رغم أن حب الاستطلاع أو ما يسمى (بالشمار) ارتفعت معدلاته مؤخراً في المجتمع السوداني، وأصبحنا نخلق من الحبة قبة، ونعمل لعدم الموضوع موضوع، و(توم وشمار) رغم ذلك مر الحادث الذي تعرض له دولة رئيس الوزراء الدكتور “عبد الله حمدوك” بأسرع مما كنا نتخيل، ولم يجد ما هو متوقع من تناول وتداول في جلسات المدينة، وفي أحاديث الغبش وتجمعاتهم في الأسواق وجلسات العصاري، وبالأمس القريب دفعتني الحاسة الصحفية إلى محاولة جس نبض الناس، وتلمس أحاديثهم، وعلى فكرة نحن دائماً موجودون معهم نشعر بهم، ولا يشعرون بنا، نحسهم وربما لا يحسون بنا، لذلك نكتب منهم وإليهم، أقول حاولت أن أقيس تفاعل الشارع مع الحدث، فذهبت إلى السوق، ثم إلى صف الخبز، وصادف أنني كنت مدعوة إلى مناسبة اجتماعية في المساء، ولم أشعر أبداً أن الحدث أخذ حيزاً من الاهتمام أكثر مما حدث لحظة وقوعه، وواضح جداً أن الناس أصبحت مشغولة بهمومها وتفاصيل حياتها أكثر من أي موضوع آخر، وواضح أن الشارع مشغول بقضاياه وأزماته أكثر من انشغاله بحادثة، حتى لو كانت بهذه الضخامة التي تصل إلى محاولة اغتيال رئيس الوزراء، وهي حادثة دخيلة وغريبة وجديدة على المجتمع السوداني لكن كمان مشاكل الناس وأزماتهم أخذت منعطفاً كبيراً واحتلت حيزاً لا تستطيع أن تشغله أي قضية مهما كان طولها وعرضها. ودعوني أقول إنني أمس ظللت وأنا أقف لآخذ دوري في صف العيش الطويل جداً المخصص للنساء، ظللت أمارس حالة من (البحلقة) جعلتني أنسى رهق الساعات الطويلة التي أمضيتها، وأنا أقف على أقدامي ظللت (أبحلق) وأتفحص وجوه المواطنين المصلوبين في صف العيش لأقرأ في عيونهم مئات من عبارات الحزن والتعب والإرهاق، وعشرات من عبارات الغضب على هذا الحال الذي لا يريد أن ينعدل، والقاسم المشترك بينهم جميعاً كان تكشيرة وصرة وش، واستعداد (للشكل) على أقل كلمة، وطبعاً ليس هذا طبعاً متأصلاً فينا، لكنه تطبُّع اكتسبناه بكثرة الإخفاقات وضياع الرؤية، وعديد الإحباطات وتراكم الأزمات، لذلك أصابت الناس حالة أشبه بالانفصال عن ما حولها، حتى لو كان ما حولها كبير بحجم انفجار كاد يودي بحياة رئيس الوزراء.
الدايرة أقوله من هذا الحديث أن المجتمع السوداني المعروف عنه ومشهود له التداخل الذي يصل أحيانا حد التدخل في خصوصيات الآخر اكتسب خاصية جديدة، جعلته منغلقاً على ذاته، وفي حالة أقرب الي حالة (يا روح ما بعدك روح) والدليل على ذلك أن حادثة التفجير انتهى الحديث عنها في ذات اليوم، وأخذت وقتاً أقل بكثير مما كنت أتوقعه أو ما يفترض أن يحدث.
الدايرة أقوله إن الشخصية السودانية شهدت تغييراً كبيراً في السنوات الأخيرة، وهو تغيير طبيعي في ظل الخيبات والإحباطات والضربات التي ظلت تتلقاها من النخب الحاكمة، وبالتالي فقدت خاصية الولاء والانجذاب الشديد للرموز السياسية، وربما ما عادت هذه الشخصيات تحتل أصلاً خانة الرمزية، ليكشف حادث الدكتور “حمدوك” هذا الفصل الجديد في تاريخ الحياة السودانية الذي وضح بما لا يدع مجالاً للشك أنه أصبحت هناك هوة كبيرة بين الشارع والصف الحاكم، ردمها لن يتم إلا بانتهاء معاناة الناس وانقضاء عذاباتهم.
كلمة عزيزة
لا أدري سبباً ومبرراً لتهافت قوي الحرية والتغيير على تعيين الولاة، حتى لو كان هذا التعيين سيغرق مركب التفاوض مع الحركات المسلحة، ويعطل عملية السلام، اللهم إلا أنها تأكيداً للتهافت على المناصب والمحاصصات، وكدي نسالكم سؤال: انتو جارين ليه على مقاعد الولاة وناسكم الفي مجلس الوزراء أو السيادي قاعدين ساي وأحمد يشبه حاج أحمد؟
كلمة أعز
التفجير الذي استهدف موكب “حمدوك” يرد على دعاة تفكيك الأجهزة الأمنية بأن بلادنا مستهدفة وقابلة للانفجار، والذين يحرضون على معاداة الأجهزة النظامية، هم مجرد مسطحين وما عارفين (القطر ماشي على وين).