك الخرطوم والهازم لتطلعات بعض مكونها السياسي المدني يجعل القلق مترسخاً في الذهن السوداني باختلاف وتباين أهداف كل طرف من أطراف لعبته السياسية الداخلية سواءً على مستوى طموحات أصحاب البزات العسكرية أو أصحاب المشروعات السياسية التاريخية.. كل هذا يغلق على توقعات نتائج لقاء (السيسي – حميدتي) بالطبلة المفتاح، إلا أن شيئاً واحداً يبقى ذَا موضوعية وقيمة، وهو الذي يفلح صاحبه في التنبؤ بحجم قدرة القاهرة في استيعاب طموحات الزائر السوداني ومرونته في تبديل خططه وإدارتها مائة وثمانين درجة وفق ضمانات سيصعد نفس “السيسي” ويهبط عشرات المرات، وهو يجتهد في إيداعها ذهنية وقلب رجل علمته تجاربه أن لا يثق مطلقاً في يده اليسرى حتى وإن تشابكت مع اليمنى على جسده الواحد ..
اشترك بالنشرة البريدية ليصلك كل جديد
مقالات ذات صلة
اللهم أحفظ السودان .. !!
2021-06-12
شاهد أيضاً
إغلاق
-
اللهم أحفظ السودان .. !!2021-06-12