رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.. ما الذي تريده أمريكا ؟!
خبراء ودبلوماسيون وصفوا الحديث عنه بدغدغة مشاعر
الخرطوم ـ محمد علي كدابة
رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ملف ظل يشغل بال كثير من دول العالم ومواقف جادة للاتحادين الأروبي الأفريقي لطي هذا الملف، وإنهاء عزلة (35) عاماً، ظل فيها السودان محاصراً بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية. وبشريات قوية بدأت تلوح في الأوفق وسط ترقب كبير خلال هذه الأيام بخروج السودان من القائمة السوداء للإرهاب، وزرعت تأكيدات مساعد وزير الخزانة الأميركي والمسؤول الخاص عن ملف الارهاب “مارشال بيلنغسي” الفرح في نفوس الشعب السوداني الذي ظل ينتظر اللحظة الذي يعلن فيها شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وأكد “مارشال بيلنغسي”، في زيارته للخرطوم في الأيام القليلة الماضية التي التقي فيها رئيس مجلس الوزراء “عبد الله حمدوك”، ووزيرة الخارجية “أسماء عبد الله”، أكد أن رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب أصبح مسألة وقت فقط، وأن هناك لجاناً أمريكية تعمل في هذا الاتجاه.
ورغم تلك الزيارات الرسمية الداعمة لإزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية السوداء، إلا أن مراقبين يرون أنه لم يحدث حتى الآن أي اختراق في هذه القضية .
وجهات نظر متباينة
تباينت آراء الدبلوماسيين وخبراء الاقتصاد حول الموقف الأمريكي الذي وصفوه بالمتذبذب وغير الواضح في خطوته المرتقبة لشطب اسم السودان من قائمة الإرهاب، خاصة بعد بيان وزارة الخارجية الأمريكية، أمس الأول، حول محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها رئيس مجلس الوزراء “حمدوك” التي قالت فيها إنها تشعر بالصدمة، مما اعتبره السفير “الطريفي أحمد كرمنو” مراوغة ودغدغة للمشاعر. وقال “كرمنو” لـ(المجهر) أمس، إنه بمجرد ما صدر بيان السفارة الأمريكية وإعلانها شعورها بالصدمة تغيرت عنده القناعة بأن هذا الأمر لا يتم الآن، لأن الإدارة الأمريكية تعلم بالصدمات الكثيرة التي حدثت ولا زالت تحدث. واعتبر “كرمنو” الأزمة الأقتصادية الخانقة التي يمر بها السودان من أكبر الصدمات التي تتجاهلها أمريكا.
مسكنات
وقلل “كرمنو” من حديث نائب وزير الخزانة الأمريكية الذي قال فيه إن رفع اسم السودان من قائمة دول الإرهاب أصبح مسألة وقت، ووصفه بالحديث الإنشائي الذي لم تحدد فيه أمريكا موعداً رسمياً لإزالة اسم السودان. وقال: (نحن نطالب أمريكا بأن تسمي وقتاً للرفع، ولو قالت (6) شهور، فهذا يعبر عن جديتها). ودعا الجهات الداعمة إلى العمل على تحديد موعد. وأشار إلى أن أمريكا حتى الآن لم ترسل سفيرها للخرطوم. وقال من السهل جداً أن تبعث الخرطوم بسفير لها. وطالب “كرمنو” أمريكا بالجدية في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حتى يتسنى له دفع التعويضات المفروضة عليه في قضية المدمرة (كول). كما طالبها بالبحث عن المتسبب الأساسي في عملية التفجيرات لتتحصل منه على التعويضات، بدلاً عن السودان الذي أكد عدم مشاركته. ووصف الحديث الذي يدور حول خطوات لرفع اسم السودان بالمسكنات .
شريك اقتصادي
أمريكا تنظر لملف الإرهاب من زاوية مصالحها الإستراتيجية، هذا ما قاله الخبير الاقتصادي “سيد الحسن”، وتابع بالقول: (حكاية الدول الراعية للإرهاب ما هي إلا ذريعة ظللت تتحجج بها أمريكا لتحقيق أجندتها الخاصة). وقلل من رفع العقوبات الاقتصادية. وأشار إلى أن أمريكا ليس أمامها حل غير رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. وأشار “سيد الحسن” إلى أن أمريكا تريد أن تبحث جادة لتأمين موقفها الاقتصادي من خلال موارد السودان المتنوعة والمتفردة، مشيراً إلى أن الاقتصاد العالمي أصبح يعتمد على القطاع الخدمي بنسبة (70%) والقطاع السلعي بنسبة (30%) من خلال دراسة أجريت في العام 2007م. ويرى “سيد” أن السودان الآن أصبح بالنسبة لأمريكا من الدول المهمة في الاستثمار، والشريك الاقتصادي المؤكد بعد نذر الأزمة المتوقعة في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات التي تجعل أمريكا تتنازل عن موقفها السابق تفادياً للآثار السالبة في الاقتصاد الأمريكي الذي يترقب أزمة اقتصادية قادمة.
اللوبيات وجماعة الضغط
السفير السابق، أستاذ للعلوم السياسية د. “إبراهيم البشير الكباشي” له رؤية مخالفة لمن سبقوه، مشيراً إلى أن هناك استفتاءً تم لدول استهدفت بالعقوبات، من تراكم تجاربها. وقال في حديثه لـ(المجهر) أمس، إن النظام الذي صممته أمريكا لإدارة عقوباتها على دول العالم شديد التعقيد، والخلاص منه عسيراً، موضحاً أن العقوبات في بداية أمرها كانت حملات دعائية للمنظمات المعادية للدولة المستهدفة كحال السودان، وحشدت الجمعيات (اللوبيات) ضغوطاً على حكوماتها حتى تتحول الدعاية السياسية إلى قانون نافذ للعقوبات، وبذلك تقع الدولة الضحية في شباك يتجدد نسجها عاماً بعد عام. وقال “الكباشي” إن المنظمات التي دأبت لعشرات السنين تضغط من أجل فرض العقوبات يزداد ضغطها كلما أوفت الحكومة المستهدفة (كيفما كانت هوية قادتها) بمطلوبات الضاغطين. فكلما اقتربت الحكومة من الإيفاء بمطلوباتهم، يأتيها الجواب بأن عليها الإيفاء بمطلوبات متجددة. بوصلة الحركة السياسية للمنظمات لا تصوب وفق أنات الشعوب بسبب ضغط العقوبات الأليم، وإنما تصوب – فقط – وفق هدفها الإستراتيجي المرسوم بدقة.
بقاء معتاد.
ويوضح أن الهدف الإستراتيجي الأبرز من اعتماد سياسة العقوبات هو خلق الفشل في البلاد التي تضعها أمريكا وحلفاؤها في مصفوفة أعدائها حتى تعجز عن توفير الحد الأدنى للبقاء المعتاد، وتثبت صفة (الدولة الفاشلة) في مدونات المنظمات الدولية، عندما يحيط بالبلد المعني اثنا عشر مؤشراً هي: (الضغط السكاني، هجرة العقول المدربة، وانتشار الصناعات الخطرة، وتدهور صرف العملة الوطنية، وعجز الدولة عن مقابلة الاحتياجات الأساسية بما في ذلك مرتبات العاملين، وتفشي الفساد، وتمدد الكيانات التي تمارس الجريمة المنظمة، وانهيار الخدمات العامة الحيوية، والانقسام النخبوي الحاد، وانهيار النظام العدلي والقضائي).
فوارق جوهرية.
ويرى أن الفارق الجوهري بين السودان ونظرائه، أن تلك الدول اعتمدت سياسات اقتصادية ومجتمعية صارمة في حسن إدارة الموارد وتوجيهها في اتجاه يجعل الاقتصاد الوطني .
مساعٍ مكتسبة
واكتسبت مساعي السودان للخروج من القائمة الأميركية للإرهاب ضجيجاً كبيراً بعد ثورة (19) ديسمبر، وانتظمت زيارات متبادلة بين الخرطوم وواشنطن، شملت وفوداً رسمية أمريكية وأعضاء من الكونغرس، بجانب المنظمات العالمية الداعمة أبرزها زيارة رئيس جمهورية ألمانيا، والاتحاد الأوربي، والأفريقي الذي أعلن رسمياً تبنيه هذه القضية حتي يخرج السودان من قائمة دول الإرهاب.
وتنتظر الخرطوم تسوية قضية التفجيرات التي طالت سفارتي واشنطن في نيروبي ودار السلام، لتتمكن من الوصول معهم إلى تفاهمات تفتح لها الطريق للنجاة من قائمة الإرهاب السوداء .
وكان لقاء “البرهان” و”بنيامين نتنياهو” بالمدينة الأوغندية “عينتبي”، زاد من طموح السودان إلى رفع اسمه من القائمة الأميركية للإرهاب خاصة بعد زيارة رئيس مجلس الوزراء حمدوك إلى “واشنطن”، وأكد ذلك تصريحات وزير الخارجية الأميركي “بومبيو” بأن هناك جهوداً مكثفة لإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب”.
إلا أن دراسة لخدمة أبحاث الكونغرس تشير كذلك إلى أن من حق الكونغرس “تفعيل بعض التشريعات والقوانين التي تعمل كحاجز أمام السلطة الكاملة للرئيس لإخراج دولة من قائمة الإرهاب إذا رغبت الأغلبية في ذلك”
ويرى خبير الشؤون الأفريقية بالمجلس الأطلسي “كاميرون هادسون” أن هناك فرصة للحديث عن شطب السودان من القائمة. وقال في تغريدة له إن “زيارة وزير الخارجية “بومبيو” إلى السعودية وإثيوبيا تمثل فرصة للاستماع إلى جيران السودان المباشرين حول التطور الحادث في السودان.
وكان مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية “تيبور ناجي” أكد خلال زيارة لواشنطن أن شطب السودان من القائمة الإرهابية “ليس قراراً بل عملية”. وهو الأمر الذي يعني أنها ترتبط بإجراءات وقرارات تتوقعها واشنطن من الخرطوم .
وتشير معلومات غير رسمية إلى أن زيارة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن “عبد الفتاح البرهان” تأتي في هذا الإطار، بعد أن وجهت واشنطن دعوة رسمية إلى “البرهان” لزيارة أمريكا، في خطوة هي الأولى منذ أكثر منذ ثلاثين عاماً حال حدوثها، وجاءت الدعوة خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الأميركي “مايك بومبيو” و”البرهان”.
يذكر أن الولايات المتحدة أدرجت عام 1993 السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب؛ بسبب استضافة مؤسس تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن”، الذي كان مقيماً في السودان بين عامي 1992 و1996، إضافة إلى منظمة (أبو نضال) الفلسطينية.