نصف عام على الحكومة الانتقالية.. أزمات لا تراوح مكانها وآمال تتبدد
الشعب يتطلع لنتائج رفع العقوبات الاقتصادية
الخرطوم ـ سيف جامع
بالرغم من مضي نصف عام على تشكيل الحكومة الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء، الخبير الاقتصادي الدولي د.”عبدالله حمدوك”، إلا أن الأوضاع الاقتصادية التي أشعلت انتفاضة السودانيين ما زالت قائمة، ويواجه المواطنون تحديات عدة تتمثل في أزمة الخبز والوقود، والارتفاع المطرد في الأسعار. ويقول الخبير الاقتصادي “هيثم محمد فتحي” إن حالة عدم الاستقرار السياسي أدت إلى عدم استقطاب أي رؤوس أموال أجنبية أو وطنية، وأضرت بالشركات المحلية لعدم مرونة السياسات المالية والنقدية، لا سيما عجزها المتزايد في الميزانية نتيجة للدعم الكبير للغذاء والوقود، وجهودها للدفاع عن انخفاض قيمة الجنيه السوداني، وعجزها عن تقديم خطة إصلاحية موثوق بها تعالج التحديات الاقتصادية الرئيسية مثل استبدال نظام الدعم بتوزيع عادل للدعم المقدم للمواطنين للسلع والخدمات، ودعم الإيرادات الضريبية، والسماح بتحرك سعر صرف الجنيه بحرية أكبر، وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار، بما في ذلك استقطاب الاستثمار الأجنبي.
اختلال التوازن
ويرى الخبير الاقتصادي المعروف د. “هيثم محمد فتحي” أن ما تعيشه البلاد من اضطراب طرأ على التوازن الاقتصادي ناشئ عن اختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك. ودعا إلى البدء في برامج مكثفة للاستثمار في الصناعات ذات جدوى وذات ناتج قومي عالٍ ومواصفات عالية وقادرة على التنافس. وشدد (فتحي) على ضرورة توسيع دائرة الحوار لصنع قرار اقتصادي مدروس، مما يعني ضرورة الاستعانة بالخبراء بالداخل والخارج، حيث يمكن أن تكون لهم إضافات قيمة عبر حوار مؤسسي، فالسياسة الاقتصادية تحدد بالحوار بين الدولة وبين أصحاب المصلحة، والسياسة الاقتصادية السليمة يجب أن تتحدد بمشاركتهم ودعمهم، وبما تعبر عنه من توازن بين مصالحهم، أتمنى من وزارة المالية الحالية أن لا تسرد قائمة بكل المشاكل، إنما حل ما يبدو أنه يمثل قضايا جوهرية لما تمثله من أهمية وخطورة، مثل الخصخصة، والتصرف في وحدات القطاع العام بالبيع، والبطالة.
ارتفاع معدلات التضخم
ويعاني السودان من استمرار ارتفاع معدلات التضخم بصورة متسارعة مع زيادة أزمة الدولار التي أدت لارتفاع أسعار السلع والخدمات بالسوق، فارتفاع التضخم المحلي؛ يحدث نتيجة أن هناك أموالاً كثيرة مع المواطنين تطارد سلع قليلة في الأسواق.
واستعان رئيس الوزراء بالخبير الاقتصادي “إبراهيم البدوي” في إدارة ملف الاقتصاد، وبدا الوزير متحمساً في تنفيذ وصفة البنك الدولي حول الاقتصاد. ويشير “هيثم محمد فتحي” إلى أن حجم الأزمة كبير، ووزير المالية والتخطيط الاقتصادي لديه كثير من الخطط والروشتات يريد تنفيذها في آن واحد، وهي أصلاً تحتاج إلى خطة طويلة أو على الأقل خطة متوسطة المدى.
الحظر الأمريكي
ويتطلع السودان إلى تطبيق انتهاء الحظر الاقتصادي الأمريكي الذي جددته واشنطن مؤخراً، وفي تعليقه على تأكيد القرار الأمريكي الخاص برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان قال الخبير الاقتصادي “هيثم” إن القرار قديم منذ أن أعلنت العقوبات الاقتصادية الأحادية عن السودان منذ عامين، قال: (في تقديري أن هذا الإجراء قديم لكن ما ينقصنا في الاقتصاد السوداني إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حتى يتمكن من الاندماج في الاقتصاد العالمي، وهي النقطة الأهم بالنسبة للقرار)، مشيراً إلى أن هنالك تحويلات تمت مع بعض الدول وأيضاً عبر دول الخليج على قلتها عبر مصرف “الإمارات” و”البنك السعودي” وهي قليلة لا تسهم في حل مشاكل الاقتصاد السوداني، ما يحتاجه الآن السودان لعودة المعاملات الصرفية هو إزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لأن بقاء اسم السودان في القائمة حدَّ الكثير من الدول من التعامل مع السودان، بالرغم من رفع العقوبات الاقتصادية عنه، لذلك القرار قديم لكن السودان لم يستفد منه لتخوف الدول والمصارف العالمية من التعامل مع السودان بربطهم بمفهوم الحظر الأحادي الأمريكي، ووضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب.
معايير الحوكمة
وكان مسـاعد وزیر الخـزانة الأميركية قال إن أي تعامــل مع المصــارف في بلاده یتطلب التــزاماً بقــدر عــالٍ من معایــیر الحوكمة. والتقــى (الاثنين) بوفــد وزارة الخــزانة الأمركية للوقــوف على فــرص مساعدة السودان خــلال ھذه الفترة الحرجة. واقــترح مساعد وزير الخزانة الأمركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب، “مارشال بيلينغسلي”، أثناء لقائه محافــظ بنك السودان المركزي في الخرطوم َعلى ممثلين عن المصــارف السودانية ومحافظ البنك المركزي زیارة بعض المصــارف الأمركية والتحدث إليهم مباشــرة. وأوصى بضرورة تنقية النظام المالي من أي شبهات لغسل الأموال، إلى جانب تحويلات الأرصدة عبر الموبايل التي تفتقر للرقابة الكافية مؤكداً على ضــرورة تحصين تحويلات الأرصــدة، إضافة لفرص الاستفادة من التقانات الأميركية في تنمية الاقتصـاد السوداني.
انخفاض اسعار النفط
وتعول الحكومة السودانية على مؤتمر أصدقاء السودان المقرر انعقاده في شهر يونيو المقبل، حيث من المتوقع أن يحصل على دعم دولي كبير لكن الانتشار المضطرد لفيروس (كورونا) المستجد حول العالم يهدد بمستقبل الاقتصاد السوداني وقيام المؤتمر، خاصة أن حكومات الدول الداعمة اتجهت إلى تخصيص جهودها في مكافحة الفيروس، وفي ظل هذه المستجدات سجلت أسعار النفط عالمياً هبوطاً بلغ (30%) بعدما قررت السعودية، أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، خفضها بشكل أحادي عند التسليم في أعقاب فشل محادثات تحالف “أوبك بلاس” في التوصل إلى اتفاق (الجمعة). وتوقع خبراء أن ينعكس ذلك إيجاباً على المستهلكين، والدول المستوردة عبر خفض تكاليف المحروقات.
تناقص إنتاج النفط
ويمثل دعم المحروقات أكبر تحدٍّ للحكومة الانتقالية في ظل انخفاض إنتاج البلاد من النفط، حيث قال وزير النفط “عادل علي إبراهيم” في مقابلة مع (الشرق الأوسط) أمس، إن إنتاج البلاد من النفط تناقص إلى (60) ألف برميل، ما اضطر السلطات إلى الاستدانة من شركاء صناعة النفط وجنوب السودان، لتغطية العجز في تشغيل مصفاة الخرطوم، البالغ (100) ألف برميل في اليوم، وتغطي المصفاة حالياً نصف حاجة البلاد من المشتقات النفطية، ويتم استيراد النصف المتبقي.
وتغطي مصفاة الخرطوم (90) في المائة من حاجة البلاد لوقود «البنزين» و(60) في المائة من الجازولين، وتبلغ الطاقة التصميمية للمصفاة نحو (100) ألف برميل يومياً. ويستورد السودان في الشهر (4) بواخر جازولين، وباخرة بنزين، وباخرة غاز طبخ، يتراوح سعر الباخرة بين (25 – 27) مليون دولار.