ربع مقال

من حديث المساطيل

د. خالد حسن لقمان

يبدو أن الحالة المعيشية المتفاقمة بصعوبتها الآن قد أدخلت البعض في حالة من التوهان الذهني الذي يشابه ذلك الذي يدخله المساطيل، ومن بين ذلك نجد ما وجهه أحدهم أخيراً للمواطن السوداني: (إذا استطعت أيها المواطن السوداني أن تخرج من الصباح بعربية فيها وقود، فعينيك وأنت على الطريق ستتحركان على محجريهما شمالاً ويميناً، كما وصاحب التاكسي الذي يبحث عن الزبائن، ولكنك هنا ستبحث عن الطلمبة الشغالة والفرن الشغال، وتبدأ إذا وجدت الأولى بعد طوافك على سبع أو ثماني طلمبات في محاولتك إحصاء عدد السيارات التي تقف أمامك في الصف، وهي مهمة في حد ذاتها أصبحت صعبة للغاية، لأن صفوف الطلمبات لم تعد كصفوف الطلمبات بالأمس.. الآن يمكن لصف الطلمبة أن يصل بك مسافة كيلو كامل، وقد يكون هذا الكيلو مستقيماً ولكن في أحيان كثيرة يكون ملولو) ماراً بأكثر من شارع وزقاق وحارة.. طريق نضال حقيقي يعبر بك الحفر والبالوعات والمطبات الطبيعية في أغرب وأعجب صورة لحياة جديدة عشوائية بدأت الآن تنشأ على المسارات المؤدية للطلمبات التي تنتظم على خطوطها السيارات .. بائعات الشاي والطعام خاصة العصيدة والقراصة والكسرة وهنالك اللقيمات بالشاي والمدايد بأنواعها.. مديدة الحلبة ومديدة الدخن ومديدة البلح وبعض الصبية (من الفاقد التربوي) يحاولون بيع ما بأيديهم من قارورات المياه ومناديل الورق، وآخرون منهم بدأ بحمل بعض السندوتشات والفطائر الشامية.. وإذا أفلحت بقدرة الله وفضله في الوصول بعد (4 ــ 7) ساعات إلى الطلمبة فاسأل المولى أن لا يأتيك خبر كما والسكتة القلبية وانت في ( خط ستة) يفجعك بانقطاع وقود الطلمبة.. عندها ستلعن كل شيء، ولكن الأمل سيتجدد لديك إذا وجدت في طريقك وانت عائد من الطلمبة فرناً شغالاً، حيث لن تتردد في الوقوف في الصف، وتبدأ وكالعادة في عد الذين أمامك، ولا بأس إذا لم يتجاوزوا (20) شخصاً ومع صراخ الأطفال وعراك الكبار وشمارات النسوان التي يأتيك بعضها من الصف الموازي لصف الرجال ستنتظر دورك، ولكن إذا قطع الفرن، وأنت على بعد خطوة من شباك البيع، فلا تعتقد مطلقاً أنك المقصود بذلك في كل الأحوال، بل احبس غضبك، واستغفر الله، وامضِ في طريقك، وها هو صف غاز أمامك سيعوضك ما لم تنله في صفي البنزين والعيش .. ولكن قد لا تجد نوع الغاز الذي تريده لأنك تحمل أسطوانة غاز لا يوجد منها في هذا (الدكان) .. وهذا ما يحدث لك بالفعل الآن.. لا لا .. أرجوك لا تغضب، وامضِ في طريقك هذه المرة لمنزلك فوراً لتنام حتى ترتاح من هذا المجهود الكبير الذي بذلته ما بين الطلمبة والفرن ودكان الغاز .. ولكن ما هذا؟ لماذا توقفت سيارتك في منتصف الطريق؟ .. أرجوك لا تغضب لأن سيارتك بنزينها قطع.. هذا أمر يحدث في أرقى المجتمعات البشرية.. فقط استغفر الله فأنت سوداني كامل الدسم ) ..

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية